لعبت النباتات دورا مهما في مجرى التطور البشري عبر التاريخ والامثلة على ذلك عديدة جدا.
فالكنين يشفي واحداً من اشد الأمراض فتكاً في أوروبا واسيا وغرب إفريقيا وهو مرض الملاريا وهو الذي مكن الإنسان من معالجة مرض النوم عام (1907م) وأنتج (606) أو (سالفارسان) وهو أول علاج صناعي للسفلس في عام (1909م) ...الخ. انه البحث عن كنين اصطناعي الذي قاد إلى كل تلك الاكتشافات والتجارب. وبالنتيجة ترك ايرليخ كيمياء مشتقات قار الفحم في موضع السيادة المطلقة.
وكان قصب السكر الذي استولى عليه الرجل الأبيض في غرب (الانديز) في عصر النهضة وزراعته بواسطة السود وهم الوحيدون القادرون على العمل في هذا المناخ، كان السبب في تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي التي جعلت البحر الكاريبي اشد سواداً من إفريقيا السوداء نفسها. كل ذلك من اجل محصول هو غير ضروري كلياً في الغذاء فهو ترف حينما يصبح غالياً وهو خطر حينما يكون رخيصاً ولا تضاهي المعاملة الوحشية للعبيد ألم الأسنان ولا الآلام القلبية أو بدانة المستهلك وحالياً لا يشك احد في مدى تعاسة المستهلك طالما يكون السكر على الأصح أكثر المواد الادمانية الاستهلاكية الشائعة تدميراً للصحة والمعروف عنها أنها ترتبط على الأقل بطراز واحد من طرز الأمراض السرطانية.
وفي عام (1784م) وصلت أول بالة قطن إلى ليفربول وفي واقع الأمر لم يكن ينمو أي قطن أو يصنع في الولايات المتحدة انئذ. وفي عام (1861م) أصبح القطن المحصول الوحيد الأكثر أهمية في العالم وكان ينمو في الولايات المتحدة وحدها أكثر من (80%) منه وفي نفس العام كانت سماء لانكاشاير تسوده أدخنة السخانات الباعثة للبخار التي كانت طاقتها مكرسة كلياً للصناعات القطنية.
وترتبط البطاطا بتاريخ ايرلندة وبخاصة منذ المجاعة العظمى عام (1845م-1846م). لكن هناك أسئلة لا تسأل دائماً وهي لماذا ايرلندة وحدها من دون كافة أقطار أوروبا الغربية تكيفت للبطاطا؟ ولماذا تبنت ايرلندة البطاطا أصلاً؟ ولماذا ارتفع المجتمع بنفس ارتفاع الاقبال على البطاطا خالقاً ظروفاً للمجاعة؟ ثم لماذا تبنت بريطانيا تجارة حرة كرد فعل لقضية ايرلندة؟ لماذا أصبح بعد الهجرات الجماعية عدد من مناطق معينة من الولايات المتحدة ايرلندياً؟ هل يمتلك البريطانيون أية فكرة عما فعلته لهم التجارة الحرة؟ ان عواقب البطاطا مازالت باقية لحد الآن في اضطراب العلاقات الداخلية بين بريطانيا وايرلندا والولايات المتحدة.
ولنعرج على نبات أخر له تأثير قوي على تغير مجرى التاريخ ولنعود إلى نقطة بداية انتشار الأوربيين خارج البحر الأبيض المتوسط وهو ليس التبشير بالدين أو تنامي الرأسمالية كما يحلو للمؤرخين إيرادها. وإنما كان السبب الفلفل. فقد كان هذا النبات في القرون الوسطى هو النكهة الأساسية التي تطغي على رائحة وطعم اللحم المتعفن والسمك الفاسد وتحجبهما.
ومن الوثائق التي تؤكد ما ذهبنا إليه في المقدمة، انه عندما انتشل حطام السفينة (ماري روز) في الثمانينات من القرن العشرين من قاع البحر، كان كل بحار تقريباً من البحارة الغارقين معها عام (1545م) يمتلك حقيبة حب فلفل صغيرة من بين مقتنياته الأخرى.
وعند حلول القرن السادس عشر أصبحت مدينة فينيسيا (البندقية في ايطاليا) غنية وجميلة بسبب احتكارها لتجارة الفلفل وحينما عرقل الأتراك طرق التجارة البرية في شرق البحر الأبيض المتوسط توقفت تجارة التوابل الفينيسية تماماً.
وبحلول عام (1520م) توجه المكتشفون البرتغاليون والايطاليون والاسبانيون كلهم غرباً أو جنوباً بغية الوصول إلى الشرق خلال هذين الاتجاهين فكان اكتشاف الأمريكيتين ناتجاً عرضياً على طريق البحث عن الفلفل وفي واقع الحال ان الفلفل هو الذي ساعد المكتشفين على العثور على قارتين أصبحتا الآن تؤلفان نصف العالم الصناعي والزراعي والتكنولوجي.
رد مع اقتباس
المفضلات