الوحدة.. مع الكآبة واضطرابات النوم
..من هو سبب وحدتك ؟؟
..وهل تعلم ان اضطراب نومك ومشاعر الحرمان والخوف من التسلط اهم اسباب تدفع الانسان الى الركون المرضي نحو الوحدة الاجتماعية والعائلية؟
..ولهذا خلصت دراسات منهجية وعلمية طبية الى ان الوحدة مرض، وأسوأ ما فيه أنه معدٍ.
يبدولنا هذا الواقع غير منطقي، إلا أن الوحدة تنتقل من شخص إلى آخر، حسبما يؤكد بحث أبرز قدرة عواطف المرء على التأثير في مشاعر أصدقائه وعائلته وجيرانه.
جمعت هذه الدراسة، التي حظيت بتمويل فدرالي، بيانات من أكثر من 4 آلاف شخص على مدى 10 سنوات. فتبيّن أن احتمال إصابة المرء بالوحدة يرتفع في حال كان أحد المقربين منه يعاني هذه الحالة. ولا تقتصر العدوى على أقرباء المريض أو أصدقائه المباشرين. فقد تنتقل إلى صديق صديقه أو ربما أحد أولاد صديقه.
جون كاشيوبو، عالم نفس من جامعة شيكاغو أشرف على هذه الدراسة الواردة في عدد ديسمبر من مجلة Journal of Personality and Social Psychology، يوضح: (يمكن للوحدة أن تنتشر في المجتمع. فهي ليست حكراً على شخص واحد، بل تنتقل من شخص إلى آخر، حتى إن لم تكن تجمع بينهما صلة مباشرة).
علاوة على ذلك، يعيش مَن يعاني الوحدة على هامش شبكته الاجتماعية غالباً. فيزداد عزلة بمرور الوقت، ما يفاقم حالته ويؤثر في علاقاته الاجتماعية، بحسب الباحثين. ويقول نيكولاس كريستاكيس، بروفسور متخصص في الطب وعلم الاجتماع الطبي في كلية الطب بهارفارد ساهم في هذه الدراسة: (الإنسان ليس جزيرة. فحتى المسائل الشخصية كالعواطف تتمتع بتأثير جماعي وتترك بصمتها على نسيج الإنسانية الواسع).
مشاكل صحية
لا يقتصر الدافع وراء هذا الاكتشاف المثير للجدل على فضول علماء النفس. فقد رُبطت الوحدة بمجموعة من المشاكل الصحية، بما فيها الكآبة واضطرابات النوم وضعف الصحة الجسدية عموماً. ويؤكد الخبراء أن تحديد بعض أسباب هذا الشعور يساهم في تقليله ويحسن الصحة.
يوضح كريس سيغرين، متخصص في علوم التواصل والصحة في جامعة أريزونا: (الوحدة ليست مجرد الشعور بالسوء، بل تترتب عليها عواقب كثيرة).
لكن بعض الباحثين عبر عن شكوكه بشأن هذه الاكتشافات. فتشوب هذه الدراسة في رأيه العيوب نفسها التي تخللت الأعمال المشابهة السابقة. لذلك لا يمكن الاعتماد عليها لتجاهل التفسيرات التي تعلل مسألة الوحدة هذه.
يذكر جايسون فلتشر من جامعة يال في إحدى رسائله الإلكترونية: (نجهل ما إذا كان نموذجهم الإحصائي ) سيكشف ( عن عدوى اجتماعية في كل نتيجة يتناولها، ذلك بسبب قدراته المحدودة). فقد أجرى جايسون وأحد زملائه تحليلاً مماثلاً، مستعينَين ببيانات دراسة فدرالية شاملة. وأظهرا أنه إذا لم تُحلل البيانات بشكل صحيح، سيبدو أن البثور والصداع، حتى الطول، أمور تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية.
لكن كريستاكيس وكاشيوبو يدافعان عن عملهما، قائلين إن نماذجهما الإحصائية أخذت في الاعتبار التفسيرات الأخرى. وأثنى كثر على هذا العمل.
يخبر مارك ليري، بروفسور متخصص في علم النفس والعلوم العصبية في جامعة ديوك: (أعتقد أنه بحث مذهل. فلم نكن نتوقع أن يتفشى شعور كالوحدة بهذا الشكل في المجتمع. يا للعجب!).
صحيح أن الدراسة لم تتناول كيفية انتشار الوحدة، غير أن كاشيوبو يؤكد أن بحثاً آخر قدّم فكرة عن هذه المسألة. إذ يميل المصابون بالوحدة إلى التصرف بسلبية مع مَن يحتكون بهم، ناشرين على حد قوله السلوك والشعور نفسيهما.
يضيف كاشيوبو: (لنفترض أنك أصبت بالوحدة نتيجة طلاقك، مثلاً، أو فقدانك شريك حياتك. في هذه الحالة، تتفاعل مع الناس بطريقة سلبية. فيعكر ذلك بدوره مزاجهم ويزيد احتمال تصرفهم هم أيضاً بطريقة سلبية مع أشخاص آخرين. فيدفعهم ذلك إلى التقليل من صِلاتهم الاجتماعية، ويبتلون بالوحدة).
تشارك كاشيوبو في هذه الدراسة مع كريستاكيس وجيمس فولر، بروفسور مساعد متخصص في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو نشر سلسلة من التقارير وكتاب بعنوان Connected.
استند فولر في أعماله هذه إلى بيانات جُمعت في الأساس لدراسة (فارمينغهام) المعنية بالقلب: مشروع طويل تموله الحكومة يدرس مجموعة من المسائل الصحية.
هويات وتحاليل
استخدم الباحثون معلومات جُمعت من المشاركين في هذا المشروع على مر العقود. وشملت صداقاتهم، هوية جيرانهم، زملاءهم في العمل، وأعضاء عائلاتهم، فضلاً عن بيانات عن حالتهم العاطفية. كذلك توصلت دراسة سابقة لكريستاكيس وفولر إلى أن البدانة، احتمال الإقلاع عن التدخين، حتى السعادة تنتقل من شخص إلى آخر.
على نحو مماثل، أظهر تحليل جديد، ضم 4793 شخصاً أجريت معهم مقابلات كل سنتين بين عامي 1991 و2001، أن الارتباط اجتماعياً بشخص يعاني الوحدة يزيد احتمال تنمية هذه المشاعر. فتبيّن أن احتمال الإصابة بالوحدة بين أصدقاء مَن يعانون هذا الشعور يرتفع بنسبة 52% بحلول موعد المقابلة التالية، حسبما أظهر التحليل. وتنخفض هذه العدوى إلى 25% بين أصدقاء الصديق وإلى 15% بين أصدقاء أصدقاء الصديق.
يظهر التأثير الأكبر في الأصدقاء، ثم الجيران. لكنه بدا أضعف بكثير في حالة شركاء الزواج والإخوة، حسبما اكتشف الباحثون. كذلك تنتشر الوحدة بسهولة أكبر بين النساء، ربما لأن المرأة أكثر ميلاً للتعبير عن مشاعرها، على حد قول كاشيوبو.
يذكر الباحثون أن هذا التأثير لا يمكن أن ينجم عن واقع أن مرضى الوحدة يفضلون معاشرة مَن يعانون مثلهم هذا الداء لأن أصدقاءهم وأقرباءهم ينمون هذا الشعور تدريجاً. يوضح كريستاكيس: (لا يمكن تعليل هذا التأثير بالقول إن الطيور على أشكالها تقع).
كذلك يؤكد عدد من الخبراء أن هذه الاكتشافات تبرز أهمية الشبكات الاجتماعية. يوضح ستانلي واسرمان، الذي يدرس الشبكات الاجتماعية في جامعة إنديانا: (طوال سنوات، ظن الأطباء والباحثون أن الأفراد مخلوقات معزولة. لكننا ندرك اليوم أن الأشخاص الذين تحيط نفسك بهم قد يكون لهم تأثير كبير فيك، جسدياً ونفسياً).
ويؤكد كريستاكيس أن هذه الاكتشافات تشير إلى أنك {إذا ساعدت مَن يقبعون على هوامش الشبكة الاجتماعية، لا تساهم في دعمهم فحسب، بل أيضاً في تثبيت الشبكة برمتها).
جريدة الرأى
المفضلات