عربي ودولي
مستقبل العلاقة بين لندن وواشنطن
بعد رؤيتهم لتدهور العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة خلال الأشهر السبعة عشر الأخيرة، يأمل العديد من الأميركيين اليوم في حدوث تغير إيجابي في عهد رئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون؛ غير أن خطابا ألقاه زعيم «المحافظين» قبل أربع سنوات يشير إلى أنهم سيصابون بخيبة أمل كبرى. ثم إن كاميرون وأوباما يشتركان في أمور كثيرة، وهذا يعني أن العلاقة المتميزة باتت في ورطة كبيرة.
في 2006، ألقى كاميرون ما يرقى إلى إعلان استقلال عن أميركا وهجوم شرس على سياسة الولايات المتحدة الخارجية (بدعوى انتقاد «تيار المحافظين الجدد»، الذي قال إنه طغى على سياسات أميركا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر). واستهل كاميرون خطابه برفض مشاعر معاداة أميركا التي قال إنها «تمثل استسلاماً أخلاقياً وثقافياً»؛ ولكنه سرعان ما راح يهاجم مقاربة واشنطن للأمن القومي، واصفاً إياها بـ»غير الواقعية والتبسيطية»، وتحركها «التصريحات السهلة» ويعوزها «التواضع والصبر»، حيث يدفع تيار «المحافظين الجدد»، يقول كاميرون، بـ»رأي لا يرى في العالم سوى النور والظلام».
كما انتقد رد أميركا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مجادلًا بأنه «عبر القول بوجود مصدر واحد للإرهاب – جهاد عالٍ–ومواجهته بواسطة رد عالمي وحيد (القوة)، فإننا بذلك إنما نقوم فقط بتحقيق نبوءاتنا»، مضيفاً أن هذه المقاربة «يمكن أن تُحدث تأثيراً معاكساً للتأثير المقصود بسهولة: جعل الإرهابيين أكثر جاذبية للناس». بعبارة أخرى، إن رد أميركا المبالغ فيه على هجمات الحادي عشر من سبتمبر ساعد على تجنيد الإرهابيين وغذى الجهاد العالمي، وهذا عموماً هو انتقاد أوباما لمقاربة إدارة بوش تجاه الإرهاب.
كما رسم «كاميرون» ملامح رؤيته لـ»عالم ما بعد تيار المحافظين الجدد»، رؤية تبدو مشابهة كثيراً لرؤية أوباما، حيث دعا إلى «تركيز جديد على التعددية»، مضيفاً: «لقد وجدنا خلال السنوات الأخيرة أنه إذا كان باستطاعة بلد التصرف بمفرده، فإنه لا يستطيع دائماً النجاح بمفرده». واستشهد باثنين من أبرز منتقدي بوش – تشاك هاجل سيناتور «جمهوري» عن ولاية نبراسكا وجو بايدن سيناتور «ديمقراطي» عن ولاية ديلاوير، فهاجم ما يوصف بأحادية أميركا، وانتقد معتقل جوانتانامو و»فترات الاعتقال الطويلة من دون محاكمة»، مشدداً على أن «المهمة الأخلاقية تتطلب طرقاً أخلاقية. ومن دونها، فإننا نغدو مجرد مشعلين للحروب». وعن جهود أميركا الرامية لتشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط قال «كاميرون»: «إن الحرية تنمو وتنطلق من الأرض، إذ لا يمكن إسقاطها من الجو بواسطة طائرات من دون طيار». كما أوضح أنه من هنا فصاعداً ينبغي أن نعمل عبر «الأمم المتحدة التي تمنح الشرعية للتحركات متعددة الأطراف».
ولكن اللافت بشأن خطاب «كاميرون» ليس جرأته فقط، وإنما توقيته. ذلك أن كاميرون اختار شن هذا الهجوم على أهم حلفاء بريطانيا في الحادي عشر من سبتمبر 2006 – الذي صادف الذكرى الخامسة لأسوأ هجوم على التراب الأميركي. والحال أن الأمر يشبه شن سياسي أميركي هجوماً لاذعاً على رد بريطانيا على الاعتداء النازي في ذكرى «العاصفة الثلجية»، (الضربات الجوية الألمانية على بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية). والواقع أنه حتى الأشخاص الذين قد يتفقون مع مضمون ما قاله «كاميرون» ينبغي أن يعترفوا بأن إلقاءه الخطاب في الحادي عشر من سبتمبر، كان عملاً فظاً، ولا ينم عن الاحترام تجاه هذا البلد.
في ذلك الخطاب، أثنى «كاميرون» بعض الشيء على العلاقة المتميزة التي تجمع البلدين، ولكنه سرعان ما أعلن أنه تحت زعامته لن تظل بريطانيا «شريكاً لأميركا من دون قيد أو شرط في كل الأمور»، مضيفاً «ينبغي أن نكون أقوياء، وليس تابعين». والأسبوع الماضي كرر «ويليام هيج»، وزير الخارجية البريطاني الجديد، هذه الفكرة. لاحظ هنا استعمال كلمة «تابع»، إنها الكلمة نفسها التي استعملها حليف «كاميرون» الجديد زعيم «الديمقراطيين الأحرار» نيكولاس كليج، الذي قال في خطاب له أثناء الحملة الانتخابية الشهر الماضي: «أعتقد أنها محرجة أحياناً الطريقة التي يتحدث بها السياسيون «المحافظون» و»العماليون» بهذا النوع من التبعية حول العلاقة المتميزة»، مضيفاً «إنهم يتقدمون إلى الأمام. فلماذا لا نفعل أيضاً؟». وكليج اليوم هو نائب رئيس الوزراء الذي يحمل مفاتيح السلطة في أول حكومة ائتلافية في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
ماذا يعنيه كل هذا بالنسبة للعلاقة البريطانية الأميركية؟ خطاب كاميرون يشير إلى أن الرئيس الأميركي الليبرالي سيحب رئيس الوزراء الجديد أكثر بكثير مما فعل «براون»، لكن المشكلة هي أن أساس أي شراكة بين كاميرون وأوباما، هي رؤية مشتركة ترى أن علاقاتنا ليست مهمة جداً أن أمن العالم لا يقوم على قوة التحالف التاريخي بين «الشعوب المتحدثة بالانجليزية»، وإنما على «تركيز جديد على التعددية» وتنسيق أكبر من خلال الأمم المتحدة.
إننا نعلم أن «وينستون تشرشل»، هو الذي انتصر لفكرة إنشاء الأمم المتحدة؛ غير أن تشرشل قال أيضاً في خطاب ألقاه في «فالتون» بولاية ميسوري في 1946 محذراً: «لا الوقاية الأكيدة من الحرب، ولا الصعود المستمر لمنظمة عالمية سيتحقق من دون ما أسميه الشراكة الأخوية التي تجمع الشعوب الناطقة بالانجليزية... علاقة خاصة بين دول الكومنولث والامبراطورية البريطانية والولايات المتحدة». واللافت أنه من بين الأعمال الأولى التي قام بها أوباما كرئيس للولايات المتحدة، هو إعادة تمثال نصفي لتشرشل كان يزين المكتب البيضاوي خلال السنوات الثماني الماضية – كان معاراً كرمز لتلك العلاقة المتميزة–غير أنه أمر جيد ربما أن السير تشرشل لم يبق في المكتب البيضاوي حتى يشهد انحلال وتفكك هذه العلاقة.
مارك إيه. تيسن (زميل معهد «أميركان إنتربرايز»)
واشنطن بوست الاميركية
المفضلات