كـتّـــــــاب
على الإشارة
هذا المشهد يتكرر معي دوماً، حين اقف في الصباح على الاشارة الضوئية لا بد ان تقف سيدة بجانبي في سيارتها.. الغريب ان جميع السيدات اللواتي يقفن على الاشارات في الصباح يمارسن سلوكاً واحداً هو النظر في المرآة.. تفقد (الحومرة) والمكياج ثم مسك محرمة ورقية ومسح اطراف الفم.. من شظايا الحومرة التي تجاوزت الشفاه.
احيانا يتم تفقد الشعر، وفي بعض المرات لا بد من نظرة ثاقبة على (الكحل)...
حاولت ذات مرة ان ألمح سيدة تقرأ في الصحيفة او تقلب في قرص المذياع او مثلا تنظر الى ساعتها.. ولكنني لم اجد فجميعهن يقمن باستغلال الثواني المعدودة في الوقوف على الاشارة لتفقد الحومرة.
احيانا يأتي متسول او بائع علكة.. فتغلق الشباك .. ويبدأ بتوجيه ادعية غاية في الرقة.. ويبدأ في تأمل الوجه ولكن دون جدوى.
أمس كانت الساعة الثامنة، ووقفت بجانبي سيارة (هونداي) .. كانت السيدة مشغولة في (الغرة) يبدو انها تأخرت قليلاً لهذا لم تنعدل (الغرة) في الشكل المطلوب، فكان منها.. ان (نفشتها) لا اعرف الوصف الدقيق ولكنها كانت تقوم بتوزيع الشعر وفرده.. بعبارة أخرى : «قطعت حالها» او كما يقال بالعامية (نتفت شعرها) وانا اراقب المشهد.. وماذا سيحدث اذا وصلت عملها ولم تكن (الغرة زابطة)، هل هذا سيعني زيادة في التضخم او عجزا في ميزان المدفوعات او مثلا انحسار ارقام النمو؟.
صرت اعرف التفاصيل النسائية كلها فأنا عيوني لا تخذلني على الاشارات الضوئية ابدا.. صرت اعرف ان هناك قلما لا يستعمل للكتابة وانما لصنع خط حول الشفاه.. صرت اعرف (لطّ البودرة) الخفيف على الوجه خوفا من تساقطه على الملابس..
وصرت اعرف مسح أطراف الشفاه .. بالمحارم الورقية.
ادعو امانة عمان لوضع مرايا خاصة على الاشارات.. يبدو ان مرايا السيارات لم تعد تكفي للتبرج في الصباح.
انا ايضا صرت اراقب وجهي على مرايا السيارة.. واكتشف شيبات نبتت على غفلة في الشوارب ووجه تلوّع بالتجاعيد.. لم اعد ذاك الشاب الفتي العنيد.
ولكن الفارق انني لا ألمح مثلهن بقايا حومرة او تناثر غير منضبط في شعر (الغرة) بل ألمح الاردن. لم يغادر وجهي هذا الوطن ابدا.
عبدالهادي راجي المجالي
المفضلات