امس امام بوابة الضمان الاجتماعي اوقعني مشهد، يثير الضحك لأبعد حد ويثير الحزن لحدود أبعد.
كان هناك سيدة في منتصف الثلاثينيات ربما جاءت لانجاز معاملة، ومعها ابنها صاحب (الثلاث) سنوات سعد.. وفي غمرة انشغالها بترتيب الأوراق هرب سعد الى اعلى الشارع، وكان الوقت منتصف النهار ويشهد ازدحاما في حركة السير.
المشكلة ان الام بدأت تطارد سعد ولكن الجلباب والكعب والجسم الممتلئ لم يساعدها، والفتى كان صغيرا سهل الحركة.. وبين التهديد والترغيب بدأت الحكاية.
كنت اراقب المشهد وهي تنادي عليه.. وتعده بأن تشتري له (بسكليت)، وفي تلك اللحظات كانت تقترب لمسافة امتار منه.. وحين تظن انها اقتربت من الامساك به تنطلق جرياً، وسعد هو الآخر ينطلق وتفشل المحاولة، ثم تبدأ بتهديده (والله لأموتك).. وسعد هو الآخر.. يرد بشتائم مماثلة: «انا والله لأموتك».
ظلت الام لنصف ساعة على هذا الموال الى اللحظة التي شارف سعد فيها على وصول (ام اذينة) وفي نهاية الأمر بدأت بالبكاء واللطم.. وسعد لم يكن في قلبه رحمة.. واستمر بالهرب.
تدخلت في اللحظة الحاسمة اوهمت سعد بأني عابر للمكان ولحظة اقترابي منه أمسكتُ به وأعدته الى امه.. والغريب ان الام لحظة ان أمسكته بيديها تلاطمت وتداخلت مشاعرها فهي تقبل الفتى تارة ثم تبدأ بصفعه تارة اخرى.
بعد ذلك أجلسته في حضنها وقبلته على رأسه ثم حملته وصفعته على مؤخرته وسعد غارق في الشتائم ويريد ان يكرر محاولة الهرب.
زمان كنت طفلا شقيا مثل سعد.. وهربت من بلادي وأنا في اول الدرب، ولكن الأردن وإن قسا فهو أمي وأبي.
أتذكر اني كتبت شغبا حلوا ونلت صفعات كلها حنان.
أنا الآن مثل سعد هارب في كتابة المقالات.. ولكن لا طرق تحويني ولا احد يركض خلفي.. الى متى نبقى نمارس الهروب.
عبدالهادي راجي المجالي
المفضلات