سهير الدراغمه - لواء الكورة يجاور مدينة اربد ،على مسافة لا تزيد عن 25 كم،ويضم اثنتين وعشرين قرية ،الهواء النقي والأشجار الخضراء والسهول والجبال والأودية والينابيع والمناظر الخلابة ونسمات الهواء العليل، عناوين لواقع يأخدك إلى عالم جميل يُشعرك بالإرتياح.
.. «أم شاهر» تلك المرأة الستينية التي خطت تجاعيد الزمان وهموم الحياة على وجهها ما زالت الإبتسامة لا تفارقها .. بالرغم من وجود الدموع المحبوسة في عينيها فهي أم لسبعة أبناء وابنتين منهم ثلاثة أبناء معاقون .. سامروعمره» 38» عاماً والذي كان في قمة سعادته مصفقاً ، عندما رأيناه .. وسمر عمرها «36»سنة
تنظر الينا مبتسمة بملامح البراءة لا تعلم عن عالمنا شيء.. فقد شاء القدر بأن يكون سامر وسمر يعانيان من عجز شبه كامل ، بنسبة 99%كما قالت والدتهم، فهم يعانون من ضمور في العقل .. وشلل دماغي كامل .. لا يعيلون أنفسهم .. فهي التي تطعمهم بيديها وتغيّر ملابسهم أكثر من 10 مرات في اليوم بسبب الإفرازات التي يخرجونها من فمهم والتبول اللا إرادي فهم يزحفون على الأرض ..ويمزقون ملابسهم .. عانت السيدة أم شاهر وتحمّلت وصبرت على أبنائها ولم تتركهم لحظة واحتضنتهم منذ ولادتهم قائلة» لم أتمن لهم الموت في يوم من الأيام وأشعر بالسعادة بوجودهم « رغم مرضها، فهي تعاني من ضغط الدم وآلام في المفاصل ووجود»ماء أسود» في عينيها وقد أًُجريت لها عملية جراحية قبل فترة .
..وعبرت أم شاهر عن حزنها الشديد ودموعها تتساقط ،عندما فقدت ابنتها فاطمة في عام 2006 والبالغة من العمر» 21» عاماً.

وشكت .. من المعاملة السيئة التي تعرضت لها من قبل إحدى موظفات التنمية الإجتماعية وموظفي صندوق المعونة الوطنية . فقد تم قطع رواتب أبنيها منذ فترة طويلة جداً والسبب أنها فتحت بقالة ، لكنها في الحقيقة شبه بقالة حيث لا تحتوي إلا على القليل من الشيبس والعصير والعلكة ،تقوم أم شاهر ببيعها لطلبة المدارس وأبناء القرية لتساعد زوجها المتقاعد والذي يعاني من أمراض مزمنة وكِبَر السِّن ، ولا يكفي راتبه احتياجات الأسرة فهي تحتاج لابنائها المعاقين إلى ملابس وأدوية للتقرحات وشفرات حلاقة .. وإلى أغطية للنوم حيث يتم تغييرها باستمرار بسبب مشاكلهم الصحية ،كما أنهم يأكلون دون وعي...
وأكدت أم شاهر أنها ذهبت في أحد الأيام إلى الحاويات ووجدت ملابس قديمة قامت باستخدامها لأبنائها الذين يمزقون ملابسهم باستمرار دون إدراك ما يفعلون .. وفي موسم الزيتون تقوم بفرط الزيتون للناس لتحصل على مونة السنة من زيت الزيتون للبيت وتطعم أبناءها .. فهي أم مُنتجة رغم ما تعانية من الألم .

« أم المعاق» مظلومة في مجتمعنا
..وقالت أم شاهر: أن» أم المعاق» مظلومة في مجتمعنا وحقها مهضوم بدل من الإحتفال بعيد الورد « تقصد الفلانتاين «يجب تكريم أم المعاق ودعمها مادياً ومعنوياً ..فهي محرومة من السعادة الحقيقية ومن النوم والتنفس بحرية .. وتوجه نداء إلى أصحاب القلوب البيضاء والضمائر النقية لمساعدتها في اعالة ابنائها ،لتستطيع تأمين احتياجاتهم المستمرة .. وذكرت أم شاهر أنها ذهبت في أحد الأيام لتحصل على بعض المساعدات وإذ هي كرتونة تمر ؟؟ لا نعلم هل هي بحاجة الى التمرأم إلى أُمور أُخرى أهم ؟.
وتساءلت أين تذهب المساعدات التي تأتي لذوي الأحتياجات الخاصة والمعاقين ؟.
سؤال أتركهُ بين يدي المسؤولين في التنمية الإجتماعية وصندوق المعونة الوطنية.
لم تكن قصة أم شاهر الوحيدة الموجودة في مجتمعنا .. فهناك العديد من القصص خلف الأضواء وفي الظلام ولم تر النور بعد .. فعندما زرنا قرية كفرعوان في لواء الكورة ، التقينا السيدة» أم محمد « زوجها متقاعد وهي أم «لخمسة أبناء صم وبكم «البنت الكبرى وعمرها «23سنة» والثانية وعمرها» 22 «والوسطى19 والصغرى 3 سنوات .أربع صبايا في عمر الورود فقدن السمع والنطق ..
وقالت أم محمد أنها عندما تلقت نبأ إصابة بناتها واحدة تلو الأُخرى .. بفقدان السمع والنطق كان كالصاعقة فوق رأسها ..رغم ذلك حمدت الله وشكرته ،لكنها تعاني من عدم استطاعتها توفير كافة احتياجاتهم من سمّاعات ودروس خاصة بهم ،فالقرية تخلو من مراكز لتعليم الصم والبكم لذلك تواجه صعوبات كثيرة كبعد المسافة لتأخذهم إلى مدينة اربد، لتعليمهم لغة الإشارة والدروس الخاصة بهم.. ..
.. ما يلفت النظر في هذه القرية ، أنه لا يكاد يخلو حي من أحياء القرية إلا وهناك مَن يعانون من إعاقات مختلفة سواء من الأطفال أوالكبار والسبب في ذلك زواج الأقارب حسب ما صّرحن سيدات القرية ..

قمة السعادة معها
السيدة أم شادي أيضاً من سكان الحي ..وهي أُم لطفلة جميلة جداً فسبحان الخالق أنعم الله عليها بالجمال اسمها نور ، والنور يشع من عينيها الجميلتين ، وجهها البريء ، وعمرها الحقيقي 17عاماً ولكنها تبدو أصغر بكثير ولا يتجاوز طولها «90 سم «فهي تعاني من إعاقة وشلل تام ..مربوطة بحبل في الشباك خوفاً من الهروب ،وتمزق الملابس وتأكلها دون وعي وتبتلعها ..وذكرت أم شادي أنها أُصيبت بصدمة كبيرة عندما علمت بأن طفلتها الجميلة معاقة ، ولكنها احتضنتها وربتها وتحمّلتها وتشعر ..بقمة السعادة معها.
.. بعد استعراضنا لأمهات المعاقين في لواء الكورة اللواتي تحدين الألم والحزن والعذاب وقلوبهن تتقطع على فلذات أكبادهن .. هناك أيضاً نساء منتجات
فقد أصبحت معظم سيدات لواء الكورة عاملات ولديهن دخل أصبحت الإبتسامة ترتسم على ووجوهن أ صبحن منتجات بدل مستهلكات .. ويساعدن أزواجهن في مصروف البيت وشراء اللوازم الضرورية ..كم هو جميل عندما نرى سيدة ضاقت الدنيا عليها وأُغلقت أبوا ب الفرح في طريقها وفجأة نجد بصيصاً من الأمل قد أنار طريقها .. تجاوز عمرها 50 وما زالت بكامل قوتها وعطائها ونشاطها. ،
إنها» السيدة آمنه بني ياسين»زوجها مقعد وعاطل عن العمل وعنده 9 من الأبناء والبنات ،تزوجته بعد وفاة زوجته ، واحتضنتهم وربتهم وعاملتهم كأنها أُّمهم التي أنجبتهم ،وقالت :» لقد عانيت من سوء المعيشة والوضع المادي المتدني للأسرة «.فقد قررت بعزيمة وإصرار أن تكون منتجة وعاملة ، فعملت بمهنة الخياطة بجد ونشاط ، والتحقت بالعديد من الدورات ، كدورة تهديب الشماغ الأحمر،وزراعة الفطر ، ودورة صناعة الصابون البلدي ، وبدأت بتسويق منتجاتها للمجتمع المحلي من الأهل والمعارف وأبناء المنطقة.

ساهمت في صنع نفسها

« بني ياسين « تلك المرأة التي لا يتجاوز تعليمها الأكاديمي الصف السادس ، ولكن خبرتها في الحياة وما أنجزته لا يقدر بثمن فقد ساهمت في صنع نفسها، بعطائها وقوة شخصيتها ، فهي طموحة جداً ومستعدة للعمل بجميع المهن ،والإعتماد على نفسها لتأمين مستقبل زاهر لأبنائها الذين علمتهم روح الصبر والمثابرة من خلال عملها وتعبها ليصبحوا متميزين وقادرين على تحمّل المسؤولية .
وصرّحت « بني ياسين «أن ماحققته من نجاح وطموح منذ بداية حياتها كان بتصميم وإرادة منها لتكون عضو فعّال ونشط في المجتمع ، وبفضل دعم ومساعدة جمعية برقش التعاونية التي كانت إحدى المستفيدات منها .
..السيدة انتصار بني يونس» رئيسة جمعية برقش التعاونية في قرية كفراكب والتي أمضت «13» عام كمعلمة لمادة الجغرافيا ، لكنها استقالت وترشحت للكوتا النسائية عام (2007)ولم يحالفها الحظ فقررت أن تخدم المجتمع وأبناء قريتها ،فأسست الجمعية لمساعدة الفقراء والمحتاجين وتوفير فرص عمل لهم .
وذكرت «بني يونس» أهم النشاطات والإنجازات التي تقوم بها الجمعية مثل عقد الدورات والمحاضرات كدورة القش ، والتجميل وصناعة الصابون البلدي ، ودواء الحرق « الطب العربي « ودورة التجميل وتهديب الشماغ الأحمر،ودورة المشاريع الصغيرة بالتعاون مع شركة نقل شبكة الأردن ، وزراعة الفطر بالتعاون مع مركز إرادة في بلدة دير أبي سعيد في لواء الكورة ، ومركز الإرشاد الزراعي في السلط .
أما بالنسبة للمشاريع فقد ساهمت الجمعية في دعم» 41»مشروعا قيمة كل مشروع ( 500) دينار متنوعة ما بين مشاريع تربية أغنام وأبقار ، وأشتال زيتون ، وملابس خليجية ( البالة ) و وصناعة الصابون البلدي والمعجنات وغيرها حسب ما صرحت به رئيسة الجمعية ، وهناك أيضاً مركز تنمية المجتمع المحلي الذي يساهم في تقديم الدعم والمساعدة بقيمة ( 1500) دينار للمجتمع المحلي والمشاريع الإنتاجية الصغيرة في اللواء .. وأكدت السيدة انتصار أن الجمعية تتلقى الدعم من الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت .

ضعف تسويق المنتجات
وقالت بني يونس أن الجمعية تواجة العديد من المشاكل منها التعتيم الإعلامي على تلك المشاريع الرائدة وفقدان الدعم المادي والمعنوي وعدم الإهتمام والمساعدة من قبل المسؤولين ، وضعف التسويق بالنسبة للمنتجات فيقتصرعلى المجتمع المحلي من الأهل والأقارب .
ومن جهة أخرى كان هناك دور للجانب المثقف في الإستفادة من الجمعية ، فكانت السيدة «إلهام المقدادي « احدى المستفيدات من جمعية برقش التعاوينة فهي نموذج للسيدة المتعلمة والحاصلة على بكالوريوس تربية طفل منذ 8 سنوات ، وأم لطفلين وبانتظار مولودها الثالث ، فبدل من انتظار الوظيفة وتضييع الوقت فقد قررت بتصميم ودعم من زوجها وهو معلم فيزياء تحدي ظروف الحياة ،وحصلت على دعم من جمعية برقش التعاونية بقيمة 500» دينار « لإكمال مشروع البيت البلاستيكي ، وزراعة أشتال الزيتون والزعتر والليمون والأعشاب الطبية والخضروات من البندورة والخيار ولوبيا والفقوس وغيرها من المنتوجات الغذائية الخالية من الأسمدة الكيماوية .
وذكرت» المقدادي «أنها من خلال تسويق منتوجاتها على المجتمع المحلي البسيط ، تمكنت من اكمال بناء بيتها المستقل وزيادة دخل الأسرة وارتفاع المستوى المعيشي لهم ، وتحقيق الإكتفاء الذاتي ، رغم أن هناك بعض العوائق التي تصادف أي مشروع مثل ارتفاع تكلفة الماء والكهرباء وضعف التسويق .

بإرادتها .. تحدت ظروف الحياة
.. استطاعت المقدادي بإرادتها ، ورغبة منها في تحقيق الذات ،بمساعدة زوجها وتعاونهم في حياتهم ،أن تقدم نموذجاً للمرأة الأردنية المنتجة والعاملة التي تحدت ظروف الحياة .
سيدات منتجات و عاملات وأمهات اقوياء ، تحدين الصعاب لان المرأة الأردنية ، في اي مكان تستحق الإهتمام والتقدير ، تلك المرأة الأم والزوجة المنتجة والعاملة ، التي من خلال عملها تمكنت من ترسيخ معاني وقيم ومفاهيم عظيمة ،ومن التعاون والتواصل والمشاركة مع أفراد المجتمع المحلي ودعم وتعزيز القدرات والمواهب والمهارات لنصل في النهاية إلى مجتمع راقي وحضاري