سامح المحاريق

أكثر الوظائف شكلية في المدارس الحكومية والخاصة هي وظيفة الإخصائي الاجتماعي، لا أحد يهتم، فحتى الإخصائي المتحمس سيجد أمامه عزوفا من الطلبة على مراجعته والحديث معه، والمشكلة أن وظيفة الإخصائي ليست حساسة في المدارس ولفئة عمرية معينة من الطلبة، ولكنها اليوم باتت ضرورية على مستوى الجامعات، وربما بعض الشركات الكبرى التي تستضيف الخريجين الجدد.
فترة الوصاية في الأسرة العربية ممتدة، فالابن يبقى تحت وصاية أسرته إلى أن يتمكن من إيجاد وظيفة والاستقلال بدخله المادي، وعادة ما تكون قراراته ذات مرجعية أبوية واضحة، على العكس من المنتمين إلى الفئة العمرية ذاتها في الدول الغربية، فهم عادة يستقلون بحياتهم في مرحلة مبكرة، وكثيرون منهم، يرحلون من منزل الأسرة في حدود الثامنة عشرة من عمرهم، أما بالنسبة للفتيات في الشرق العربي، وخاصة في الأردن، فمرحلة الخضوع للوصاية تمتد حتى الزواج، وتدخل الفتاة بعد ذلك في جولة جديدة من الوصاية.
المراهقة هي مرحلة تغير فسيولوجي يحمل آثارا نفسية واسعة، وإذا كان التنبؤ ببداية مرحلة المراهقة ممكنا، فإن نهايتها تعتمد على النمط التربوي، وقدرة الأسرة والمدرسة على تسوية الصراعات النفسية التي تترافق مع فترة المراهقة.
مناسبة الحديث يتعلق بطالبات احدى الجامعات الأردنية والتهديد الذي أرسلنه على مواقع التواصل الاجتماعي بتصوير الفتيات اللواتي يجالسن زملائهن، ونشر هذه الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وفوق ذلك التطوع بإرسال نسخة إلى ذوي الفتيات، وهو الأمر الذي توعد رئيس هذه الجامعة باتخاذ إجراءات صارمة حياله، وبالفعل تم التوصل إلى طالبتين قامتا بالفعل بتصوير الزملاء، وهو الأمر الذي يتطلب أن نتابع ردة فعل الجامعة تجاهه.
ولكن، فصل الطالبتين، وحتى تصريحات رئيس تلك الجامعة التي جعلت حجم الظاهرة ينحصر في بضعة طالبات وليس ثلاثين طالبة كما كان الإعلان على موقع الفيس بوك، كل هذه الأمور، لن تؤدي إلى حل المشكلة، فالإجراءات العقابية ضرورية حيث تمثل طريقة التفكير التي تحملها الطالبات اعتداء على الخصوصية وتدخلا غير مشروع ولا مبرر أخلاقيا في شؤون طالبات أخريات، وذلك تحت حجة حماية الفضيلة، وهي الحجة التي يمكن الرد عليها وإظهار مدى تهافتها والجانب الاستعراضي فيها.
اليوم القضية هي في تطويق فكر مختل ومتطرف، وهو ما يتطلب أن يتم رصد خلفيته الاجتماعية والفكرية، وطبيعة شبكة العلاقات التي تنظم بعض الطلبة في إطاره، والإجراء العقابي الذي يمكن أن يصل إلى الفصل، سيحول الطالبات إلى صورة بطولية في نظر الزملاء المتعاطفين، والحل الأكثر صحة، وعادة ما تكون الحلول الصحيحة أكثر صعوبة، أن يتم التعامل مع القضية ككل في إطار الخلل الاجتماعي الذي يتطلب دراسته وتحليله والوصول إلى أدوات فاعلة في مواجهته.
غضب رئيس الجامعة من مقال صحفي يرصد بعضا من جوانب الفكر الداعشي في الجامعة الأردنية، وغضبة الرئيس غير مبررة ولا تسهم أصلا في حل المشكلة، كما أن الزميل الصحفي تناسى أن هذه الملامح الفكرية موجودة في جميع الجامعات الأردنية دون استثناء، واليوم، كلنا مطالبون بأن نعترف بالمشكلة، وأن نتخذ قرارا بمواجهتها، ولكن المواجهة لن تكون إطلاقا بصورة تجاهل المشكلة، أو إنكارها، والأسوأ أن يكون الفصل من الجامعة هو الحل في هذه الحالات، فالنتيجة ستكون أن هذا الفكر سيطرد من الجامعات ولكنه لن يختفي من المجتمع، وسيبحث عن حواضن أخرى في كل مكان، وبدلا من أن يكون في ساحة يمكن السيطرة عليها وتحديد توجهاتها، فإنه سينطلق إلى مساحات أخرى غير مرئية.
ما الذي تعنيه الحرية؟ ما الذي يعنيه الاختيار؟ ما معنى المسؤولية؟ ما هي الخصوصية؟ ماذا يعني احترام الآخر؟ هذه أسئلة لها إجابات غامضة ومشوشة في الفكر اليومي لدى كثير من المراهقين الذين يمكن أن يمتد بهم سن المراهقة إلى مراحل متأخرة عمريا، ويتوجب على تلك الجامعة وغيرها من الجامعات أن تقود منهجية واضحة تمتلك القدرة على الإقناع من خلال الجدل المنتج لوضع مفاهيم منضطبة، تستطيع أن تصحح الخلل وأن تبني أطر أكثر سلامة لوجود الإنسان في المجتمع ومسؤولياته وواجباته وحقوقه جراء ذلك.
الأربعاء 2015-03-04