برقش - طارق الحميدي- بين ربوع غابات برقش الحانية وفي فئ ظلال أشجارها, اجتمعت كل أفراد الأسرة ... يتأملون روعة المشهد العجلوني الذي منحهم مزيدا من الشعور بعظمة هذا الوطن وما يحتويه من تراث عمره مئات السنين.
أبو محمد وأسرته خرجوا يوم الجمعة من مدينة الكرك في رحلة نظمتها الحملة الوطنية لانقاد غابات برقش ليشاهد الغابة التي سمع عنها الكثير مؤخرا بعد أن تصدرت الأخبار طوال أشهر.
لم يكن يعتقد والد الأطفال الثلاثة أن في الأردن غابة من هذا النوع حيث الشجر قصير الجذوع ومتلاصق يكسو الجبال على مد البصر ليشكل سلسلة خضراء على امتدادها.
في بداية الرحلة التي شارك بها المئات من الناشطين والمتطوعين البيئيين مع أسرهم قام المنظمون بسرد بعض المعلومات التاريخية والبيئية عن المنطقة التي تقع في محافظة عجلون قبل أن تبدأ فعاليات الرحلة.
وتخلل فعاليات الرحلة التضامنية مجموعة من النشاطات التي نفذها المنظمون مثل إطلاق الطائرات الورقية فوق الغابة والتي كتب على بعضها «لا... لإعدام غابات برقش».
وقام المنظمون بتوزيع قمصان مكتوب عليها «لا» لتقطيع غابات برقش في حين أقيمت نشاطات ترفيهية للأطفال من رسم على الوجوه والعاب بيئية تحث على أهمية الحفاظ على الشجرة والطبيعة.
الحاجة الستينية فاطمة محمد زيتون «أم نسيم» توسطت الغابة وجلست أمام الصاج الذي اعتادت أن تخبز عليه منذ أكثر من 30 عاما قبل أن يتجمع حولها المتنزهون لينالهم حظ من خبزها اللذيذ المذاق.
وقالت الحاجة «لن أتنازل عن أرضي التي من المفروض أن تقام عليها الكلية لي 13 دونم في هذه المنطقة وكلفني وأولادي الـ(7) الكثير لإصلاحها ولكني لن أتنازل عنها».
وبينت أنها لم تقبل التفاوض على سعر الدونم لأنها ترفض المساومة عليه وقالت «منزلي أثري مبني من الحجر والطين وولدت في هذا المنزل وسأموت فيه».
احمد ابو زيتون يملك أكثر من 20 دونما في المنطقة المخطط إنشاء كلية عليها قال « لدينا منزل من الطين في الأرض عمره أكثر من مئة عام كان جدي يعيش فيه وورثه والدي ولن نفرط بهذا التراث أبدا». وأشار الخمسيني المتقاعد أن الأسرة كاملة تعتاش على ما تنتجه الأرض ولا يجب أخذها دون موافقة ملاكها.
وبين هذا وذاك وقف حاج سبعيني من بعيد يحمل على صدره يافطة التصقت بجسده كتب عليها « حياتي ومماتي بين شجراتي»... فيما حمل أخر يافظة كبيرة كتب عليها «اسألوني عن برقش».
وقام المتطوعون والمشاركون في الرحلة بتنظيم حملة نظافة طافت مساحات واسعة من الغابة وحملوا معهم أكياسا كبيرة جمعوا فيها مخلفات الطعام والأكياس البلاستيكية.
وقال مدير السياسات في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عمر الشوشان «أن الرحلة التي تم تنظيمها تحمل رسالتين الأولى آنية للقائمين على المشروع بضرورة الاستماع لمطالب معارضيه والتعرف على حجم المعارضة له والثانية خلق حالة من الوعي عند المواطنين بالاهتمام بالغابات والتعرف على أهميتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».
وبين الشوشان أن هذا الحراك يعتبر من أرقى أنواع تسجيل الاعتراض حيث كان حراكا إنسانيا أضاف عمقا توعويا قانونيا وبيئيا عند المشاركين.
من جانبه قال منسق الحملة الوطنية لانقاد غابة برقش المهندس فراس الصمادي «أن الغابات حق للشعب الأردني ولا يجوز التعدي عليها بحجج التنمية, مؤكدا بأحقية أهل المنطقة بإقامة كلية على أراضيهم إلا أنه طالب بإزاحتها عن موقع الغابة».
وأشار ان من حق المواطنين الإنساني والقانوني والبيئي التمتع بهذه الغابات وأن الاعتداء عليها هو فعل مخالف للقانون مع تأكيده على أهمية جلب الاستثمار الرفيق للبيئة إلى المنطقة.
وأكد الصمادي «نحن مع إقامة كلية عسكرية في المنطقة لكن على أن لا تكون فوق هذه الغابة النادرة والفريدة».
وأقام المشاركون حلقات توعوية وقاموا بتنفيذ حلقة طربية أنشدوا خلالها الاغاني الوطنية واحتفلوا بمناسبة الأعياد الوطنية قبل أن يغادروا غابات برقش على أمل العودة إليها خلال الفترة القادمة.
وتقع غابات برقش على مساحة 20 الف دونم وتتميز الغابة بأنها تؤوي مئات الأنواع من الحيوانات والمخلوقات الحية، والاشجار التي يزيد أعمار بعضها عن 500 عام, وتضم الكهف الطبيعي المَعروف الوَحيد في الأردن، وهو مغارة الظهر التي يُقدر عمرها بـ4 ملايين عام، وهيَ أيضاً معلم طبيعيّ مُتميز عالمياً.
وكانت القوات المسلحة قررت إقامة كلية عسكرية على قرابة ألف دونم من أراضي الغابة مما أثار موجة من الاعتراض بين أوساط الناشطين البيئيين.
رد مع اقتباس
المفضلات