أما زلت تذكر أواخر آيار منذ عام مضى؟ وهل زالت الأوجاع؟ وهل تذكر كم تألمت وآلمت؟ كنت تدرك برغم مخدرات الألم وعدم قدرتك على الكلام بأنني أكذب عليك، أوهمك بأن ما تعانيه حالة طارئة، وبأنك ستشفى، كنت أرغب في سؤالك عمن ترغب في رؤيته وكنت أخشى ذهنك المتيقظ حتى في ساعات النزاع، في العاشر من حزيران رحلت، وفيه تعلمت درسا إضافيا في الحياة : لا شيء ولا أحد يعوض غياب الأب،وقد يكون الشخص الوحيد الذي لا يليق بغيابه الدموع، الغياب يستحق أكثر من البكاء وأكثر من البكاء هو احتباس الدموع
أخرجتك يومها من ثلاجة الموتى ولم أخش المكان ولم أكن على قناعة بعد بأنك ميت، بأن أنفاسك المتعبة قد توقفت، كنت نائما، متحللا من آلامك فاحتفلت بصمتك الأزلي على طريقتي، صمت يقابله صمت، وحدها أصابعي امتدت إلى أحرف الطابعة وعبرت عن غيابك وما أن تم إرسال المقال حتى عدت إلى حالة الإنكار.
هو لم يمت لكنه ارتاح من الألم هكذا كنت أقول لمن حولي ممن آلمهم الفراق ، هو باق حتى وإن رحل، هذا الذي علمني من أكون، الوحيد الذي تعرف على مفاتيح شخصيتي منذ كنت طفلة فكان يستثنيني من كل عقاب أو توبيخ لم يرحل..
عام مضى وها أنذا أعي بأنك رحلت وأعي بأن الغياب يصبح أكثر إيلاما مع مضي الأيام، فحالة الإنكار مؤقتة ولا بد من الصحو، بعد عام وعلى صوت فيروز»آلو ستي» الذي كان عنوان مقال نعيك وعلى الشاطئ الذي لم تهدأ أمواجه للحظة تذكرتك، لا أنا لم أنساك لحظة كي أتذكرك،بل أدركت بأنك في العالم الآخر، وبأن لا فرصة لسماع هدير صوتك الذي يشبه هدير أمواج البحر من جديد، أنت في طباعك كنت تشبه البحر، وأنا في بعض طباعي أشبهك، ألهذا السبب بدا البحر غاضبا؟ هل شاركني حزني المكبوت على طريقته؟ وهل رغب في استمطار الدموع؟ نعم: انتهت حالة الاحتباس وانهمرت الدموع وتعلمت أثناءها درسا آخر: لا تؤجل دمعة اليوم ولا صرخة اليوم إلى الغد، فهي لا بد آتية.
الموت حق درس تعلمناه وعايشناه ، لكن أيها النائم في قبرك ويا من تعلمت منك الكثير ويامن كنت تحتفظ بقصاصات مقالاتي تحت وسادتك: علمني كيف يموت الحب؟ كيف نتخلص من حب من فقدناهم؟
كيف أقول لأمواج البحر الغاضبة ولصوت فيروز ولكل الأشياء التي توقظني على حقيقة غيابك كفى؟ كفى فقد كنت أعاني من صعوبة في الإدراك لأسباب نفسية وقد أستعدت قواي العقلية من جديد فاستيقظت على الدموع ، دموع الأمس ودموع اليوم وقد يكون للغد منها نصيب فيوم بعد يوم يطغى حضورك ويغيب الغياب والإنكار.
ميساء قرعان
مما راق لي ونقلته
المفضلات