من قصص مرشحي أهل الهمة
امن القوابعة .. ومسؤولية ايصال طلاب المدرسة
اختارت أمن القوابعة مجالاً قد لا يرضاه البعض كعمل، فما بالك إن كان تطوعاً!! فمنذ أن تقاعدت قبل سبع سنوات من عملها كمديرة مدرسة حكومية، أخذت على عاتقها مسؤولية إيصال الطلاب إلى المدرسة صيفاً وشتاء، وإعادتهم في المساء إلى منازلهم، حيث تقوم بنقل الطلاب بواقع نقلتين في الصباح ونقلتين في المساء.
واليوم وبمساعدتها أصبح الأطفال والشباب يذهبون الى المدرسة بطريقة أسهل وأكثر أماناً، وأصبحت سيارة أمن تقيهم برد الشتاء وحر الصيف.
تقوم أمن بتعبئة السيارة بالبنزين من مالها الخاص، وترى أن ما تقوم به هو شيء بديهي وواجب عليها، وتخجل حتى من الحديث عن مساهمتها.
وتقول إحدى جاراتها عن عملها التطوعي بأنه لم يقتصر على إيصال الطلاب إلى المدرسة فقط، بل يقصدها جميع أهل الحي في حالات الطوارئ، حتى وإن كان في منتصف الليل فهي لم ترد أحداً. عندما تتحدث أمن عن بداية الفكرة ترى دموعها، حيث بدأت الفكرة تراودها منذ أن انتقلت عائلتها إلى العيص عام اثنين وتسعين، حيث لم يتوفر أي نوع من الخدمات، فكانت تضطر للسير على الأقدام مسافة عشرة كيلومترات يومياً حتى تصل المدرسة التي كانت آنذاك مديرتها، وهي تحمل ابنتها الوسطى وتجر عربة ابنتها الصغيرة وتمسك بيد ابنتها الأكبر التي كانت تذهب معها إلى نفس المدرسة.
وكانت بصورة يومية تقطع تلك المسافة صباحاً ومساء لمدة ثلاث سنوات، عاهدت نفسها خلالها أن تتعلم قيادة السيارة وتساعد الآخرين.
وعندما بدأت ظروف أسرتها المادية بالتحسن، تعلمت قيادة السيارات وحصلت على الرخصة وقام زوجها بشراء سيارة كبيرة لها كما طلبت، حتى تتمكن من تحقيق حلمها في إيصال أبناء الحي حتى لا تراهم مضطرين أبداً للمشي على الأقدام.
بالرغم من كلمات البعض الذين حذروها من أن من توصلهم أرواح وإن تعرضت لحادث لن تسلم من الناس وسيعتبرونها السبب ما يسبب لها الإحباط في بعض الأحيان، إلا أنها تمكنت من مساعدة ثلاثين طفلا وشاباً، ومن خلال تطوعها استطاعت أن تتواصل مع الناس بصورة مختلفة، فأصبحت تشعر بود الأطفال ومحبة الناس وهذا ما يجعلها تستمر برغم كل الصعوبات.
وساهمت مبادرة أمن التي تقوم بها على الرغم من انشغالها وواجباتها اتجاه زوجها وبناتها الست وابنها، في تحفيز عدد ممن كانوا يشاهدونها وهي تقوم بتوصيل الطلاب والطالبات.
أمن لا تنظر إلى مساهمتها على أنها مشروع ولا تعتبر نفسها جزءاً من حل مشكلة المواصلات، لأن التحدي في العيص يفوق مجرد توفير المواصلات كونها بعيدة عن أية خدمة وجغرافيتها صعبة.
ولكون السيدات مسؤولات عن معظم العائلات لغياب أزواجهن خارج الطفيلة للعمل، ولأن السيدات عاطلات عن العمل تتمنى أمن أن يتم استثمار طاقاتهن بعمل إيجابي يدر عليهن بعض المال خاصة وأن معظمهن بحاجة لمصدر دخل يدعم دخل الزوج.
خيمة باير.. تعزيز فرص التعليم لأبناء البادية
لم نكن نظن أو ننتظر أن نصل إلى هذه المرحلة، لم نظن أن أحداً سيشكرنا ... كل هدفنا كان تعليم أبنائنا القراءة والكتابة.
تتطلب طبيعة حياة الناس في البادية الترحال الدائم، فيؤدي عدم استقرارهم وكثرة تنقلهم في الكثير من الأحيان إلى عدم تلقي أبناء البدو الرحل التعليم الاساسي.
كما يرفض بعض الأهالي ذهاب أبنائهم إلى المدارس لأنها برأيهم ستلهيهم عن عملهم في رعي الأغنام وحلب الأبقار وجلب الحطب والماء.
بدأت فكرة خيمة باير عندما لمس عفاش وفالح العمامرة وعبد الماجد محمد وهو سوداني الأصل عدم قدرة الأطفال على القراءة والكتابة، فبدأوا في عام ثمانية وتسعين مشروع خيمة باير وهي خيمة متنقلة تدرّس الأطفال وكبار السن من الرجال والنساء البدو الرحّل المنهاج المعتمد لدى وزارة التربية والتعليم دون انتظار أي مقابل.
هدفهم تعزيز التعليم في الصحراء وأماكن تواجد الطلاب حتى يستطيعوا في مراحل متقدمة الالتحاق بالمدارس وإكمال دراستهم الجامعية في حال رغبتهم.
ولذلك يقوم عفاش وفالح - وهم والدان ويدركان أهمية التعليم لأبنائهم - بمخاطبة الأهل واقناعهم بضرورة التعلم، ويدعون أبنائهم للذهاب إلى الخيمة حتى يحصلوا على التعليم على يد الاستاذ عبد الماجد.
وبعد فترة من الزمن يصبح هؤلاء الأطفال ذكوراً وإناثاً على معرفة بمناهج وزارة التربية والتعليم، فيتقدّمون لامتحان مستوى في دائرة التعليم العام في مديرية تربية البادية وينتسبون إلى المدارس حسب مكان تواجدهم، وفي الصف الذي يتناسب مع تحصيلهم في الامتحان.
وبعد أن رأى القائمون على الخيمة بأن فكرة تدريس الفتيات تفزع الآباء، توجهوا الى الاهالي لاقناعهم بالتعليم واستطاعوا أن يحققوا شوطاً في دمج الفتيات بالعملية التعليمية، حيث أصبحت العديد من الفتيات تخرجن من الخيمة وتنتقلن إلى المدارس لإكمال تعليمهن.
ولضمان استمرارية التعليم، تتنقل الخيمة مع الأهالي عندما يحين وقت انتقال مكان إقامتهم.
وتقدم المجموعة ثماني ساعات يومياً طوال أيام الأسبوع، وقد استفاد من هذه الخيمة ما يقارب الألفي شخص منذ البداية وحتى الآن، وقد أصبح عدد من الطلاب الدارسين في الخيمة أساتذة. وإلى جانب التعليم، ينظم القائمون على الخيمة بالتعاون مع الأهالي عددا من النشاطات الأخرى ككرة القدم والعدو.بعد فترة قصيرة من بدء المساهمة، أصبحت الخيمة والعاملين فيها موضع احترام وتقدير جميع الأفراد.
وأصبح الجميع يتعاونون مع المجموعة لتسهيل عملها .. فساهم البعض في جلب الماء أو الطعام للأستاذ وتلاميذه. كما أثرت مساهمتهم في تغيير نظرة الأطفال من الذكور والإناث إلى التعليم والمدرسة، فأصبحوا متعطشين للعلم ... ينتظرون النهار بفارغ الصبر ليبدأوا يومهم الدراسي، وبدأ الجميع يرى التغيير الإيجابي الذي يحدث في أنفسهم، فقد أصبحوا قادرين على القراءة والكتابة وحل العمليات الحسابية.
تحلم المجموعة بإكمال رسالتها التعليمية من خلال فتح مدرسة متكاملة لأبناء البادية، لإيمانها بأن التعليم هو المحرك الأساسي في هذا العصر.
رنا الدجاني .. مشروع (الحكواتي) وسرد القصص للاطفال
رؤية فرحة الأطفال وإقبالهم على القراءة التي توسع آفاقهم وتجعلهم مبدعين جعلتني أكثر مثابرة ورغبة في استمراري في قراءة القصص .
في شارع يكتظ بالأطفال في إحد أحياء عمان الشرقية، سيارات تمر ذهاباً وإياباً ورغم ذلك يستمر الأطفال باللعب غير آبهين لمرور أكبر سيارة!
في هذا الحي تسكن الدكتورة رنا الدجاني التي عادت إلى المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصلت على درجة الدكتوراة، وكان أولادها يجدون مكتبة الحي لهم متنفساً أثناء إقامتهم هناك.
ما افتقدته رنا وأولادها عند عودتهم كانت المكتبة، التي لم توجد في أي شارع قريب منهم، ولسد هذه الحاجة للقراءة ولتحافظ على هذه الهواية عند أولادها قامت بشراء الكتب لهم.
إلا أنها لاحظت أن المشكلة تكاد تكون أكبر من محيط منزلها، فنظرة واحدة من شباكها المطل على الشارع المكتظ بالأطفال كافية لأن تكون دليلاً قاطعاً على أن الكتاب ليس جزءاً طبيعيا من حياة هؤلاء الاطفال.
وبما أن التعليم في الصغر يكون أكثر رسوخاً، جاءت فكرة مشروع الحكواتي منذ ثلاث سنوات عندما قررت رنا أن تعقد حلقة قراءة مرتين شهرياً في المسجد لأطفالها وحوالي ستين طفلاً من أطفال الحي في طبربور والذين تتراوح أعمارهم بين أربع وعشر سنوات وكانوا يمضون أغلب وقتهم في اللعب في الشارع.
ولتكمل هذه المهمة على أتم وجه، قامت بتوعية المجتمع المحيط بها بأهمية القراءة واستطاعت جمع التبرعات البسيطة من أجل شراء القصص التي تتم قراءتها في الحلقات، بالإضافة لذلك فقد سمحت للأطفال بأن يستعيروا الكتب التي ينهون قراءتها في الحلقة بشرط إعادتها، واليوم يتوسع مشروعها في جميع أنحاء عمان.
ولكي تتأكد من استمرارية مساهمتها واستفادة أكبر عدد ممكن من الناس حولها، قامت وبمساعدة من متحف الأطفال بتدريب عشرين سيدة على سرد القصص بشكل محترف وجاذب للأطفال، ليزداد عدد الحكاواتيين.
في البداية واجهت رنا الرفض والمعارضة وعدم إقبال الكثيرين على جلسات القراءة، إلا أن دعم الاهالي وسعادتهم لأن أطفالهم أصبحوا يحبون القراءة كثيرا، أصبحت تشكل حافزا لها للاستمرار في فكرتها وتطويرها.
وتواجه رنا تحديا يتمثل في قلة الموارد من ناحية ومن نقص الحكواتية من ناحية أخرى.
ولكن بالرغم من ذلك استطاعت أن تستمر فيما تقوم به لحرصها على تنمية مواهب أطفالها وأطفال الحي وإيمانها بأهمية القراءة لتوسيع مدارك الاطفال.
كما أن حماس الأطفال أنفسهم تجاه ما يقرؤونه ويتعلمونه، حيث أصبحوا ينتظرون يوم السبت الذي يجتمعون فيه للاستماع للقصة بفارغ الصبر، يمنحها الطاقة لتكمل بشغف.
وتأمل رنا بأن تكون تجربتها في كل حي، ولكل حي حكواتي وأن يصبح في كل مسجد، مكتبته الخاصة بالاطفال وأن تضم عدداً كبيراً من القصص المسلية لهم والتي تمنحهم في الوقت ذاته ما يشاؤون من العلم في أي وقت يشاؤون.
كما تتمنى أن تصبح القراءة جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد والأطفال لأهميتها ودورها الكبير في تطوير العقل والروح والفكر.
المفضلات