قرارات من نمط "الأحكام العرفية"!
عمون - محرر الشؤون المحلية - بالأمس فاجأنا وزير التربية والتعليم بقرار "جريء جداً!"، يقضي بإحالة خمسة عشر موظفاً بين مدير للتربية والتعليم ومعلم إلى الاستيداع، من بينهم عدد من المعلمين الذين شاركوا في المطالبات بإنشاء نقابة معلمين، وفي مقدمتهم رئيس اللجنة الوطنية مصطفى الرواشدة.
ثمة هواجس لدى المعلمين ومعلومات تتسرب بأنّ القرار الحقيقي يشمل ما يزيد على مائة منهم، ستتم إحالتهم إلى الاستيداع على فترات، أغلبهم ممن شارك في هذه الاحتجاجات، ما يعني أنّ الوزير انتظر إلى حين انتهاء العام الدراسي، وعطلة المدارس، لـ"يؤدب" المعلمين، وهو ما لا يمكن أن يتم إن لم يكن هنالك "ضوء أخضر" من مجلس الوزراء.
ذلك يعني، أيها السادة، أنّ خرائط الفقر التي أعلنتها أمس دائرة الإحصاءات العامة، (وبشّرتنا أن نسب الفقر وجيوبه ترتفع) ستكون مع قرار الاستيداع أوسع، وأنّ هذه الحكومة تمتلك نَفَساً عُرفياً، وثأرياً من المواطن، لا تقف عند حدود الضرائب والرسوم و"بدل الخدمة"، و"سياسات المقصلة" لأرزاق الناس، بل هي تتجاوز ذلك لتقمع وتؤدّب من يجرؤ على نقد سياساتها أو حتى الدفاع عن مصالحه والتعبير عن حقوقه، ليكون عبرةً للآخرين.
إذا كان المعنيون في الحكومة يظنون أنّهم بإسكات الإعلام التقليدي عن "ممارسة دوره" قادرون على إلغاء المعارضة وتمرير قرارات وسياسات من هذا النمط العرفي، فهم مخطئون تماماً، ذلك أنّ ما يحدث بمثابة كرة متدحرجة، لكنها ليست ثلجية، بل ملتهبة ترتفع حرارتها مع قيظ الصيف وسخونته، وهذا ليس في مصلحة أحد، لا الحكومة ولا المجتمع.
كان يفترض أن تلتقط الحكومة الرسالة واضحة تماماً مما حدث في تأبين فقيد الوطن كاسب صفوق الجازي، ومن أجراس الإنذار التي قرعها المخضرمان، هاني الخصاونة (الوزير الأسبق للإعلام) ود. خالد الكركي (رئيس الجامعة الأردنية) في الكلمات التاريخية التي ألقيت، والمفارقة أنّ هذه الرسائل كانت مباشرة وواضحة وصريحة، وبحضور رئيس الوزراء ووالده، أي أنّ الدلالة أصبحت مكتملة.
القرار لا يتحمّل مسؤوليته الوزير وحده، بل الحكومة بأسرها، وسينتقل غضب المعلمين ومن معهم من أهل الجنوب والشمال، وصدمة الرأي العام من الوزير إلى الحكومة، ومن يقف إلى جانبها في مثل هذه القرارات، التي لم تراعِ الأعراف التي كرّستها التقاليد السياسية الأردنية بأن: لا تحاربوا الناس في أرزاقهم، ولا تغلقوا الأبواب في وجوههم، ولا تدفعوهم إلى حافة الهاوية، لأنكم بذلك تهدمون جدراناً من الثقة والتسامح بنيت في عقود وشكّلت العمود الفقري للاستقرار السياسي.
المفضلات