" خَلَص عاد .. ما بِدّي أسمع حرف"..!
نَظَرَت في وجوههم بِحَزم مُصطَنَع، ورويّداً رويّداً بَدأ الصّمتُ يُخيّم على الغُرفةَ الصفيّة، غير هَمهمات هاهُنا وهاهُنا، وغير صوت "زيد" الذي يُخالِف النِظام بارتفاعه المُشوّه، وقد كان الدرس الأول لها في تلك المدرسة، وفي ذلك الصّف.
أمسكت كتابها وهوَت بِهِ "بِرِفق" على رأسِ "زيد" ليَفهم ذلك الطالب ذو السنوات السِّتة معنى الإنضباط في الغرفة الصفيّة أمرٌ ضروري وواجب، لكِنّ "زيد" إنفلتَ بِصياحٍ وبُكاءٍ عجيب كأنّه مسّتهُ جِنيّةَ مُخيفَة..!
نَظرَت جيّداً إليه.. إنّه يتلوى بشكل غير طبيعي !
" يا ولد مالَك ؟ "
وعندما تفحّصت جسدَهُ بعينيها وراحتيها أيضاً، عَلِمَت ما وراء ذلك .. كان "زيد" مُصاباً بشلل الأطفال..!
وقد كان مقعده منفرداً وبلاستيكي.. وهي لم تلحظ ذلك بِدايةً
ما الّذي فعلتهُ ؟
وترفّقت فاحتضنته وحملته لِتُجلِسُهُ في حِجرها، وتُهَدهِدُهُ حيناً، وتبكي معه حيناً .
وبحثت سريعاً في حقيبةِ يدها عن سكاكرها وأخرجتها جميعاً بينَ يَديه الضعيفتين، وأخذت تُطعِمُه، ولا زالت بِهِ، حتّى سَكتَ، وبدأ يبتسم.
أعادته لمقعده رويداً رويداً ..
ونَشَطَت مِن عِقالِها، مُشتَملةً عُقدةً بين عينيها، ونزلت لمديرة المدرسة التي كانت تجلس مع بعض المعلِّمات لِشُرب قهوتهن الصباحية.
دَلَفت إليهن كالعاصفة :
"كيف ما بتحكي لي إنه عندي ولد مُعاق بالصّف ..!"
ودار جِدال حاد، انتهى بإعتذار المديرة .
وبَعد اسبوعين جائت أم الطالب "زيد" إلى المدرسة تسألُ عن "معلِّمة زيد" !
عِنددما رأتها مُقبلَةً عليها، أخذت تُحضّرُ في نفسها كلاماً تستطيب بِهِ خاطر الأم المكلومة، وتعتذرُ بِهِ عمّا بدرَ منها تجاه ولدها المشلول.
بعد أن سلّمت عليها بودٍ وامتنان، قالت أم زيد : "بتعرفي إنه ابني زيد خجول,, وما بيحسن التعبير بصراحة.. هو طلب مِنّي أحكيلك .. إنّه بيحبّك كثير" !!
المفضلات