- عَلمٌ غنيٌّ عن التعريف قدم للحضارة ما لم يسبقه إليه أحد فأثرى كافة العلوم وأفنى حياته في مهنة الطب معالجاً ومؤلفاً ومكتشفاً ومبتكر وإن صح التعبير فهو أبو الطب في العصور الوسطى كما كان أبو قراط أبا الطب في العصور السالفة.
ولد أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا المعروف بأبو بكر الرازي حوالي سنة 250هـ/865م في مدينة الري في بلاد فارس وانتقل في شبابه إلى بغداد إذ كانت منارة للعلم يؤمها طالبوه من جميع أنحاء العالم الإسلامي ودرس فيها الرازي علوم الرياضيات والفلسفة والفلك والمنطق و الأدب وتعمق في دراسة الطب والكيمياء والطبيعيات فذاع صيته ولمع نجمه فدعاه أمير خرسان منصور بن اسحق -أحد أمراء الأسرة السامانية التي كانت تحكم خرسان في ذلك الوقت- العودة إلى مدينة الري ليتولى إدارة بيمارستان الري والبيمارستان كلمة فارسية الأصل ترادفها كلمة المشفى في اللغة العربي.
قضى أبو بكر الرازي في الري عدة سنوات ألف فيها كتابين أهداهما إلى الأمير منصور بن اسحاق وهما المنصوري في الطب و الطب الروحاني والأول كتاب ضخم في الطب يهتم بأمراض وعلل الجسد ويكمله الثاني إذ اختص بأمراض وعلل النفس وحقق الرازي في الري شهرة طبيّة عظيمة دعت الخليفة المعتضد بالله أن يبعث في طلبه ليوليّه رئاسة البيمارستان المعتضدي الجديد فعاد إلى بغداد مرة أخرى معلماً وعالماً بعد أن دخلها صبيّاً مريداً للعلم.
قضى الرازي حياته متعبداً في محراب العلم والمعرفة ملتزماً بدينه وأخلاق مهنته فألف في الطب أكثر من 130 كتابا فُقِد معظمها ولكن ما بقي منها شكل المراجع الأساسية للطب في العالم أجمع فكتاب الحاوي في الطب أشهر كتبه على الإطلاق والذي يبحث في كل فروع الطب ويتكون من عشرين مجلدا ظل ولأكثر من ستة قرون بعد وفاته المرجع الرئيسي لطلاب الطب في الغرب والشرق وكان واحدا من تسعة كتب هي مخزون مكتبة كلية الطب في جامعة باريس سنة 1394م.
برع الرازي أيضاً في الصيدلة وعرف المراهم وركب العديد من الأدوية الكيماوية والعشبية وألف في الكيمياء كتابه المشهور الأسرار في الكيمياء ووصف فيه تجاربه الكيميائية وطرق تحضير المركبات والآلات والأدوات التي استعملها ومن أهم إضافاته في حقل علم الأمراض رسالته في مرضي الجدري والحصبة والتي تعد أولى الدراسات العلمية المتقنة والصحيحة في سياق الأمراض المعدية واشتمل الكتاب على صور مفصلة ودقيقة عن هذين المرضين وعن طرق علاجهما ويعد الرازي أول من فرق من الأطباء بين الجدري والحصبة وتم طباعة هذه الرسالة المميزة في أوروبا باللغة الإنجليزية أربعين مرة منذ العام 1498م وحتى العام 1866م، لما كان لها من بالغ الأثر في مسار الطب في العصور الوسطى وعصر النهضة وما اكتسبته من شهرة واسعة.
كان الرازي أعظم أطباء المسلمين وأعظم علماء الطب السريري في العصور الوسطى ووصفه ابن خلكان بأنه : كان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر، وكان متقناً لهذه الصناعة، حاذقاً فيها، عارفاً بأوضاعها وقوانينها، تشد إليه الرحال في أخذها عنه وصورته معلقة لليوم في كلية الطب بجامعة باريس، عاش الرازي آخر أيامه في مسقط رأسه الري فاقد البصر بعدما أصابه الماء الأزرق في عينيه ومات في بيته فقيراً سنة 311هـ /924 م.
المفضلات