مقالات
الصينية .. ليست لغة مريخية!
كانت دهشتي كبيرة إنعقد لها لساني. فقد تسلّمت دعوة كريمة من سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة لحضور الإمتحان النهائي في اللغة الصينية لطالبات وطلبة أُردنيين بعنوان «الدورة الأولى لمسابقة كأس سور الصين العظيم – البترا» برعاية السفير الصيني النشِط في المملكة (يو هونغ يانغ)، وحفل التخرّج البهيج الذي أعقبه للناجحين، وكانوا كافّتهم بالمناسبة ناجحين. فقد أنهوا على عجل مساقات مكثفة لتعلّم اللغة الصينية في عدة معاهد بينها اللغات التابع للقوات المسلحة؛ طلال أبو غزالة – كونفوشيوس وغيرهما ومساقات خاصة في الجامعة الاردنية. وجرت الفعالية في مقر السفارة الصينية بحضور ممثلين عن القطاعات الأكاديمية والعلمية المحلية.
كانوا عشرة طلاب من مختلف الأعمار من مجموع 150طالباً يدرسون الصينية في المملكة، بينهم سيدة متقدمة في السن تعمل مترجمة، وشابات وشباب في عمر الزهور، وآخرون منهم المدني والعسكري، ومع أن انتظام جميعهم في دورات اللغة كان لأربعة أشهر فقط، إلا أن مستوياتهم بدت رفيعة وكأنهم يتقنون هذه اللغة الهيروغليفية منذ سنوات طويلة، وهو مصدر الحيرة التي انتابتني وأدهشت السفير الصيني نفسه أيضاً. وقد جلس على جانبي القاعة أعضاء لجنة الامتحان من الأساتذة الصينيين الذين برغم صرامتهم كانوا يبتسمون راضين عن مستويات الطلاب وطلاقة ألسنتهم، وهو مظهر غير عادي في عملية تعلّم لغة صعبة. قُسّم الامتحان الى ثلاثة أجزاء: الخطابي؛ التحريري؛ عروض المواهب باستخدام اللغة الصينية. لكن يبدو أن الرسم التشكيلي باللغة الصينية كان الأمتع في هذه العملية الإمتحانية التي لم يشهدها الاردن من قَبل. كان أداء الطلاب راقياً الى حد أن أحدهم رسم بالريشة والحبر الأسود والأحرف الصينية طائراً مفعماً بالروح القتالية!!!. أجابوا على الأسئلة الصعبة وشكّلوا فقرات من كلمات ظهرت أمامهم على شاشة كبيرة.. غنّوا بمصاحبة الموسيقا والألحان الصينية، وألقوا أشعاراً بالصينية التي تكشّف لي أنها ليست مريخية، بل أرضية وسهلة بشهادة المُمتَحَنينَ أنفسهم. لكن الشيء المُحيّر في الأمر إصرار الطلاب على السير في طريق هذه اللغة الى النهاية، وكأنها تملّكت روحهم وسيطرت على فؤادهم، وتأكيداتهم بأنهم يكرسون جهدهم لنيل ناصيتها بغية المساهمة بتطوير العلاقات الاردنية الصينية من خلالها، سواءً بتوظيف أنشطتهم في المؤسسات الرسمية أو القطاع الخاص أو التجاري الذي تزدهر أعماله راهناً بين البلدين الصديقين.
السفير الصيني (يو هونغ يانغ) قيّم الفعلية «بالناجحة جداً، وأن مستويات الطلاب عالية للغاية.. نطقهم سليم كما منطقهم»، ومازحهم قائلاً ان مستواهم أفضل من مستواه هو نفسه!
ومما قاله السفير المتواضع وكنت أجهله ويجهله معي كثيرين أن 200معهد كونفوشيوس تـُعنى بتعليم الصينية تعمل حالياً في أكثر من 80دولة، وهناك60دولة تطالب بفتح هذه المعاهد على أراضيها.. بل أن عدداً من المدارس الثانوية الاردنية تطالب بتنظيم دورات تعليم الصينية في صفوفها تجاوباً مع تطور العلاقات الاردنية الصينية، وعبّر السفير عن تقديره لجهود جلالة الملك عبد الله الثاني في إقامة علاقات إستراتيجية مع الصين وتقوية الشرَاكةِ الإستراتيجية بين البلدين، لافتاً الى النجاحات التي حققتها زيارات جلالته الى بكين في توقيع العديد من إتفاقيات التعاون وتبادل الآراء في مختلف القضايا التي تهم الجانبين، وقد عكست كلمة السفير أهمية اللغة الصينية بالنسبة للاردن، فبدونها يَصعب نمو التبادل في الإقتصاد والتجارة والثقافة والسياحة، ووعد ببذل مزيد من الجهود في هذا المضمار بالتعاون مع المؤسسات الاردنية.
مروان سوداح
المفضلات