بقلم محسن الجلاد ٢٨/ ١/ ٢٠١١
بداية سيدى الرئيس وقبل أن أبدأ وقبل أن تسمع منى ما أعتقد أنك لم تسمعه من غيرى.. دعنى أتذكر مقولة قد تزيد من إفرازات الشجاعة بداخلى «من خاف لم يقل.. ومن قال لم يخف».. لذلك سأقول ولن أخاف.. وقبل أن أقول أزيد القول وأستهله بأننى حقاً لا أخافك سيدى الرئيس فأنت فى اعتقادى شخص غير مخيف.. شخص أقدره وأحترمه ولا أخافه.. بل وأزيد القول قولاً أعتقد أنه حميد أننى لا أخاف إلا الله ولا أخاف إلا على هذا الوطن الذى ولدت فيه لأب وأم وأجداد مصريين حتى النخاع.. دعنى أيضاً أصارحك بأن عدم مخوفى منك إنما يشبه عدم خوف الابن من أبيه الذى يحترمه ويوقره وهو يخبره بأن أخطاراً جسيمة تهدد بيته.
ولأننى أؤمن بأنك قبل وأثناء توليك مقاليد الحكم فى مصر مواطن مصرى.. ولكن مواطن مصرى بدرجة رئيس جمهورية.. ولأننى أيضاً مواطن مصرى، ولكن لست بدرجة رئيس جمهورية.. ولكننى أنا وأنت نجتمع فى صفة واحدة وهى أن كلاً منا «مواطن مصرى» يريد كل الخير لمصر.. ولأن الأعمار والأقدار بيد الله وحده لا شريك له ولأنى أريدها خالصة لوجه الله ولمصلحة الوطن دعنى أهمس فى أذنيك بلا حرج ولا تحرج ولا خوف ولا تملق ولا تزيين لواقع مرير تعيشه البلاد.
سيدى الرئيس.. لقد حباك الله بحكم شعب طيب صبور سهل الانقياد.. يكاد يؤله دوماً حاكمه.. شعب كل حلمه فى الحياة أن يعيش ولو تحت خط الفقر بدرجة واحدة لا بدرجات كثيرة تكاد تودى به إلى الهاوية.. ولكنه أيضاً شعب لابد وأن نخشى أن ينفد صبره، إذ لابد ألا ننسى أن ملايين المحبطين المحتقنين يسكنون العشوائيات والأحياء الفقيرة بالقاهرة، والملايين من المعدمين يسكنون أرجاء مصر من شرقها لغربها.. ولو اندلعت لا قدر الله الشرارة فمعناها استيقاظ المارد وخروجه من القمقم، وعسير للغاية بل ومحال إدخال المارد مرة أخرى إلى داخل قمقمه.
سيدى الرئيس.. لن أخفى عليك سراً.. فمعظم الشعب المصرى فى حالة احتقان.. نعم حتى وإن أخفى عليك مستشاروك ووزراؤك ذلك.. الدخل ضئيل.. والغلاء فاحش.. والاستفزاز فاجر.. والفساد بجميع أنواعه وألوانه وأشكاله أصبح للركب.
نعم.. الاستفزاز فاجر يا سيدى الرئيس.. فكيف لا يستفز رب أسرة لا يستطيع أن يوفر براتبه المتواضع حياة كريمة ولو لمدة خمسة أيام فى الشهر وهو يسمع ويقرأ عن أصحاب المليارات والقصور والطائرات الخاصة..!!!
كيف لا يستفز ويحتقن شباب تخرجوا فى الجامعة ولا يجدون عملا وهم يسمعون عن أبناء الصفوة الذين ينعمون بالملايين والمليارات؟!!!
كيف لا يستفز ويحتقن شاب تعدى الثلاثين من عمره ولم يتزوج وليس لديه ما يعف نفسه ويتزوج به، ولا يملك ثمن «دبلة» ولا حتى مرتبة وهو يسمع ويقرأ عن حفلات أبناء النخبة والصفوة التى يتكلف الحفل الواحد منها الملايين من الجنيهات؟!!!
كيف لا يستفز ويحتقن شاب حفيت قدماه كى يحصل على شقة من المحافظة «غرفتين وصالة» كى يتزوج فيها ولم يفلح فى الحصول عليها لأنه لا يملك واسطة وهو يسمع ويقرأ عن فلان وفلان وفلان من النخبة والصفوة الذين حصلوا ويحصلون على ملايين الأمتار من الأراضى ملك الدولة بأسعار زهيدة ويربحون منها فى غمضة عين مئات الملايين..؟!!
كيف لا يستفز ويحتقن رجل لا يجد ثمن الدواء الذى يعالج به نفسه أو زوجته أو ابنه أو أمه ولا يجد من الدولة عوناً فى توفير الدواء والعلاج وهو يسمع ويقرأ أن كبار المسؤولين «أصحاب الملايين والمليارات» يسافرون هم وذووهم للعلاج بالخارج على نفقة الدولة «أى من أموال الشعب»؟!!
كيف لا يستفز ويحتقن أب أنفق سنوات عمره فى كد وشقاء فى تربية أبنائه وتعليمهم حتى تخرجوا فى الجامعات وكان مصيرهم أن خريج العلوم يعمل بائع ساعات وولاعات فى المقاهى «بائع سريح» وخريجة الاقتصاد والعلوم السياسية تعمل بائعة فى محل ملابس بمئتى جنيه.. وخريج التجارة يعمل سائق ميكروباص أو توك توك بدون رخصة..؟ «لا لشىء سوى أنهم لا يملكون واسطة ومحسوبية».. كيف لا يستفز ويحتقن هذا الأب وأبناؤه وهم يسمعون عن أقرانهم أبناء النخبة الذين يلعبون بعشرات ومئات الملايين فى البزنس؟!!
نعم سيدى الرئيس.. الدخل ضئيل والغلاء فاحش والاستفزاز فاجر والفساد للركب «حسب وصف الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية للفساد فى مجلس الشعب».
والفساد يا سيدى الرئيس إذا ما استشرى فى بلد من البلاد فإنها النهاية المأساوية الحتمية المتوقعة.. وهو بمنتهى الصراحة مسؤولية الحاكم قبل أن يكون مسؤولية الرعية.. وإن كانا يشتركان فى المسؤولية وقد استشرى الفساد فى البلاد حتى أصبح ينخر فى عظامها .. حتى أصبح الكل ينهب فى الكل حتى يعيش.. الكل أصبح ينهش فى الكل حتى يحصل على قوت يومه.. وأصبحت النسبة المهولة من الشعب لا تؤمن بأنهم أصحاب البلد بل يؤمنون بأن أصحابها هم هؤلاء الذين ينعمون بخيراتها وملايينها وملياراتها.. وهذا للأسف المحزن والمرير معناه خسوف وكسوف كلى فى الشعور بالانتماء الذى هو عماد بناء ونهضة وحضارة الأمم.
سيدى الرئيس... ليس لدينا مانع أن نعانى وأن نربط الأحزمة على البطون الخاوية.. لكن المساواة فى الظلم عدل.. فأنا لست مطالباً، رغماً عنى وقهراً، بأن أربط الأحزمة على بطنى الخاوية وغيرى ينعم بخيرات البلد.. لست مطالباً بألا أذوق اللحم إلا على موائد الرحمن فى شهر رمضان وبعضهم يشترى طائرات خاصة بمئات الملايين وبعضهم ينفق مئات الملايين على محظية تخلت عنه وذهبت لغيره... لسنا مطالبين بربط الأحزمة على البطون الخاوية يا سيدى الرئيس وبعضهم يحتكرون السلع الاستراتيجية ويربحون المليارات ويكنزونها فى بنوك أوروبا.
لسنا مطالبين، رغماً عنا وقهراً، بأن نموت جوعاً أو نعيش فى شقاء ليحيا أهل الصفوة والنخبة حياة الأباطرة..
سيدى الرئيس.. سأقولها والأعمار بيد الله.. لقد حكمتنا قرابة الثلاثين عاماً وعلى رأى المثل المصرى العامى «إللى جاى مش قد اللى راح»... ولا نريدها ثورة محتقنين تأتى على الأخضر واليابس وتدمر حاضر مصر ومستقبلها.. بل نريدها ثورة تقودها أنت ضد الفساد.. ضد الفقر... ضد القمع.. ضد ترزية القوانين... ضد النخبة التى تنهب ثروات مصر... ضد حالة الاحتقان...
بيدك يا سيدى الرئيس أن تدخل التاريخ مخلداً من أوسع أبوابه وأن يشيد لك كل مصرى تمثالاً ضخماً بداخله إذا قدتها ثورة لصالح المواطن المصرى الذى آن الأوان لأن يعيش حياة كريمة يستحقها ينعم فيها بالديمقراطية والعدل والمساواة حتى تنمو بداخله من جديد بذور الانتماء فيهب ناهضاً بمصر نهضة تذهل العالم..
ولتسمح لى يا سيدى الرئيس أن أتطفل عليك بسؤال أرجو أن أجد له إجابة... وهو سؤال يؤرقنى للغاية كمواطن مصرى «إلى أين نحن ذاهبون؟» ولتسمح لى يا سيدى الرئيس، فللحديث بقية إن كان فى العمر بقية، وإن سمحت لى أن أكمل البقية الكثيرة لحديثى الهامس فى أذنيك..
رد مع اقتباس
المفضلات