هدفان مستتران لـ الحوار
لعل أسوأ ما قد تكون الجلسة الاخيرة من جولات الحوار في قصر بعبدا تركته من انطباعات هو تنامي الحاجة الى وقف هذا الحوار اذا بات عنصر توتير مجانيا وسط واقع معروف اصلا انه لن يؤدي الى اي نتيجة. ذلك انه في معزل عن المستويات الاستفزازية المتقدمة التي شهدتها هذه الجلسة بعينها، يمكن رسم خط بياني للحوار بطبعاته الثلاث المتعاقبة لا تخرجه عن كونه اطارا للمبارزات العقائدية والمبدئية دونما اي افق آخر. لا بل تصح آخر الجولات وحدها لتثبيت هذا الواقع الذي لا يعوزه الحوار ولا المزيد من المبارزات العقيمة ما دام البيان الوزاري للحكومة الحالية كان سباقا في تشريع التكيف المفتوح على لا نهاية للتعايش القسري بين منطقي الدولة والمقاومة.
فاذا كان من فائدة تستخلص من المباراة بالمبارزات والمطالعات فهي في العودة قليلا الى بعض المحطات المستنسخة تماما عن بعضها البعض في سائر جولات الحوار.
في الجولة التأسيسية الأم لهذا الحوار عام 2006 قطفت المطالعة الشفهية للامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سباق النجومية لايراده فيها كل الادبيات التي يستند اليها الحزب في حتمية بقاء المقاومة وسلاحها الى جانب الدولة.
وفي الجولة الثانية عام 2009 التي انتقلت الى الموقع الرئاسي في بعبدا قطف كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من موقعيهما المتناقضين هذه النجومية، الاول لكونه نادى بتعميم المقاومة الشعبية، والثاني لكونه نادى بحصر السلاح الدفاعي بالدولة وحدها من دون اي شريك. في الجولة الاخيرة، مع طلائع استعادة هذا الحوار، نيطت النجومية بمطالعة الرئيس نبيه بري التي استندت الى المطامع التاريخية لاسرائيل بالارض والمياه لتصل الى الخاتمة التي تأتلف حولها قوى 8 آذار ومن يحالفها حديثا ولا سيما منهم النائب وليد جنبلاط، وهي تثبيت التكيف بين الدولة والمقاومة وسحب موضوع سلاح «حزب الله» من التداول.
في خلاصة مبسطة بديهية لهذا الخط البياني، يبدو البيان الوزاري للحكومة اكثر من كاف للتحجير على خلاف بنيوي جوهري في لبنان لا إمكان لحله سوى بهذه الصيغة الانشائية وكفى.
غير ان المضي في الحوار وسط هذا العقم التساجلي بات ينطوي على امر ادهى وهو توسل الحوار ذاته لفرض ادبيات سياسية جانحة بقوة الى منطق غلبة ميزان القوى. تفترض قوى 8 آذار ومن يحالفها هنا على نحو واضح غير مستور ان هذا الميزان اختل جذريا لمصلحتها بما يمكنها من ذلك الشيء الذي اثار غضب خصومها والشريك السلطوي معها، اي ما سمي فرض ممنوعات تعبيرية هي اقرب الى تلك التي كانت سائدة ايام الوصاية على غرار منع المطالبة بالانسحاب السوري. والواقع انه تطور يشي بخطورة بالغة في التقهقر السياسي مع ان هناك استحالة فعلية في منع اي شيء في لبنان لان اقل المحاذير لفرض منطق شمولي هي التأسيس لانفجار حتمي، لا بل ان الغيارى الى هذه الدرجة على «حزب الله» وسلاحه يمعنون في الاساءة اليه حين يحاولون سلوك نهج التعميم او «احتقار» الرأي الآخر وتقليل حجمه او حتى تخوينه لمجرد ان الامر يطرح حيث يجب ان يطرح مبدئيا اي على طاولة الحوار.
لذا يتعين تغيير التقويم السائد لهذا الحوار تغييرا جذريا، فهو بات في ذاته هدفا سياسيا مضمرا لتحقيق واحدة من غايتين مستترتين: اما تقويضه بالتوتير السياسي الخطر، واما الاندفاع الى تحويله منصة لقلب ميزان القوى.
نبيل بومنصف
النهار اللبنانية
المفضلات