المواطن دحدح في الرصيفة
سللة حكايات المواطن دحدح
بقلم:الداعي بالخير،صالح صلاح شبانة
تلقى المواطن دحدح دعوة من صديقه أبو حسين لزيارة مدينة الرصيفة ،التي تمتاز على المدن الأخرى بأنها مدينة القمامة والقذارة والتلوث البيئي ، وانها مدينة نسيج وحدها ، فقد أقام أبو حسين وليمة على شرف صديقه دحدح ، الذي استطاع دونا عن كل وجهاء المنطقة إعادة زوجة ابنه حسين من بيت أبيها ، وتليين عقل أبيها الحجري ...!!!
وحضر المواطن دحدح المائدة ، وبعد العشاء جلسوا على السطح يتناولون الفواكه والشاي ، وكان الجو لطيفا رائعا ، حتى أن دحدح تمنى لو أمسك به أبو حسين وأقسم عليه لينام على السطح عندهم ، ولكن حدث ما لم يكن يخطر على بال دحدح ، وهو رائحة وأدخنة مكب النفايات، والذي قيل أنه أغلق منذ سنين عدة، ورائحة مصنع الخميرة ، وكلاهما يطلقان غازات خانقة تكتم الأنفاس ...!!!
وتساءل دحدح بدهشة وعجب عن الرائحة ، فأخبروه أنهم يعايشون هذه الظاهرة على مدار الساعة ، وأن هذه هي حياة أهل الرصيفة المجاهدة الصابرة على الأذى ...!!!
تأثر دحدح بالحقيقة المُرّة ، وقرر تقديم خدمة لأهل المنطقة الذين يفضلون الموت على زعل الحكومة وحيتان الغاز العضوي ، لأن الإنسان على أدنى سلم الاهتمامات ...!!!
ومجرد أن عاد إلى بيته بدأ يكتب عريضة لوزير البيئة ، في بلد يتبارون فيه على قتل البيئة مع سبق الإصرار والترصد ، وكتب عريضة مثل القاورما ، من (قاع الدست)...!!!
وفي صبيحة اليوم التالي قابل وزير البيئة ، وقدم له العريضة للوزير الذي دهش واستجاب فورا ، ورفع الهاتف وتحدث مع دولة الرئيس الذي ارتجف غضبا على النفوس التي تموت بطيئا من غاز مكب النفايات ، واتصل فورا بوزير الأشغال العامة ، وأمره بتسيير جيشا من الجرافات والعمال للإزالة الفورية للمكب وقطع دابره وجعله في خبر كان ، وتنظيم حراسة عليه لضمان عدم إلقاء شيء فيه مرة أخرى لعدم إزعاج المواطن الغالي ...!!!
وخلال ساعات كان المكب ممحو عن الوجود ، وكانت كل سيارات القمامة تلقي حمولتها في مكب الغباوي المخصص بالشروط البيئية الصحيحة ، بل وقام دولة الرئيس باستدعاء المواطن دحدح وشكره على المبادرة ، وقدّم له هدية رمزية ، لغيرته على الصالح العام ...!!!
يوم .. يومان .. أسبوع .. لم تنطلق رائحة المحرقة الخانقة ، ولم تملأ صدور الناس ، وبدأت تظهر أعراض غريبة على الناس ، صداع ، عصبية ، غثيان ، قلق ، مزاج سيء ،مشاجرات دون أسباب مقنعة ....!!!!
وسجلت المراكز الأمنية العديد من الشكاوي ، وفضت كثيرا من الأحداث قبل وقوع البلاء ...!!
وثارت زوبعة إعلامية حول الظاهرة شاركت فيها فضائيات الإثارة ، وكأن البلد انقلبت رأسا على عقب ، وبعد أن شمرت الحكومة بكل كوادرها عن سواعد العمل الجاد ووقفت أيام على قدم واحدة ، استطاعوا الوصول إلى السبب وهو الإدمان على رائحة المكب ، وعدم وجود هذه الروائح لأيام ، وصارت القضية قضية وطن ، كيف نحارب الإدمان ، وكيف نقدمه للناس على طبق من الذهب ...!!!
وتبين أن الإدمان ليس فقط على المخدرات ، وحبوب الهلوسة الممنوعة قانونا ويتم ملاحقتها ، بل هناك أنواع أخرى من الإدمان متوفرة مثل التنر والبنزين والأجو ، بل هناك من يدمن صنان البول ورائحة الإبط ، ورائحة القدميين ، والزبل ورائحة تيس الغنم ، وزرائب الأرانب وأقنان الدجاج والعرق والجيف وكل ما تعافه الفطرة الإنسانية ...!!!
وما عدا المخدرات وحبوب الهلوسة ، كل الوسائل الأخرى متهيئة ومتوفرة محليا وبإمكان كل مدمن الحصول عليها بسهولة ، أو تصنيعها محليا ، فكلها تعتمد على القاذورات ..!!!
وسارعت قوات الأمن بالقبض على المواطن دحدح الذي تبين أنه قام بتلك الجريمة النكراء من تلقاء نفسه ، ولم يستشر أحدا من الذين حيوا وعاشوا على تلك الرائحة ، وزوالها هو زوال راحتهم وهدوء أعصابهم...!!!
وتظاهر الناس احتجاجا على دحدح وطالبوا إنزال أقصى عقوبة به ، واحتج مصنعو الغاز الطبيعي على قرار دولة الرئيس وسجلوا دعوة قضائية ضده ، فالمكب أولا وأخيرا صناعة و ثروة استثمارية ، وتخريبه تخريبا للاقتصاد الوطني ...!!
وألقي دحدح في بيت خالته ، فيما صاروا يوقدون النار في المكب مرتين وثلاث يوميا لتعويض الناس والاستثمار ، فيما علماء النفس لا زالوا يتساءلون :
هل مكبات النفايات وحرقها يعتبر مساعدا على زيادة عدد المدمنين ، وهل الإدمان مرض يجب علاجه أم ماذا ؟؟
أما الحكومة فلا زالت تفرض تعتيما إعلاميا على ما حدث ، فيما دحدح كبش إسماعيل الذبيح لا زال يقبع في السجن ... و(الله بفرجها علينا وعليه)...!!!
المفضلات