محاربون على أسوار القدس
طوبى لهم هؤلاء الذين ظاهروا على الحق، وجاهدوا على أسوار القدس واكناف القدس في حربي 1948 و 1967.
طوبى لهم أهلنا، فقد كانوا خرجوا من بيوتهم في اربد والرمثا ومعان والكرك والغور قاصدين الشهادة في أرض الرباط التي بارك الله فيها وحولها. استظلوا رايات الجيش العربي المصطفوي وسجلوا في تاريخ هذه الأمة فصولا من الضياء والغضب الساطع.
منهم من فاز بالشهادة ومنهم من ينتظر ويحدثنا اليوم عن رحلته تلك، الى الجنة.
يرحمه الله استاذنا الكبير سليمان عرار. فمن موقعه على رأس (الرأي) هذا المنبر الوطني العالي كان قالها (كلنا فلسطينيون من أجل فلسطين، وكلنا اردنيون من أجل الأردن).
ومن هذا المنبر نفسه نستحضر اليوم وبالتفاصيل، ذكريات أهلنا الذين خاضوا في فلسطين، أرض التين والزيتون واولى القبلتين، حربي الدفاع عن بلد اليقين. فيهما سجلوا بطولات لم تأخذ حقها من التوثيق ومن الاضاءات الانسانية المجلّله بالفخر والثواب.
في مثل هذا اليوم من كل اسبوع، ستكون لنا هنا إطلالة عزّ نستحضر فيها ذكريات أهلنا الذين شاركوا في حربي فلسطين 48 و 67 ... نجلس في حضرتهم ونستمع لهم ونجدد معهم أحاسيس البطولة في زمن نأمل ان لا يطول قحطه.
اللواء المتقاعد حكمت مهيار قائد السرية الثانية عشرة في معركة «كفار عصيون»
استولينا على مستعمرة كفار عصيون وأسرنا 300 يهودي منهم 80 مجندة بلباسهن العسكري
ملك يوسف التل - الحوار مع حكمت باشا غني بكل معاييره مثير مدهش بما تحمله ذاكرته لأدق التفاصيل في حفظه للأسماء وسرده للأحداث . يتذكر الأشياء بالساعة واليوم ويحفظ الألقاب ويصف الأشكال بألوانها ومكانها وأسباب حدوثها فتجاوزت حدودي بالحوار معه لأبعد من مشاركته في حرب فلسطين لعام 1948 .
مع ابي مطيع ندون تاريخ الوطن بكل تفاصيله من خلال محطات حياته الغنية والتي تشكل في مجملها شيئا ذا اهمية في حياتنا لأجيال قد تعود يوما للبحث في العمق.
ولد أبو مطيع قبل الامارة . وفي الأوراق الرسمية وحتى يصبح شرطيا فهو من مواليد 1918 لكن الأصح انه من مواليد عام 1916في مدينة السلط التي درس فيها الابتدائة ومنها الى تجهيز عمان إلى العسكرية شرطيا في شرطة العاصمة في سن الـ 16 عاما وعندما وصل رتبة ملازم أول ثم نقله إلى الجيش للخدمة في القوات المسلحة الأردنية أيام ما كان الجيش والأمن تحت قيادة واحدة.
بالتفصيل حدثنا عن مشاركتك في كفار عصيون؟
خاض الجيش الأردني معركة حامية الوطيس مع العصابات الصهيونية في مستعمرة كفار عصيون وهي من أقوى المستعمرات اليهودية المحصنة حيث استمرت في التصدي للقوافل العربية وقطع الطريق عليها وكان لا بدّ من إزالة هذه العقبة من طريق القوافل العربية.
في اليوم السادس من آذار لعام 1948 قام مسلحوا كفار عصيون بإطلاق النار على عدد من السيارات التي كانت ترافقها بعض سيارات الجيش العربي ومصفحاته، كما قصفوا القافلة بقنابل المورتر، فقتل جندي وتعطلت إحدى السيارات فتعذر سير القافلة حتى وصلت للجيش العربي الاردني نجدة ودخلنا المعركة فهرب اليهود واحتل الجيش دير الشعار وعندما عادت القافلة الى عمان تم تسليم الدير الى المجاهدين الفلسطينيين لان الجيش الأردني لا يتمكن من البقاء طالما ان الجيش البريطاني لم يغادر فلسطين بعد.
ومن ثم؟
بعد ذلك عاد اليهود مرة ثانية واحتلو الدير وبقوا فيه لغاية الشهر الثالث حتى جاء كلوب باشا مبعوثا من قبل جلالة الملك لتنظيف طريق القدس الخليل بئر السبع من اليهود.
استسلموا؟
جاءتني برقية من الصليب الاحمر الدولي في القدس تقول: « اليهود قرروا الاستسلام بشروط منها « ان يعاملوا معاملة أسرى حرب»
في اليوم الثاني بعد موافقتنا على شروطهم جاء الصليب الأحمر ومعهم قائد منطقة القدس عبدالله التل وتم استسلام يهود المستعمرات الثلاث.
والأسرى؟
بالنسبة للأسرى تم الاهتمام بهم بإشراف جمعية الصليب الأحمر الدولية حيث أخذنا جميع المحاربين والمحاربات الأسرى وكان عددهم 300 أسير برتب مختلفة 80 منهم مجندات بلباسهن العسكري وأمرت بنقل الأسرى إلى سجن الخليل والأسيرات وضعناهن في سجن بيت لحم. بعد الهدنة الأولى نقلت الأسيرات من بيت لحم إلى الخليل بعد ان وردتنا معلومات أنه سيقع عليهم تعدي اثناء وجودهن في سجن بيت لحم . أثناء نقلهن ولأن الطريق إلى عمان من بيت لحم والقدس أغلقت أرسلت القيادة ضابطا اسمه (برومج) برتبة ملازم أول وهو مهندس تم بوجوده فتح الطريق من قبل متعهدين ومهندسين وعمال من الخليل ومن العشائر المجاورة وخلال أسبوعين تم الانتهاء من فتحها من بيت لحم إلى بيت ساحور إلى وادي النار إلى النبي موسى فأخذنا الأسرى لوضعهم في معتقل شرق المفرق في أم الجمال. وصلنا وادي شعيب وكان معنا حرس من الجيش الأردني ومناضلين من الخليل وايضا معنا الشيخ الجعبري والمجلس البلدي احتسابا لأي طاريء قد يحصل.
اعترضكم أحد؟
ما توقعناه قد حصل عندما اعترضنا الجيش العراقي الموجود في وادي شعيب محتجا على احضارهم فوقف الشيخ الجعبري وألقى خطابا ذكرهم فيه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (استوصوا بهم خيراً) وأخبرهم ان هؤلاء الأسرى قد استسلموا ضمن شروط وقعنا عليها وان أي تعدي عليهم سيقتلوا العرب في حيفا ويافا ومن ضمنهم شقيق الشيخ الجعبري وأقاربه المعتقلين في يافا عند سقوطها. اعتذر القائد العراقي لما بدر منه وتابعنا سيرنا إلى السلط عند عين البنات والتي كانت تسمى عين الحزير وقد أسماها الملك عبدالله الأول عين البنات لأن بنات الحي كنّ يعبئن الماء من العين بلباسهن الجميل فسر الملك من منظرهن وغيّر اسمها إلى عين البنات.
دخلتم السلط؟
قبل وصولنا جاءتني رسالة من السلط بتوقيع الملازم عبدالقادر القطب ضابط الشرطة يقول: لا تدخلوا السلط. ستقتلوا ويقتل الأسرى الموجودين معكم لأن أهالي السلط مسلحين وموجودين في البيارات ينتظرون قدومهم لقتلهم. فقمنا بالتحفظ عليهم في عين البنات وذهبت والجعبري وعدد من المناضلين إلى السلط ووجدنا أهلها بأعداد كبيرة مسلحين . ألقى الشيخ الجعبري خطابا يتضمن الشهامة والمروءة المعروفة عن أهل السلط قال: « هؤلاء الأسرى الذين قتلوا أبناءنا جئنا نوصلهم إكراماً لله وللملك عبدالله ولجيشه الأمين، فإذا اعتديتم عليهم فاننا سنفقد أبناء فلسطين وأبناءنا الموجودين في يافا» . وبعد لحظات تشاور زعماء السلط فيما بينهم ثم عادوا وقالوا: «ليدخلوا بوجه الملك عبدالله وجميع عشائر السلط».
وصلوا أم الجمال بسلام؟
لم نصل بعد فعندما اقتربنا من منطقة صويلح جاءنا وفد من معارفنا في عمان يقول: «لا تدخلوا عمان، ستقتلوا ويقتل من معكم» حيث كان هناك سرايا من الأهالي في فلسطين متطوعين من الأردن واستشهد منهم عدد وآخرون لا يعرفوا مصيرهم، فاتفقنا على أن نحضر الأسرى من طريق القصور الملكية وادي الحدادة رغم ان الطريق كانت صعبة ووعرة حتى وصلنا إلى الزرقاء وكان في شرقها ينتظرنا الملك عبدالله قائد الجيوش العربية وكان عنده اجتماع في القصر لملوك وزعماء العرب.
نزلت مع الشيخ الجعبري وقبلنا يد جلالته وكان مبتهجا جداً لحفاظنا على الأسرى وانتصارات جيشنا العربي الأردني التي كان يتابعها أولا بأول ثم تابعنا السير إلى أم الجمال وسلمنا الأسرى إلى قائد المعسكر وعدنا إلى الخليل ثم حصلت الهدنة وبعدها نقلت إلى عمان.
هل تطوع اردنيين ؟
طبعا وكانت توجد سرية بقيادة عبد اللطيف أبو قورة ومساعده ممدوح الصرايرة من الكرك وكان موقعها في جبال القدس وكانت السرية الثانية في بيت لحم بقيادة فارس عقيل ومساعده عربي الجميّل كما كان يوجد مناضلون من بني صخر في كل من اللد والرملة بقيادة الشيخ محمد الفايز ومن الحويطات بقيادة الشيخ هارون بن جازي وكانوا في أول باب الواد.
هل تتذكر أول شهداء جيشنا في كفر عصيون؟
أول شهيد من الجيش العربي الأردني الرقيب مثنى اليماني والد اللواء مصلح اليماني من القوات المسلحة وثاني شهيد شاب اسمه جودت رشيد شما جاء من عمان بدل الطبيب كمأمور صحة.
ماذا عن انزال صورة الحسين بن علي في نادي الملك الحسين؟
هذه حادثة هامة وكان سببها مصطفى وهبي التل وله الفضل الأول في تدريبي عنده في دائرة الاجرة في بداية دخولي الشرطة عام 1934 حيث كانوا حينها يرسلوننا الى دورات وكانت دورتي عند أبي وصفي ولاأنسى انني حصلت منه على أحسن شهادة.
ما زلت أذكرعندما كان مصطفى وهبي يقود المظاهرات والاحتفالات الوطنية في شوارع عمان ومعه وصفي على يمينه ومريود على يساره وكان يحضر كل المؤتمرات الشعبية.كنت حينها شرطيا ووصلت إلى رتبة رقيب اثناء هذه الحوادث منها الحادثة التي حدثت عندما دخل أبو وصفي نادي الملك الحسين الواقع في طريق شارع السلط مكان البنك المركزي حاليا وكان برفقته شخص يدعى عوض الضرغام من الرمثا وكان رجل شجاع وقبضاي، قال له مصطفى وهبي: انزل صورة الحسين بن علي فمقامها أسمى من ان تبقى عند أناس لا يحترمون احدا . فانزلها ضرغام أمام كل الموجودين في النادي الذين اختبأوا في احدى غرف النادي .
عندما وصلنا الخبر كان مصطفى التل قد دخل إلى القهوة ولم يعرف اننا قد احتفظنا بالصورة واعدناها لمكانها في النادي وتم حبس عوض الضرغام وعندما عرف بذلك مصطفى وهبي جاء إلى مركز الشرطة قرب الجامع حيث كان ينزل في الفندق العربي القريب من الجامع فخرج قائد الشرطة عبد الرحمن الجمل للقائه فرفض الدخول إلى مكتبه وقال له: لن ادخل مكتبك حتى تخرجوا الضرغام من السجن.. وتابع : الضرغام أخذ امرا مني لماذا تحبسونه، احبسوني انا. افرج عن الضرغام وكانت النتيجة ان جلالة الملك المؤسس طلب أبو وصفي للديوان في الملعب الروماني وشكره وانتهت القضية.
ولقائك مع مدير المخابرات المصرية في بيت سفيرنا علي الحياري؟
جاء ذلك دون تخطيط أو موعد مسبق .. اثناء زيارتي للقاهرة مصطحبا ابني مطيع الذي دخل جامعة القاهرة كلية الطب عام 1971 دعاني سفيرنا في مصر علي الحياري لتناول طعام العشاء على شرف مدير المخابرات المصرية ومساعده وبناء على طلب من سفيرنا الحياري جلست معه . اثناء الحديث قال لي مدير مخابرات مصر : وصفي التل قادم بعد يومين لحضور اجتماع الدول العربية. فأخبرته انني علمت من خلال الصحف عن زيارته وانا الآن خارج الوظيفة لكنه أضاف أرجو الله ان لا ياتي إلى مصر لانه ان جاء لن يعود فهناك محاولة لاغتياله . قلت له لماذا لم تخبره عن طريق السفارة أو وزارة الخارجية اجاب حصل ذلك . وطلب مني ان ابلغ وصفي التل شخصيا ما سمعته . بعد عودتي إلى عمان جاء للسلام علي الشيخ حمدان العابد صديق وصفي وصديقي أيضا فاخبرته ما قاله لي مدير المخابرات المصرية في بيت سفيرنا الحياري وطلبت منه ان ينصحه ويعدل عن سفره لكن وصفي الذي بلغ بدوره الملك الحسين ما اخبره به الشيخ حمدان على لساني ونصحه جلالته بعدم السفر فكان جوابه انا لست جبانا . وسافر ولم يعد.
رد مع اقتباس
المفضلات