بسم الله الرحمن الرحيم
انهم يفطرون على الطريق

للمطبخ في رمضان ، اولوية وميزة خاصة ، فهو يحظى باهتمامنا جميعا ، ونهتم بادق التفاصيل فيه ، فالعصير انواع ، والتمر على رأس المائدة ، وما قسم الله من انواع السلطات والشوربات ، هذا قبل الدخول في الوجبة الرئيسة ، التي لا يقبل بعضنا ، ان تكون صنفا واحدا ، فان حصل ، ربما تستدعي الزوجة المسكينة ، قوات حفظ السلام الدولية.
ولكم ان تتخيلوا معي هذه الفترة البسيطة ، التي لا تزيد عن الساعة ، ونحن نتنقل بين اصناف الطعام ، حتى لا يعتب علينا أي نوع ، بل ان البعض ينسى نفسه من الاكل ، لدرجة انه لا يستطيع الوصول للمغسلة ، لغسل يديه.
ثم ننتقل الى غرفة الجلوس ، وبكل اريحية ، يتكيء الواحد منا ، يحتسي الشاي مع افراد اسرته ، ويقلـّب التلفاز ذات اليمين وذات الشمال ، وما اكثرها المحطات ، حتى انك لا تحصيها ، فهي تتكاثر بطريقة سرطانية ، (عافانا واياكم الله).
يؤذن للصلاة ، فنذهب للتراويح ، يمشي البعض منا متثاقلا ، وكانه اكل عن اسبوع بحاله ، يلبس لباسا فضفاضا ، حتى لا يحتاج الى حزام ، لكي لا يكبس على معدته ، وما ان ننتهي من الصلاة ، حتى نعود للبيت ، او زيارة قريب ، او جار او صديق ، وتبدأ الفواكه والحلويات والقهوة ، واصناف الكيكات.
لكن مقابل ذلك ، هناك في كل يوم من رمضان ، رجال ونساء من ابناء هذا الوطن ، ليس لهم مما سبق اية طقوس ، فهم لا يجلسون الى الموائد ، ولا يتجمعون امام اصناف الطعام المختلفة.
انهم رجال الامن ، بجميع اجهزته ، ياتيهم السحور وهم في مواقعهم ، وربما يؤذن للفجر ، ويقضون الوقت بلا سحور ، بل ربما نسي احدهم حبات تمر في جيبه ، ولانشغاله بالعمل ، نسي ، فبقيت كما هي ، وتذكـّرها بعد ساعات ، فاخرجها ، ووضعها بعيدا ، واكمل صومه .
ان شرف ان تكون قائما بواجبك الامني والعسكري نحو بلادك وشعبك ، لا يضاهيه أي شرف ، انه صلاة بحد ذاته ، وان السهر على راحة الامة ، وضمان امنها وهدوئها واستقرارها ، من انبل الاهداف ، التي عرفتها الانسانية.
نعم نتذكر ، ونحن آمنون مطمئنون ، وقد أذن لصلاة المغرب ، فافطر الصائمون ، ان بيوتنا آمنة ، وشوارعنا وممتلكاتنا بامآن ، لان هناك عيونا ساهرة ، وارواحا متعلقة بثرى هذا الوطن ، تفديه بالغالي والنفيس.
هناك في لحظة الافطار ، وقد خلت الشوارع ، وكأن الناس قدر رحلوا ، او كأنهم هجروها ، هناك ، تكون اللحظة الحقيقة ، للحفاظ على امن الوطن والمواطن ، هناك يكون الامن بكامل جهوزيته ، يقول لنا اهنأوا بفطاركم ، وكلوا هنيئا مريئا ، عليكم الامان.
ان الامن قيمة عظيمة في حياة الانسان ، فانت بلا امن ، لا تستطيع ان تخرج للشارع لتشتري خبزا لاطفالك ، وانت بلا امن ، لا تستطيع ان تذهب مع اسرتك ، لزيارة صديق ، وتترك بيتك.
نفخر ونفاخر الدنيا نحن الاردنيين ، بالامن في بلادنا ، ونعتز ونحن نتحدث عنه ، وعن انجازاته العظيمة ، لاننا نشعر بها في كل لحظة ، وعلى رأس كل شارع ومنعطف ، وعند حاجتنا ، نراهم حولنا ، يحتضنون الجميع ، يقدمون المساعدة والامن للمواطن ، والمقيم والزائر.
في كثير من دول العالم ، لا تستطيع النساء التأخر في العمل ، من الخوف ، وبعضهن يحملن مسدسات في حقائبهن ، لاستعمالها عند الحاجة من شدة الخوف ، وعندنا تتمشى السيدة حتى ساعات متاخرة من الليل ، وتذهب بسيارتها آمنة مطمئنة ، لا تخاف ، لانها في امان.
في عدد الدستور الغراء يوم الجمعة الماضية ، هزتني من الاعماق ، صورة لرقيبي سير ، وهما يضعان طعام فطورهما المتواضع ، على ظهر الدراجة ، (مطبخهم المتنقل) وقد حان موعد الافطار ، يتناولان طعامهما على عجل (فكة ريق) مما قسم الله ، فلا وقت للجلوس ، ولا مائدة ، ولا مما ذكر.
هنا تتجلى ، قيمة العمل ، هنا تتجلى النفوس ، التي تعطي للوطن بلا مقابل ، والتي تخدم من اجل رفعة هذا الحمى ، واعلاء شأنه ، واتخيل وهما يأكلان بم يفكران ، ربما ان احدهم قال للاخر ( لي خمسة ايام لم افطر مع اسرتي) فيرد عليه الاخر(فكـّنا من سوالفك ، عيالك بخير ، ورانا ثلات ساعات شغل ، كل واسكت) .
ويضحكان ، وهما يسمعان صوت ضحكاتهما ، التي تنبئ ان الاردن بخير ، وان الشارع بامآن ، وان الوطن بكامل عافيته ، فهل قارن احدنا نفسه باحدهم؟ وتخيل كم يعنيه ان يكون مع اسرته ، على طاولة الافطار.
الى كل المرابطين ، ولا اسمّيهم ، لانهم يعرفون انفسهم ، الى حملة التاج ، الى الجند المعروفين ، وليس المجهولين ، وعلى اختلاف مواقعهم ، الى كل الذين يسمعون اذان الافطار ، وهم في سياراتهم ، او في مكاتبهم ، او على دراجاتهم ، او بسيارات الاسعاف ، او في غرف الطواريء.
افطارا هنيئا ، وصياما مقبولا ، وعملا متقبّلا ، باذن الله ، ولتبقى الراية مرفوعة ، وليبقى التمّيز لهذا الوطن ، وما اجمل ان تفطروا على ظهر دراجة ، او في الطريق ، طريق الامان الذي زرعتموه بعملك ، نحن نشكركم ، ورمضان كريم.
المفضلات