سيــــارات عمـــان قديمــاً
ذكريات الوطن والناس.. على أصابع اليد أو أكثـر قليلاً
يعتمد مقالنا هذا وبشكل رئيسي على عدة كتب وعلى بعض الذكريات الشخصية منها: كتاب عمان عاصمة الاردن من تحرير المؤرخ سليمان الموسى، وكتاب مدينة عمان للدكتوره حنان ملكاوي، وكتاب سيرة مدينة للروائي عبدالرحمن منيف، وكتاب من ذاكرة الاردن للباحث ارسلان رمضان. لقد سبق ان استخدم اهالي عمان في تنقلاتهم الدواب والعربات والقطار، ولم يبدأ استعمال السيارات في عمان الا بعد تأسيس امارة شرق الاردن.. وفي الاعوام ما بين 1922 - 1930 قام بعض رواد النقل بالسيارات أمثال (عبدالله ابو قورة) و(سيروب انتكجيان) باقتناء (6) سيارات ركوب، وفتحوا مكاتب لها وأخذوا ينقلون المسافرين من عمان الى المدن والقرى في شرق الاردن وفلسطين وذلك ضمن المناطق التي تتوفر فيها طرق سالكة.
وبعد العام (1930) تكاثر الوافدون الى مدينة عمان من الاقطار المجاورة حيث بادر (جميل صالح حتر) بشراء اول حافلة (باص) ركاب لنقل الركاب من (المحطة) الى وسط المدينة ثم تلاه عبدالله ابو قورة حيث سيّر حافلة بين (جبل عمان) ووسط البلد، ثم (قدري اليوسف) و(رجب الخشمان) الذين اشتروا من الخارج باصات مستعملة لنقل الركاب.. وبذلك فقد بدأت نواة النقل الحديث في شرق الاردن، وكان هذا تجاوباً مع الزيادة المضطردة لعدد سكان وهكذا فقد انتشرت في بداية الاربعينات من القرن الماضي كراجات السفريات في وسط مدينة عمان في شوارع فيصل وطلال والشابسوغ (والبتراء في منطقة سوق السكر).
وفي مقابلة مع العلامة وشيخ أدباء وكتاب الاردن روكس العزيزي في العام 2000 مع د. حنان ملكاوي يروي لها قصة صعوبة المواصلات قديماً في تلك الفترة فيقول: انه قرر زيارة عمان في العشرينات فركب سيارة أجرة، وكانت (السيارة الوحيدة) على خط (مأدبا - عمان) في ذلك الوقت.. فانطلقت السيارة الساعة (8) صباحا من مأدبا ولم تصل الى عمان الا الساعة (4) عصراً!! وسبب طول الرحلة ان السيارة كانت قديمة اضافة الى ان الطريق كانت غير معبدة!!!.
وبعد ذلك بزمن بدأت ملكية السيارات الفردية بالنسبة لميسوري الحال.. ومنذ عام الاستقلال (1946) وحتى عام (1962) توسعت حركة النقل في المملكة بسبب شق العديد من الطرق وتعبيدها وبسبب زيادة عدد السكان.. وما نجم عن ذلك من طلب مستمر على وسائط النقل، حتى غدت عمان في بدايات الستينات عبارة عن مدينة مترامية الاطراف.
وفي هذا المجال (مجال النقل) كانت مدينة عمان تخدم بواسطة شركات مختلفة تقتني باصات قديمة تتنافس فيما بينها، مما خلق تأثيرات سلبية على خدمة المواطن في المدينة.. الامر الذي دفع حكومة (وصفي التل) آنذاك الى توحيد هذه الشركات في شركة واحدة سميت (شركة باصات العاصمة المساهمة المحدودة) لتكون نواة للنقل العام الموجود داخل العاصمة.. وعملت هذه الشركة حتى عام 1976 حين قامت الحكومة الاردنية بشراء اسهمها واطلقت عليها اسم (مؤسسة النقل العام).
ومما جاء في المراجع عن عمان اثناء الحرب العالمية الاولى انه قد بدأ استعمال السيارات في عمان أثناء الحرب الاولى اذ اخذ الناس يشاهدون سيارة القائد العثماني (جمال باشا الصغير) وهو يتنقل بها بين عمان والسلط.. ولم ينتشر استعمال السيارات الا بعد مجيء الامير عبدالله الى عمان.
ويذكر العلامة والسياسي (خير الدين الزركلي) انه جاء في أوائل سنة (1921) مع بعض رفاقه من القدس الى السلط بعربة يجرها بغلان!! ومع مضي الزمن اقتنى البعض سيارات أجرة اخذت تنقل الركاب بين المحطة والبلد أي قاع مدينة عمان.
وفي العام 1927 كانت في عمان حافلة صغيرة تنقل الركاب.. وكان أول من أدخل سيارات نقل البضائع سنة 1927 السادة: عبدالله ابو قورة وسيروب انتيكجيان وحسين ابو الراغب.
أما عن دائرة السير فقد تأسست اول دائرة للسير في الاردن في عمان عام 1926 وكانت تعتبر آنذاك احدى فروع قيادة الجيش العربي.. وفي العام 1949 اصبحت دائرة السير دائرة مستقلة.
أما عن ذكرياتي الشخصية: فان الحافلات أي الباصات كانت قديماً مدعاة للمتعة وللألفة وللتعارف ما بين الركاب وكان ذلك في بداية ومنتصف الستينات.. فعلى الرغم من هدير محرك الباص المرتفع وسيره البطيء ما بين شوارع وجبال عمان المعدودة آنذاك بسبب قدم هذه الباصات فقد كانت باصات محببة اذ انها كانت تحنو على الاولاد والبنات في اعيادهم كعيد الفطر وعيد الأضحى.. لأنهم كانوا يجدون في ركوبها ذهابا وايابا ولعدة مرات عبارة عن تسلية ما بعدها تسلية ومتعة.. كأنهم يركبون (تلفريك) .. فقد كنا نحن الاولاد والبنات نجد وقتا طيبا في ركوب هذه الباصات مثل باص المهاجرين وراس العين والمحطة والغناء داخل الباص للسائق قائلين ومرددين يا شوفير ادعس بنزين عالمية وتسعة وتسعين و يا شوفير اطلع هالطلعة الله يخلي لك هالصلعة و يا شوفير دوس دوس الله يبعتلك عروس .. وهكذا كان الشوفير (السائق) يشعر بالفخر وتبدو عليه علائم المرح والاندماج مع ركاب العيد الصغار.. وكانت الاجرة حين ذاك لا تتجاوز القرش الواحد مع قطع تذكرة صغيرة ملونة.
واذا كان ركوب الباصات (وذلك قديماً) للانتقال والسفر بين مناطق ومدن عمان والضفة الغربية فان المتعة النفسية والروحية تزداد وذلك بسبب الجو العائلي الذي كان يسود بين الركاب .. والتعارف الذي ربما يقود الى عقد صلات جديدة شبه عائلية فيما بعد.. فقد كان الاحترام المتبادل والمودة والتقارب هو جوهر العلاقات ما بين الناس قديما في عمان.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رفيق الاحزان
المفضلات