بقلم محمود التميمى ٢٣/ ٢/ ٢٠١١
فى هذه اللحظات الفاصلة لا يمكن لأحد أن يدّعى بطولة أو يلتمس شرفاً مثل هؤلاء الذين باتوا ليالى طويلة فى ميدان التحرير.. فى هذه اللحظات لا يمكن لأحد أن يقف أمام إرادة هذه الحشود إلا فاسد أو جاهل، ولا يمكن لحكيم أو حتى لجنة من الحكماء أن يتصوروا أنفسهم أوصياء على هؤلاء الشباب أو ممثلين لثورتهم الهادرة.. لا يمكن لمن وقف وراء خط الخوف.. خط الجبن.. خط ذهب المعز وسيفه.. أن يدعى الآن زعامة أو يطالب بقيادة.. لا يمكن لأحزاب المعارضة المصرية وهى اختراع كوميدى أكثر نجاحاً من أفلام إسماعيل ياسين، أن تدعى الآن أنها تستحق المشاركة فى حكومة ائتلافية تلك الرائحة الذكية التى فاحت فى مصر كلها يوم ٢٥ يناير فأيقظتها، لا تتفق مع رائحة الإخوة رؤساء الأحزاب التى أزكمت أنوفنا ٣٠ سنة، وكأن قدر مصر هذه الوجوه الكريهة التى اختلط فيها الشريف بالنصّاب بالمناظل بالمقامر بالمخبر لتتحول الحياة الحزبية على يد صفوت الشريف وأحمد عز ووزراء الداخلية المتعاقبين إلى سيرك كبير..
لهذا فأنا أطالب بعمل عزل صحى بين قيادات أحزاب مصر مبارك وبين شباب ٢٥ يناير.. لا تخالطوا هؤلاء احذروا فيروسات صفوت الشريف التى تخرج من أفواههم، فالعدوى كما علمتنا وزارة الصحة تنتقل بالرذاذ.. ويكفى هذه الأحزاب أنها جعلت السياسة فى مصر كلمة سيئة السمعة، ونحن الآن لا نحتاج إلى شكلها الفارغ الذى قدمه المهرجون طيلة العقود الأخيرة، بل نحتاج إلى مفهوم العمل الوطنى بالشكل الذى تعلمناه من ثوار يناير الأحرار.
لكن بعد قليل وبعد هدوء سيأتى لا محالة.. على هؤلاء الثوار أن يفكروا فى الدور الذى أعطاه لهم التاريخ.. عليهم أن يقارنوا بين تجربتهم وبين تجارب أخرى نجحت فى النهاية، ونقلت مصر إلى مكانتها التى تستحقها، ولعل أهم هذه التجارب تلك التى أفضت فى النهاية إلى وجود رجل مثل محمد على باشا فى سدة الحكم.. كان للرجل مشروع كبير انتقلت مصر به إلى آفاق أبعد من الخيال.. وفى زمن قصير نسبياً.. وبسواعد أبناء مصر الذين عانوا فى ظل حكم المماليك والوالى العثمانى أفظع الويلات، وكانت مصر وقتها مجرد ولاية عثمانية غارقة فى الجهل والتخلف والفقر والمرض.. لكن محمد على بمشروع واضح وإرادة صلبة ودعم شعبى، استطاع أن ينقل مصر.. لكن لم يكن ليذكر كتاب «تاريخ مصر» محمد على لولا وجود رجل اسمه عمر مكرم..
وأريد من ثوار يناير أن يتمعنوا فى تجربة مكرم بكل دقة.. المصرى الراغب فى الحداثة الرافض للتخلف وللرجعية ليس مطلوباً أن يكون السيد عمر مكرم ٢٠١١ زعيماً فرداً كما كان عام ١٨٠٥، لكن الواجب أن يكون فى مصر ٨٠ مليون عمر مكرم يذهبون إلى صناديق اقتراع، يتولون حمايتها بأرواحهم وضمائرهم، ويثقون فى نتيجتها.. عندها فقط من الممكن أن يحكم مصر من يقدم لها مشروعاً أعظم مما قدم محمد على.
المفضلات