كان هناك فارق زمني يربو على السبع سنوات بين أبنائي الكبار وأخيهم الأصغر إيهاب، وفي سنته الرابعة، ظهر صديقه الوهمي يونس فجأة، صار يطلبه على الهاتف، ويتحدث إليه مطولا، يخترع ألعابا يشتركان فيها، وأحيانا كان يطلب مني أن أوصله إلى منزله لزيارته، وفي إحدى المرات اضطررت أن أقود السيارة لمسافات بحثا عن بيت الصديق المزعوم، الذي كان إيهاب يحاول تخيله ووصفه آملا القيام بزيارته.
من الشائع وجود أصدقاء وهميين للأطفال في مثل هذا العمر. وقد يكون أحيانا طفلا آخر، أو شخصية سحرية، أو حيوانا، وقد يزور الصديق الوهمي طفلك عرضا مرة واحدة فقط كل بضعة أيام. وقد يكون رفيقا دائما يصاحبه باستمرار، ويتحدث إليه، أو يرسم معه، أو حتى يقرأ الكتب له. وقد يطلب الطفل إلى أمه الاحتفاظ بمقعد وطبق إضافي لجلوس صديقه الوهمي إلى مائدة الطعام. وأحيانا يتغير الصديق الوهمي مع نمو الطفل.
وعادة ما يكون الطفل الذي لديه صديق وهمي اما طفل وحيد، أو يكون الطفل الأول ( البكر)، لكن وجود صديق وهمي لطفلك لا يعني دائما أن طفلك وحيد، بل قد يعني أن طفلك مبدع ومبتكر.
فهل يعتبر هذا الصديق ورفيق اللعب الوهمي مدعاة للقلق؟ الأصدقاء الوهميون جزء جميل وطبيعي من الطفولة ، ويستطيع هذا الصديق الوهمي تقديم عدة وظائف هامة:
1- الصديق الوهمي يشكل رفقة رائعة للطفل عندما يتظاهر باللعب معه، وهو وسيلة هامة لحفز الإبداع والخيال عند الطفل. فوجود صديق غير مرئي يمكن الطفل من مشاركة احد ما بأحلامه، فقد يسافر إلى القمر ويعود ولا يشعر بالوحدة. وقد يساعده على تجربة طرق مختلفة لعمل الأشياء وتجربتها.
2- يعتبر الصديق الوهمي وسيلة للأطفال للتدرب على ممارسة التواصل مع الآخرين، وهي فرصة للطفل ليكون مسؤولا عن متابعة شخص آخر والسيطرة عليه في هذه المرحلة من حياته والتي يتحكم الآخرون فيها بالطفل.
3- يمكن أن يكون الصديق الوهمي بمثابة مستودع أسرار الطفل الذي يثق به إذا تعذر وجود من يستأمنه على أسراره التي يرغب بإخفائها عن الكبار. بحيث يكون له عالمه الخاص الذي لا يشكل الكبار جزءا منه.
4- يمكن أن يساعد الطفل في نموه الأخلاقي والقيـمي كالتمييز بين الصواب والخطأ. فالطفل في بعض الأحيان يجد صعوبة في التوقف عن القيام بأفعال يعرف أنها خاطئة، وإلقاء اللوم على الصديق الوهمي لفعله هذه الأشياء التي يدرك أنها خاطئة. وهذا مؤشر على أن طفلك يدرك الفرق بين الخطأ والصواب، لكنه ليس على استعداد لتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعاله بعد.
5- يمكن أن يعطيك بعض الأفكار القيمة عن مشاعر طفلك. فالاستماع لطفلك عندما يحاول بشجاعة تهدئة صديقه الخيالي المعرض للسقوط عن احد الألعاب في مدينة الملاهي، قد يكون دليلا على أن طفلك يخاف أكثر مما يبدو عليه. فعندما يخاف الصديق الوهمي من العتمة، فمعنى ذلك أن الطفل يخاف من العتمة ويحاول أن يعالج مخاوفه من خلال صديقه الوهمي. أما الصديق الشقي وكثير المشاكل، فيعني انك كأم تفرضين على طفلك الكثير من القيود والقوانين التي تحد من حريته.
6- الصديق الوهمي وسيلة للطفل للاختبار الآمن لمختلف التصرفات والمشاعر مثل الخوف أو الغضب.
7- أحيانا يستخدم الطفل الصديق الوهمي لتجنب القيام بشيء لا يريده، ويمكن أن يساعده على تجنب الدخول في مشاكل مع بعض الآباء والأمهات.
لهذه الأسباب جميعا من المهم مجاراة طفلك في ادعاءاته حول وجود صديق وهمي ، إلا أن هناك بعض القواعد الأساسية التي يجب التنبه إليها:
* لا تدعي الصديق الوهمي رفيق طفلك الوحيد. فالطفل بحاجة إلى التواصل اجتماعيا مع أبناء جيله الحقيقيين. فإذا لاحظت أن طفلك ليس له أصدقاء أو غير مهتم باللعب مع أقرانه، فيفضل استشارة طبيب الأطفال.
* لا تدعي طفلك يحمل صديقه الوهمي مسؤولية كل شيء سيء. فتحميل الصديق الوهمي مسؤولية كسر طبق أو انسكاب العصير شيء مقبول، أما إلقاء اللوم عليه بسبب سرقات أو ارتكاب حماقات معينة فليس مقبولا على الإطلاق.
* معاملة الصديق الوهمي باحترام. وهذا يعني تذكر اسمه، وإلقاء التحية عند لقاءه، والاعتذار له إذا جلست عليه، وإذا اختار الطفل أن تكون علاقته بصديقه الوهمي علاقة خاصة، وأحب أن تبقي بعيدة فلا بد من احترام رغبته.
* لا تستخدمي الصديق الوهمي للتلاعب بطفلك، والتأثير عليه للقيام بأعمال معينة.
* عدم المبالغة في مشاركة الطفل علاقته مع صديقه الوهمي، كمحاولة إضافة أفكارك الخاصة على القصة. فطفلك بحاجة لادراك ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، فإذا قمت بالإضافة لقصته، أو سيطرت على الأمر كله فانك تحرمين طفلك حاجته لخلق قصته الخاصة به.
* إذا كان الطفل يضع اللوم دائما على صديقه الوهمي عند القيام بعمل خاطئ ، سيكون من المفيد تجنب اللوم في هذه الحالة واعتبار الأخطاء فرصة للتعلم، فإذا أراق الصديق الوهمي الحليب مثلا فيمكن أن يتعلم طفلك الانتباه أكثر بسبب هذا الخطأ وعليك مساعدته على التنظيف.
* كلما كبر طفلك حاولي تقديم الكثير من التجارب الممتعة الحقيقية له مع أطفال حقيقيين بحيث يفقد الطفل الاهتمام بالصديق الوهمي تدريجيا ، ولا يعود جاذبا للاهتمام كالعالم الحقيقي، وسوف ينسى صديقه الوهمي الذي سيختفي من حياته إلى الأبد.
رد مع اقتباس
المفضلات