بسم الله الرحمن الرحيم
ما يجب في صفاته تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم,الحمد لله رب العالمين،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
قَالَ بن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "ثم رسله
صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما
لا يعلمون، ولهذا قال:
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾1 .
فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل،
وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص
والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى
به نفسه بين النفي والإثبات.
فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به
المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين.
وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في
سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن حيث يقول:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾2 .
وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه حيث
يقول:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا
نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا
الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾3
من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله
حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح .
ابن تيمية يرحمه الله
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::
الشرح :
طريقة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء
والصفات أن يصفوا الله بما
وصف به نفسه، أو صفه به رسوله، من غير
تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فلا
ينفون ما وصف الله به نفسه، ولا يحرفون الكلم
عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته،
ولا يشبهون صفاته بصفات خلقه.
.هذا هو منهجهم: يثبتون ما أثبته الله لنفسه
وأثبته له رسوله، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه
ونفاه عنه رسوله، إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا
تعطيل، ويعتمدون في ذلك على كتاب الله، وما
بيّنه -سبحانه وتعالى-، يعتمدون في ذلك على
الكتاب إيمانا بالله، وإيمانا بكتابه.
ولهذا قال الأئمة في بعض الصفات: الاستواء
معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
إن الإيمان به هو حقيقة تصديق الله، وتصديق
رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مقتضى
الإيمان بالله ورسوله وكتابه.
يقول الشيخ بعدما ذكر هذا: "ثم رسله صادقون
مصدقون": الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم
جاءوا -في باب الأسماء والصفات وغيره- جاءوا
بالحق المبين، فقولهم هو الحق، وما جاءوا به
هو الحق الذي يجب الإيمان به والالتزام به.
"ثم رسله صادقون": نعم رسل الله صادقون، بل
هم أصدق الناس، الرسل -عليهم الصلاة
والسلام- هم أصدق الناس؛ لأنهم قد اصطفاهم
الله لتبليغ رسالاته، ولا يصطفي -سبحانه
وتعالى- لتبليغ رسالاته وتبليغ شرائعه إلا
الصادقين.
"ثم رسله صادقون مصدقون": في بعض النسخ
"مصدوقون" "مصدقون" نعم الرسل صادقون
في كل ما يخبروننا به، معصومون من الكذب -
عليهم الصلاة والسلام-.
وهم مصدقون، فالله تعالى يصدقهم، يقيم الأدلة
على صدقهم، يقيم الخوارق الدالة على صدقهم،
ويشهد بصدقهم في كلامه:
﴿ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾4
﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾5
في الآية الأخرى.
وهم مصدقون عند الموثقين مصدقون، بل إن
أعداء الله الكفرة هم مصدقون للرسل في الباطن
كما قال -سبحانه وتعالى-:
﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا
يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾6
وكما قال عن فرعون وقومه:
﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾7
فلا يكذب الرسل ظاهرا وباطنا إلا من لا عقل له،
يعني ما عنده.
أما العقلاء فإنهم -وإن جحدوا ظاهرا عنادا
وحسدا وكبرا وما إلى ذلك- فهم مصدقون لهم في
الباطن، وإن كان هذا التصديق لا ينفعهم، من
صدَّق الرسل في الباطن وأظهر تكذيبهم فهو
الكفور، لا ينفعه تصديقه في الباطن.
أما معنى "مصدوقون": المصدوق هو المخبَر
بالصدق، الصادق ما هو الصادق؟ هو المخبِر
بالصدق، والمصدوق هو المخبَر بالصدق.
فالرسل صادقون لأنهم قد أَخبروا بالصدق، وهم
مصدوقون لأنهم مخبَرون بالحق، فهم يتلقون
علومهم وما يبلغونه يتلقونه عن مَن؟ يتلقونه
عن الله بواسطة وحيه، وبواسطة رسوله من
الملائكة
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾8
﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾9 .
إذن فما قالته الرسل في الله هو الحق
نفيا وإثباتا، ولصدق الرسل، وأن ما قالوه وما
يقولونه في رب العالمين أنه هو الحق، قال -
سبحانه وتعالى-:
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾1 .
فسبح نفسه -سبحانه وتعالى- عما يصفه به
الجاهلون والمفترون والمشركون، الذين يقولون
على الله ما لا يعلمون، سبح نفسه عما يصفون
به، "سبحان" هذه الكلمة تدل على التنزيه على
النفي ﴿ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ﴾10 سبحانه أن
تكون له صاحبة، سبحانه أن ينام « إن الله لا
ينام ولا ينبغي له أن ينام »11 سبحانه عما
يشركون.
"سبحان": دائما سبحان هذه فيها دلالة علامَ؟
على التنزيه، على النفي، على نفي المعائب
والنواقص والنقائص.
وسلَّم على المرسلين، سلام من الله على رسله
﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾12 وإنما سلَّم عليهم
لأنهم أولياؤه الصادقون فيما أخبروا به عنه،
المحقون فيما يصفون به ربهم؛ ولهذا يقول
الشيخ: وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من
النقص والعيب ومن الشرك والإفك.
﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾13
ثناء من الله على نفسه بإثبات الحمد كله له؛
لما له -سبحانه وتعالى- من الأسماء والصفات،
من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وبديع
المخلوقات ﴿ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾13 .
فهذه الآيات فيها تنزيه وتحميد وتمجيد، وثناء
على المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم،
فالرسل هم الأئمة، وهم القدوة، ولنا فيهم أسوة،
ولا سيما نبينا خاتم النبيين -عليه الصلاة
والسلام-، لنا فيهم أسوة، وسبيلنا سبيلهم.
يقول الشيخ: "وقد جمع -سبحانه وتعالى- فيما
وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات":
يعني وصف الله لنفسه، وكذلك وصف الرسول
لربه فيه نفي وفيه إثبات، فيه نفي وإثبات.
المدح يكون بماذا؟ يكون بالإثبات فقط أم بالنفي
فقط؟ لا، يكون بالنفي وبالإثبات، يكون بإثبات
الفضائل والكمالات، وبنفي النقائص والآفات.
فالمدح يكون بنفي وإثبات؛ ولهذا جمع الله فيما
وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فهذه
قاعدة قررها شيخ الإسلام في غير موضع،
واعتبرها قاعدة: أن الله موصوف بالإثبات
والنفي. بإثبات ماذا؟ بإثبات الكمالات ونعوت
الجلال، وإثبات الأسماء الحسنى، وبنفي المعائب
والنقائص والآفات، فهو السلام وهو القدوس.
نعم "يقول الشيخ: "فلا عدول لأهل السنة عما
جاءت به المرسلون": أهل السنة الفرقة الناجية
المنصورة، لا محيد لهم ولا عدول لهم عن طريق
الرسل، لا عدول لهم عن سبيل المرسلين.
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾14
وقال لنبيه -سبحانه وتعالى-:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾15
بعدما ذكر الأنبياء والمرسلين إجمالا وتفصيلا
قال:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾15
﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾15
فلا عدول لأهل السنة عما جاءت به المرسلون.
فالصحابة والتابعون ماضون على سبيل الرسول
-صلى الله عليه وسلم-
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾14
وسبيل الرسول هو سبيل المؤمنين
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾16 .
وما جاء به المرسلون في صفاته تعالى وغيرها
هو الصراط المستقيم. قال الشيخ: "فإنه الصراط
المستقيم": ما جاء به المرسلون هو الصراط
المستقيم، الصراط هو الطريق الذي يجمع
معانٍ، ليس كل طريق هو صراط.
الصراط هو الطريق المستقيم الموصل إلى
الغاية، الواسع، المسلوك، الواضح، هذه خمسة
معان لا يكون الطريق صراطا إلا أن تكون
متوفرة فيه.
هذا معنى ما ذكره ابن القيم في بيان خصائص
الصراط في كلامه على سورة الفاتحة في مدارج
السالكين، فالصراط هو الطريق الواضح البين
المستقيم، الموصل إلى الغاية، المسلوك.
وصراط الله مسلوك أم مهجور؟ مسلوك. من
سالكوه؟ المُنعَم عليهم. نعم، فإنه الصراط
المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾17
صراط ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾18 .
ما جاء به المرسلون هو الصراط المستقيم، ولا
عدول لأهل السنة والجماعة عن الصراط
المستقيم، فالصراط المستقيم هو صراط المُنعَم
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، وأهل السنة هم داخلون في هذا
الطريق، في المُنعَم عليهم على حسب مراتبهم
في العلم والدين والفضل.
1 : سورة الصافات (سورة رقم: 37)؛ آية رقم:180 - 182
2 : سورة الإخلاص (سورة رقم: 112)؛ آية رقم:1 - 4
3 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:255
4 : سورة يس (سورة رقم: 36)؛ آية رقم:1-3
5 : سورة النمل (سورة رقم: 27)؛ آية رقم:79
6 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:33
7 : سورة النمل (سورة رقم: 27)؛ آية رقم:14
8 : سورة الحاقة (سورة رقم: 69)؛ آية رقم:40
9 : سورة التكوير (سورة رقم: 81)؛ آية رقم:20
10 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:171
11 : مسلم : الإيمان (179) , وأحمد (4/405).
12 : سورة الصافات (سورة رقم: 37)؛ آية رقم:181
13 : سورة الصافات (سورة رقم: 37)؛ آية رقم:182
14 : سورة يوسف (سورة رقم: 12)؛ آية رقم:108
15 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:90
16 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:115
17 : سورة الفاتحة (سورة رقم: 1)؛ آية رقم:7
18 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:69
المفضلات