الأردن.. لا احد يستمع "لتطمينات" الحكومة بخصوص السلام
سخرية من شعار"دفن الوطن البديل" ودعوات جماعية لإستراتيجية دفاعية تتصدى للجار "العدو"

لا يستمع حتى بعض ابناء مؤسسة القرار للدعوات التي تنطلق من داخل الحكومة والصف الرسمي وتحاول تهدئة الرأي العام وتبديد مخاوفه المستقبلية خصوصا عندما يتعلق الامر بمسألتين هما المؤامرة الاسرائيلية التي تحمل عنوان الوطن البديل والتي لم يعد احد يستطيع انكارها، والوضع الاقتصادي الصعب وتداعياته الامنية.
ولا يستمع اغلب الاحيان حتى بعض اعمدة الدولة واركان النظام لاجتهادات السياسيين والدبلوماسيين التي تحاول امتصاص الاحتقان وزرع الثقة بالنفس والتبشير بالآمال والايحاء بأن عملية السلام منتجة وبأن اتفاقية وادي عربة ضمنت الحدود ومنعت الترانسفير وكرست اسرائيل كجار، فيما تقول الوقائع انها الآن 'عدو' كما لاحظ الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان.
ولان حكومة نتنياهو تتلاعب يوميا بكل مقاييس المصالح العليا للاردنيين لا يجد المتفائلون او مخففو الاهوال في الصف الرسمي من يشتري بضاعتهم، فقصة التصدي لمؤامرة الوطن البديل تصعد الى اعلى الواجهة الآن وتتجاوز اي قصة اخرى رغم ان اصحاب القرار المفصلي طرحوا السؤال التالي: كيف ستفعل اسرائيل ذلك واين نحن اذا خططت؟
ونتنياهو الذي زرع في خاصرة الاردنيين من شتى الاصول والمنابت مجددا مخاوف الترانسفير قام عمليا باحياء جدل الوطن البديل وجعله اصلا حتى في المشهد الداخلي الاردني بدليل ان بعض عواجيز الساسة والحكم وفي مقر جمعية الشؤون الدولية استذكروا بسخرية المقولة الشهيرة لمهندس اتفاقية وادي عربة وموقعها عبد السلام المجالي التي اعلن فيها 'اليوم ندفن الوطن البديل'.
وهذه الحقيقة دفعت بنخبة من متقاعدي الوسط العسكري وفي تطور لافت نحو زوايا العمل السياسي التي تركها العسكر طوال عقود لكي يقولوا كلاما حازما وصارما يصلون في مضامينه الى بعض المناطق التي كانت بالعادة حمراء في جملة اعتراضية اسست اصلا على عودة الخوف من الوطن البديل.
والمتقاعدون هنا للتذكير هم الاكثر زهدا بالضوء والامتياز الشخصي والاكثر ولاء للنظام وأحد رموزهم قال: بنينا وطنا موحدا بالعرق والدم ولا يمكننا التساهل في الحفاظ عليه.
لذلك ظهر المتقاعدون كقوة لواجهة العمل السياسي بعد ان استشعروا الخطر كما ظهر المعلمون كقوة محركة بعدما لفحتهم نيران الازمة الاقتصادية واصدروا- اي المتقاعدين-بيانهم الاستثنائي الذي اصبح بحد ذاته حدثا سياسيا واجتماعيا بامتياز يتعهد رموزه بتصدر القائمة عندما يتعلق الامر بأي تضحيات لها علاقة بالحفاظ على الهوية الوطنية الاردنية ومنع الترانسفير والمحاصصة والوطن البديل.
وهنا حصريا برز لكل مراقب للحالة الاردنية دليل اضافي على ان بعض اجنحة المؤسسة لم تعد تصدق الحكومات القائمة ولم تعد تؤمن بها حيث لا تنجح السلطات التنفيذية في 'تذويب' مخاوف الوطن البديل او حتى التخفيف منها ,وحيث يظهر الواقع الموضوعي ان الحكومة واعلامها في هذا السياق لا يستمع لهما احد.
وعدم الاصغاء له بكل الاحوال مبرراته واسبابه فوقائع معادلة القوة والتجاهل في مواجهة الإسرائيليين تقول مباشرة بان الإسرائيلي سياسيا لا يخشى الأردني حتى الان على الأقل، وبوصلة التقييمات تقول ضمنيا بان المواطن يفتقر للثقة بوجود 'مطبخ تصد'مقنع في الحكومة.
ونفس الوقائع تدلل على ان انحيازات الدبلوماسية الاردنية المضادة لحماس والمقاومة وحزب الله والمتعاكسة مع خيارات معسكر التشدد العربي لا توحي بأن المطبخ الرسمي يستشعر الخطر كما تستشعره نخب القطاع الاهلي .
حتى التعيينات في المناصب العليا لا تقنع الناس واداء المؤسسات الحكومية متردد ومتلعثم والاعلام الرسمي ما زال دون مستوى مؤشر الخطر.
وعليه لا يستمع احد في الساحة للمسؤولين او لكتبة الحكومة وهم يطمئنون او يخففون او يحاولون زرع الامل والتضليل... لذلك ولذلك فقط تحصل تطورات لا يمكن تجاهلها في حالة الغليان الاردنية الداخلية من طراز وزير داخلية يتحدث علنا عن الاستشهاد ومتقاعدين عسكر يخرجون عن صمتهم داعين الى استخدام شبكة صاروخية فعالة وإستراتيجية دفاع وطنية حقيقية قبل تشكيل حكومة وطنية مقنعة تحت عنوان التصدي لمؤامرة العدو الإسرائيلي.
المصدر : الحقيقة الدولية - القدس العربي 2.5.2010
المفضلات