د. الشيخ عائض القرني*
( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ )
أنظم الشعر ولازم مذهبي
............................. فهو عنوان على الفضل وما
في اطراح الرفد فالدنيا أقل
............................. أحسن الشعر إذا لم يبتذل
قال الراوي : سمرنا ليلة مع جماعة أبية ، لهم شوق إلى المقامات الأدبية ، والأشعار العربيّة ، فقالوا حدثنا عن الأدب ، فإنه ديوان العرب ، ومنتهى الأرب ، ونهاية الطلب .
قلنا : حباً وكرامة ، وتحية وسلامة ، فقد رضعت الآداب ، وجالست الأعراب ، وحفظت الشعر من عصر الشباب ، فالشعر عندي سمير ، وهو لنفسي روضة وغدير .
وحديثه السحر الحلال لو أنه
............................. لم يجن قتل المسلم المتحـرّزِ
إن طال لم يملّ وإن أوجزته
............................. ودّ المحـدث أنه لـم يوجـزِ
فقال أحد السُّمار ، من محبي الأشعار ، أفض علينا من القصائد الغراء ، التي قالها على البديهة الشعراء ، قلت : هذا فن طويل الذيل ، يأخذ في كل سبيل ، ولكن سوف أورد بعض الشواهد ، والشوارد ، والأوابد .
فهذا أبو جعفر المنصور تحدى الشعراء بقافية ، قال : من أجازها فله الجائزة وافية ، إذ يقول ، وفكره يجول :
وهاجرة وقفت بها قلوصي
............................. يقطع حرها ظهر الغطايَه
فقام الشعراء على ركبهم جاثين ، كلهم يريد الجائزة من أمير المؤمنين ، فقال بشار بن برد ، وكان سريع الردّ :
وقفت بها القلوص فسال دمعي
............................. على خدي واقصر واعظايَه
فأخذ بردة أبي جعفر ، وكانت من خز أصفر .
وهذا أبو تمام ، وهو شاعر مقدام ، مدح المعتصم ، فما تعثر وما وهم ، يقول :
إقدام عمرو في سماحة حاتمٍ
............................. في حلم أحنف في ذكاء إيـاسِ
فقال الحارث الكندي ، ما لك قدر عندي ، أما تخاف ، تصف أمير المؤمنين بالأجلاف ، فانهد أبو تمام كالسيل معتذراً عما قيل :
لا تنكروا ضربي له من دونه
............................. مثلاً شروداً في الندى والباسِ
فالله قد ضرب الأقل لنـوره
............................. مثلاً من المشكـاة والنبراسِ
حكم النعمان ، على نابغة ذبيان ، بالإعدام ، بعد ما اتهمه ببعض الاتهام ، فأنشده البائيَّة الرائعة الذائعة :
فإنك شمس والملوك كواكب
............................. إذا طلعتْ لم يبْدُ منهن كوكبُ
فعفا عنه وحباه ، وقربه واجتباه .
وأهدر البشير النذير ،دم كعب بن زهير، فعاد إليه ، ووضع يده بين يديه ،وأنشده :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
............................. متيم إثرها لم يُفد مقبولُ
فحلم عليه وصفح ، وعفا عنه وسمح ، واستقام حاله وصلح .
وأصدر حاكم اليمن ، قراراً بإعدام سبعين من أهل العلم والسنن ، والفقه والفطن ، فأنشده البيحاني ، قصيدة بديعة المعاني ، هزّ بها أعطافه ، واستدر بها ألطافه ، أولها :
يا أبا المجد يا ابن ماء السماء
............................. يا سليل النجوم في الظلماء
فأكرم مثواه ، وعفا عن السبعين من العلماء والقضاة .
وأوشك المتنبي الشاعر الهدّار ، أن يولي الأدبار ، ويجد في الفرار ، فكرر عليه غلامه ، أبياتاً ثبتت أقدامه ، حيث يقول :
الخيل والليل والبيداء تعرفنـي
............................. والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
فرجع مقبلا ، فقتل مجندلا . وقتل عضد الدولة الوزير ابن بقية ، ولم تردعه تقيّة ، فأنشد ابن الأنباري قصيدة كأنها برقية ، أو رواية شرقية ، اسمع مطلعها ، وما أبدعها :
علو في الحياة وفي الممات
............................. بحق أنت إحدى المعجزات
فسمعها عضد الدولة فتأسف ، وقال حبذا ذاك الموقف .
* من كتاب مقامات للدكتور الشيخ عائض القرني
المفضلات