وليد سليمان - من خلال مشاهداتنا لجميع أجزاء حلقات مسلسل باب الحارة كنا نلاحظ هذه الممثلة السورية القديرة هدى شعراوي التي أتقنت دورها بشكل كبير وهو (القابلة القانونية) أو الداية التي تقوم بتوليد نساء الحارة وتزور منازلهن باستمرار, حيث كانت الطبيبة التي تكن لها كل نساء الحارة الود والاحترام والتقدير.. ففي ذلك الوقت القديم كانت الولادة في المستشفيات غير معروفة.. او انها من الامور المعيبة لدى المجتمع العربي بشكل عام. وعمل القابلة او الداية ليس بالامر السهل!! ففيه من الارهاق والجهد والخوف والقلق الشيء الكثير.
فالقابلة القانونية هي امرأة كبيرة في السن وكانت قديماً تحت الطلب في أي وقت نهاراً أو ليلاً حتى في منتصف وأواخر الليل.. وعندها لا يمكن ان ترفض القيام بمهمتها الانسانية لأية امرأة جاءها المخاض وتريد الولادة.
وعند ذلك كان يهرع الزوج مثلاً في انصاف الليالي والبرد والثلج لاحضار الداية لزوجته وهو محرج ولكنه مجبر ولا مفر من ذلك.. لان زوجته تكون في تلك الاحوال ما بين الحياة والموت.. فعملية الولادة أمر جلل وهام وصعب للمرأة.
أشهر القابلات في عمان
ومن أشهر القابلات القانونيات في عمان قديماً في منتصف القرن الماضي تقريباً كانت هناك كل من: أم شهيرة وسط البلد, زينب القطب في الجوفة, أم يوسف في المحطة, فضية رشيد في وادي سرور, وكذلك الست العرجا, ونجلاء الأسى وسط البلد, مشخص ابو سمرة قرب سيل عمان, وماري استيفان, وهدى الزاغة, وأنيسة شقير وهي أشهرن على الاطلاق وذلك لأسباب سوف نعرضها تالياً.
وهكذا ظلت مدينة عمان حتى بداية العام 1970 يقتصر عدد القابلات القانونيات فيها على نحو (15) قابلة أو داية فقط.. عكس هذه الايام التي تزايد عددهن اكثر من الف قابلة قانونية.
الحاجة أنيسة شقير
ربما تكون أم العمانيين الحاجة أنيسة شقير هي أول داية أو قابلة قانونية معترف بها من حكومة امارة الاردن مارست هذه المهنة الانسانية في عمان قديماً بدءاً من العام 1929 وحتى العام 1975 فقد عملت اكثر من (45) عاماً في هذه المهمة النبيلة والشاقة حيث تقاعدت بعد ذلك لكبر سنها فقد ولدت عام 1905 وتوفيت عام 2000 في عمان.
هذا وكانت الداية أنيسة شقير وهي من مواليد نابلس قد التحقت بدورة لتعليم مهنة التمريض والقبالة أي توليد النساء ولمدة ستة أشهر في المستشفى الحكومي في القدس عام 1926 ومارست هذه المهنة لمدة سنة في الخليل ثم جاءت الى عمان في العام 1929 واشتغلت في هذا المجال مع الحكومة الاردنية حتى العام 1948 حيث استقالت وبدأت تعمل لحسابها الخاص كقابلة قانونية لكل الناس في عمان الذين أحبتهم وأخلصت لهم وهم بالتالي أحبوها جداً حتى قيل قديماً أنها ولدت نصف ابناء وبنات عمان في تلك الفترة!! لذلك فلا غرابة انها كانت تقول: لي في عمان آلاف الابناء والبنات.
مواليد شخصيات
وكانت السيدة الشجاعة والمرأة الصلبة المكافحة الحاجة أنيسة شقير والتي تحدت كل الصعاب الاجتماعية والجسدية والنفسية في ان تصبح داية في وقت كان المجتمع ينظر الى المرأة نظرة دونية ويستهجن خروجها من البيت.. قد حطمت كل القيود وأعطت مثالاً للمرأة التي لها دور هام في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنه في مهنة التمريض, والتوليد التي قدر لها الله ان تقوم على توليد ستة آلاف نفس بشرية.
ومن الاسماء والعائلات المعروفة في المجتمع العماني والتي كان لديها المباركتين فضل توليدهم قديماً نذكر هنا بعض الامثلة فقط:
قامت الحاجة أنيسة بتوليد الملكة زين الشرف حيث كانت حاملاً بأنثى, ولم تستطع الاقامة مع الملكة لعدة ايام لأنه كان لديها الكثير من حالات الولادة لنساء عمان الأخريات. وكانت معظم حالات التوليد التي تقوم بها الحاجة شقير تتم بسهولة ويُسر من الله.. وفي حالات قليلة اذا تعسرت الولادة توصي بنقلها الى المستشفى الحكومي في عمان آنذاك او المستشفى الطلياني.
ومن الشخصيات الذين رأوا نور الحياة على يديها الطاهرتين مثلاً: زيد الرفاعي رئيس الوزراء الاردني السابق, حمدي الطباع واخوانه مثل عبدالاله, وأبناء من عائلات منكو, وعائلة ملحس, وعائلة السعودي, وعائلة الصفدي, وعائلة قطان, وعائلة الحاج حسن, وعائلة طبارة, وصدقي القاسم وعارف سليم, وموسى الساكت, وعائلة عبدالهادي وعائلة الشنقيطي, وعائلة آل خير, وأشقاء عاكف الفايز, وبعض ابناء المرحوم هزاع المجالي, وابناء ماجد العدوان, وآل دروزة, وخرفان, وكلبونة, والمعشر, وابو الراغب, وأولاد رئيس الحكومة قديماً ابراهيم باشا هاشم وغيرهم الكثير.
وفي كتابه (أيام زمان) للاديب والصحفي طلعت شناعة والذي صدر في عمان عام 1993 وفي لقاء حي مع القابلة انيسة شقير يذكر عنها وعلى لسانها ما يلي:
أول المواليد وآخرهم
سنة 1928 خرج على يدي أول مولود بعد احترافي مهنة القبالة وكانت أنثى واسمها سعاد, أما آخر مواليدي فقد كان في عام 1978 وهو حفيدي أنس نجل ابني معاوية. حقيقة لا أستطيع حصر عدد مواليدي فكما ترى هذه ثلاثة سجلات ممتلئة بالاسماء منذ أواخر العشرينات وحتى تقاعدي الذاتي عام 1975.
وعن موقف طريف تتحدث القابلة قائلة تحت عنوان (ونسيت انني حامل) قلت انني تزوجت مبكراً فلم انجب وكان زوجي يريد ان يتزوج عليّ لهذا السبب.. واذكر في احد البيوت كانت ثمة إمرأة تسكن الكروم النائية احتاجوا لمرأة تساعدها فقضيت الليل عندها.. وفجأة بدأ الطلق عندي وكانت قارئة الفنجان قد أنباتني سراً وقالت «شجرتك حاملة»!! ولم أصدق ولكن ها هو الطلق يأتيني في بيت السيدة هذه.. ومع تنفس الصبح كانت ولادتي الاولى وكان الطفل ولد «سباعي» فعاش ثلاثة أيام ومات.. لكنني فيما بعد أنجبت أولادي معاوية ومعاذ وآخرين.
أوسمة ملكية
وتقول: صحيح أنني لم ارتد الحلي الذهبية مطلقاً وطيلة حياتي الا أنني ولله الحمد حصلت على أرفع الاوسمة وهي زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأداء فريضة الحج لثلاثين مرة كذلك حصلت على وسامين ملكيين أحدهما قدمته لي جلالة الملكة نور الحسين والآخر من جلالة المغفور لها الملكة علياء.
تعب ومسيرة كفاح
ولقد واجهت التعب الشديد والعناء وحملت فوق كاهلي سنوات من الكد ولو سألتني عن أبنائي وأحفادي فأنا لا أتمنى هذه المهنة لأحد مع ذلك فقد لقيت اكبر حب في حياتي حيث كانت الأسر والعائلات تعتبرني منها واليها, والابناء مواليدي كانوا يعتبرونني أماً لهم وأنا فخورة لدرجة أنني أرضعت طفلة رفضت صدر أمها لمدة اربعين يوماً.. انه الحنان يا بني!!
أفراح الولادة
هذا وكما هو معروف قديماً فان الداية كانت قديماً تزور المرأة الحامل عدة مرات وبعد ان تولدها تزورها كذلك لأيام للاطمئنان عليها وعلى المولود الجديد ولاعطاء الارشادات.. وبعد اسبوع كانت تقام حفلة الاسبوع للنساء المقربات حيث الحلويات والاطعمة والغناء والزغاريد واعطاء الداية أجرتها التي تكون عادة (3) دنانير اذا كان المولود ذكراً و(2) ديناران اذا كانت المولودة أنثى.. أو حسب كرم الزوج وحالته المادية.. وكانت الداية تقوم بكتابة المعلومات في دفترها أي سجل الولادات بقلم رصاص الكوبيا عن تاريخ الولادة واسم المولود وجنسه واسم الاب وعمره واسم الام وعمرها والعنوان والجنسية والمذهب والمهنة. ومع ذلك فان الحاجة أنيسة شقير كانت ترفض أخذ أجرتها من العائلات الفقيرة.. بل وتقوم هي بمساعدتهم قدر المستطاع.. فهي الام الحنون لأكثر سكان عمان في ذلك الزمن القديم الذي كان فيه التراحم والمودة والمحبة تسود على علاقات الناس بين بعضهم البعض.
وكانت مناسبة الولادة قديما من المناسبات الهامة حيث تظل الاسره تزور بيت الولادة لعدة اشهر للمباركة واحضار الهدايا واطلاق الزغاريد والغناء والرقص هذا اذا كان المولود ذكرا.. اما اذا كانت انثى فان الاهتمام بكل ما ورد سابقا يكون اقل من ذلك بكثير.. فقد كان هناك ومع كل الاسف تمييز واضح ما بين قدوم المولود الذكر وقدوم المولودة الانثى.
ومن عادات الناس قديما عندما تلد المرأة مولودها ان يدهون جسمه بزيت الزيتون لانه زيت مبارك.. كذلك يقومون بالاذان بأذنه اذا كان الطفل على دين الاسلام.
اما الحلويات التي كانت توزع على المهنئين قديما بمجيء المواليد فقد كانت في العادة الحلاوة بالطحينية والشوكولاته والملبس على لوز وشراب القرفة بالجوز والراحة اي الحلقوم.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة
المفضلات