ابن رشــد.. فيلسوف الفكر الحر
- هو الشارح وهو فيلسوف العقل وهو أول من أوجد مذهب الفكر الحر ومن أكثر فلاسفة العرب تأثيراً بالفكر الغربي إلى يومنا هذا وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة تموت روحي بموت الفلسفة .
ولد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد سنة 520هـ/1126م، وكان جده أبو الوليد محمد بن رشد قاضي القضاة في الأندلس ومن المؤثرين في التيّارات السياسية في زمانه، وكان والده أبو القاسم أحمد قاضي قرطبة، نشأ ابن رشد في جوٍ زاخر بالمعرفة فدرس في صباه الشريعة الإسلامية وتخرج في الفقه على المذهب المالكيّ وتعمق في الأدب وحفظ الشعر وانصرف إلى دروس الطب والرياضيات والحكمة.
يعد ابن رشد من أقوى مفكريّ العرب وأعمقهم نظراً وأبعدهم أفقاً وأشدهم انتصاراً للعقل والحكمة حتى كان بحق فيلسوف العقل عند العرب، وانتشرت مؤلفاته الطبيّة والفلسفيّة في أوروبا ودعت إلى حرية الفكر فكان له الأثر العميق في الفكر الغربي منذ القرن الثاني عشر ميلادي واتبعه كثيرون من فلاسفة الغرب في طرق البحث واعتمدوا العديد من نظرياته.
انتقل ابن رشد سنة 1153م إلى مراكش بدعوةٍ من ملكها عبد المؤمن ليستعين به في انشاء وتنظيم المدارس ومعاهد العلم والأدب فاتصل فيها بأبي مروان ابن زهر- من أشهر أطباء مراكش- واستعان به ابن رشد ليضع له تكملة كتابه الكلّيّات في الطب بعد أن ضمنه الناحية النظرية.
شهد ابن رشد في مراكش مُلك أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وحظي عنده بمكانة عالية وبعد وفاة أو يعقوب خلفه ابنه أبو يوسف الملقب بالمنصور فافتتح عهده بتكريم شديد لابن رشد وكان يعده سلطان العقول والأفكار، ولكن ما أن أطل عام 1195م حتى انقلب الحال بين الخليفة المنصور وابن رشد رأساً على عقب، فهبت في وجه الفيلسوف عاصفةٌ هوجاء قادها الفقهاء والمتزمتون الذين رموه بالكفر والزندقة فأمر المنصور بنفيه إلى قرية تدعى اليسانة وتقع مسافة نحو خمسين كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من قرطبة.
عُرف ابن رشد بالشارح وهو اللقب الذي أطلقه عليه دانتي في الكوميديا الإلهية واستحق هذا اللقب لأن فكره كان جهداً واعيّاً لإعادة مذهب أرسطو إلى نقاوته الأولى بعد أن أدخل عليه شرّاحه الاسكندرانيون من عناصر أفلاطونية شوهت فيه الكثير، ولكن لم يكن ابن رشد فقط شارحاً لأرسطو بل كان له آراء خاصة ومذهب خالف به من سبقوه من فلاسفة المسلمين فرد على تهافت الغزالي بكتاب تهافت التهافت مدافعاً عن الفلسفة وواضعاً نظرياته وتعليلاته الفقهية والعقلية ليثبت أن لا تضاد بين الحكمة والشريعة واستدل بالقرآن الكريم على وجوب الأخذ بالنظر العقلي ومن ثم الأخذ بالفلسفة عامة وبفلسفة أرسطو خاصة.
بحث ابن رشد بكافة فروع الفلسفة قديمها وحديثها فشرح وأضاف وفسر وكان منهجه يعتمد التحليل وإصدار الحكم بعد البحث والتنقيب ومن أقواله: ننظر في الذي قالوه في كتبهم ؟أي الفلاسفة- فما كان منه موافقاً للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه وما كان منه غير موافقٍ للحق نبّهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم وبحث أيضاً في علم النفس وتصنيفاتها وصفاتها.
عاش ابن رشد أيامه الأخيرة في بلاط الخليفة المنصور في مراكش فبعد أن مرت العاصفة وهدأت الحال أصدر الخليفة أمراً بإخلاء سبيل ابن رشد وإباحة الفلسفة واستدعاه إلى بلاطه حيث توفي سنة 595هـ/1198م وكان له من العمر اثنتان وسبعون سنة ونقل جثمانه إلى قرطبة حيث دفن مع الرّاحلين من أسرته وحيث توارى الثرى آخر عَلم من أعلام الفلسفة اليونانية-العربية فصح القول: كأنما كانت غاية الفلسفة الإسلامية أن تبلغ ابن رشد وتفنى بعده .
رد مع اقتباس
المفضلات