بقلم رولا خرسا ٢٣/ ٢/ ٢٠١١
لم أشعر فى حياتى بوجوب الصمت وعدم التعبير عن رأى مثلما أشعر به الآن، أذكر أننى قبل قيام الثورة كنت جالسة مع إحدى الشخصيات السياسية المخضرمة وقال لى وقتها: مقالاتك ثورية جدا، وفى تعليقات القراء كنت أقرأ الملحوظة نفسها، وقامت الثورة وسعدت بصحوة الشباب بعد أن ظننا جميعاً أنهم لن يستيقظوا، وعبرت عن فرحى كلاما وكتابة إلى أن تطور الأمر، وبالتحديد قبل خطاب تنحى رئيس الجمهورية السابق، بدأ الناس ينقسمون إلى مؤيد لفكرة أن الرجل قد كبر ولا يستحق نهاية غير لائقة، وكلنا يعلم أنه مريض، وبالتالى لا ضرر من الانتظار بضعة شهور، وقسم يقول: لا لا ثورة ثورة حتى النصر،
ومع تاريخ من عدم الثقة فى الوعود المقدمة مسبقا على مر السنوات، وظهور شعارات «الشعب يريد رحيل الرئيس»، و«مش حنمشى هو يمشى»، وكان هذا هو الانقسام الأول، عبَّر الناس عن رأيهم من الجانبين بحرية دون أن يعلموا أنهم سوف يدفعون ثمن رأيهم هذا غاليا، فبعد نجاح الثورة، بدأت الحسابات ولم تنته، وضعت القوائم السوداء للفنانين والصحفيين والمذيعين، والمعيار هو الموافقة التامة على كل ما نقول وإلا، فأنت من الأعداء، وبدأت مرحلة تصيد الأخطاء، واتهام الجميع بالفساد، حكى لى زميل صحفى عن صحفية حاصلة على إجازة منذ ١١ عاماً عادت اليوم تريد منصباً وراتباً عالياً، أضف إلى ما قلت الاعتصامات والمشاكل الفئوية التى تقرن كل طلباتها بالثورة، على اعتبار أن الثورة التى بدأت بثورة شباب وتحولت إلى ثورة شعب سوف تحل كل المشاكل بعصا سحرية،
وانتشرت ظاهرة التشفى والشماتة، والتصوير على الموبايلات كما حدث مع المهندسين أحمد عز وأحمد المغربى وزهير جرانة وهم يدخلون السجن، علقت على هذا المشهد بأنه لا داعى للتشفى، ولنترك للقضاء والعدل الكلمة العليا وإن ثبتت عليهم التهم، وغالباً يبدو أنها ثابتة، فليحاكموا وأضفت: وبالنسبة للواء حبيب العادلى الذى لم يصور فأطالب بمحاسبته لا على غسيل الأموال أو أى مخالفات مالية وفساد فحسب، بل على الانفلات الأمنى وتهريب المساجين ودم الشهداء وما يترتب على الموضوع من تهم أخرى، بل وطالبت بأن يحاكم فى ميدان التحرير، وأضفت وأنا أتكلم عن الجميع، ولكن فلنبتعد عن الشماتة فهؤلاء الأشخاص بدأوا تلقى الجزاء والعقاب، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وهنا فتحت علىَّ أبواب غضب لمجرد أننى طلبت عدم الشماتة، مع إصرارى على طلب القصاص والحساب، المشكلة ليست هنا، فأنا أتفهم أنه توجد حالة احتقان شديد وأنه يوجد غضب شعبى كبير، وإحساس بالقهر والظلم، إحساس بأن البلد غنى ولكننا شعب فقير لأن بعض كبارنا قد سرقوا خيراته، نسمع عن مليارات والمعظم يتقاضى ملاليم، كثيرون عانوا أمراضا وسرطانات وقيل لهم إن السبب هو مبيدات مسرطنة وضعت لنا فى طعامنا، انتشر فيروس سى، ولم تستوعب المستشفيات من الأعداد ولم يكن فى ميزانية الصحة ما يكفى.
وأخيراً من الأسئلة التى أرقتنى كثيرا: لماذا يحاكم اللواء حبيب العادلى على غسيل أموال ومخالفات مالية ولا يحاسب أو على الأقل لا يعلن عما حدث فى جمعة الغضب عمن أصدر قرار إطلاق النار الحى، عمن أصاب الشهداء وبعضهم كانوا فى عقر دارهم يراقبون ما يجرى من بلكوناتهم؟!، وعلى الرغم من حالة الغضب الشديدة التى تعترينى بسبب دماء الشهداء وتعاطفى مع أهلهم، أطلب الصعب، وأنا أعرف أننى كما اتهمت سابقا على مدار حياتى سوف تتكرر التهمة، أطلب جهاد النفس، وهو أصعب أنواع الجهاد، أطلب من الجميع احترام آراء الآخرين ولو تعارضت مع آرائهم، أرفض القوائم بألوانها المختلفة فمن نحن لتقييم بعضنا البعض، ولو وضع كل منا قائمة وأعلنها فهو يشعل فتنة ويسبب جروحاً عميقة، ومن يرفض كلامى فأرجو أن يحترم أنه رأى، وأن الشهداء لم يموتوا كى نتحول جميعا إلى ديكتاتورات صغار. نسيت أن أقول لكم التهمة التى توجه إلىَّ منذ سنوات: المثالية.. ولكن بما أن مصر قد شهدت ثورة، ألا تستحق منا مثالية فى التفكير والفعل؟!
رد مع اقتباس
المفضلات