تجارب واقعية لزواجي المسيار والعرفي في الأردن 1/2
تجارب مريرة ومحاولات التفاف على القانون والشرع.. و "الحقيقة الدولية" تفتح الملف..
تجارب واقعية لزواجي المسيار والعرفي في الأردن 1/2
■ الشيخ عمر: التوثيق مطلوب لضمان الحقوق بعد فساد الأخلاق وخراب الذمم
■ مفتي العاصمة: لا نفتي بصحة أي عقد نكاح يتم خارج المحاكم الشرعية
■ اختلاف فقهي بين مؤسسة الفتوى "الرسمية" و "الشعبية" حول شكل عقد النكاح
الحقيقة الدولية ـ عمان ـ مروان شحادة
برزت في السنوات الأخيرة مسميات جديدة لأشكال الزواج في المجتمعات العربية والإسلامية، لم تشهدها تلك المجتمعات في الفترات الماضية لأسباب عديدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ انتشار ظاهرة تعدد الزوجات بكل سهولة ويسر، بمعنى أن فكرة تعدد الزوجات لدى الرجال والنساء على حد سواء كانت متداولة ومقبولة، ومن الممكن أن تقبل الفتاة بالزواج من رجل لديه زوجة أو اثنتان أو ثلاثة، ناهيك عن توافر تلك المجتمعات على الجواري – الإماء- والتي أعطت الحق لمن يمتلكها في معاملتها معاملة الزوجة طالما هي ملكه.
وسوف نتناول في الحلقة الأولى من هذا التحقيق مسألة هامة بدأت تورق مجتمعنا الأردني، وتنامت خلال السنوات القليلة الماضية بشكل مطرد، وهي مسألة الزواج الثاني خارج الأطر الشرعية والقانونية، ونقصد بذلك الزواج العرفي، وزواج المسيار، وغيره من المسميات الأخرى، من خلال المحاور التالية: شروط وأركان عقد الزواج الشرعي – الصحيح- وشبهات العقد الباطل، وتباين آراء المؤسسة الرسمية والشعبية للفتوى في شروط الزواج، وفتوى الإمام أبي حنيفة النعمان حول مفهوم "الولي" من حيث أنه شرط أو ركن لصحة عقد الزواج، والفرق بين الزواج "العرفي" و "المسيار" والزواج العرفي بلا توثيق.
لكي يتمكن الفرد من الحكم على عقد الزواج من حيث صحته أو بطلانه، نود أن نبين الشروط والأركان الشرعية التي يجب توفرها في عقد الزواج الصحيح، والتي أجمع عليها العلماء والفقهاء القدامى والمعاصرون، وبياننا يأتي في سياق درء المفاسد وجلب المصالح، والابتعاد عن الشبهات، وكذلك حتى لا نتهم بأننا نشجع على ممارسة اجتماعية منحرفة، كالزواج العرفي، والاستفادة من التجارب الخاطئة التي تنعكس سلباً على المرأة والرجل والأسرة والمجتمع، ويقع ضحيتها ضعاف النفوس.
وفي الوقت الذي وصلت فيه أعداد المتزوجين عرفياً في بعض البلدان العربية إلى نصف مليون شخص سنوياً، إلا أنه لا يمكن إحصاء الأرقام المتعلقة بحالات زواج المسيار أو العرفي في الأردن لتكتم وتحفظ الأطراف المتورطة بهذا النوع من الزيجات عن نشر تجاربهم.
وللوقوف على كافة الجوانب المتعلقة بهذه الظاهرة، سوف نعرض وجهات نظر مختلفة، من حيث بيان الحكم الشرعي والقانوني، وبعض القصص الواقعية لتجارب من قام بالزواج العرفي والمسيار من جهة، ومن جهة ثانية تفسير علم الاجتماع لانتشار وتنامي هذه الظاهرة.
شروط وأركان الزواج الشرعي الواجب توفرها في العقد الصحيح
قال عضو الهيئة الشرعية لمجموعة "الحقيقة الدولية الإعلامية" الشيخ عبد الفتاح عمر: بيّن العلماء الأركان الواجب توفرها في عقد الزواج الإسلامي الصحيح، وهي: الإيجاب والقبول بين الرجل وولي المرأة، وشاهدي عدل، ولا يعتبر المهر ركناً شرعياً لصحة العقد وإنما واجباً، ولا يجوز النص على أن الزواج مؤقت، فهذا يصبح زواجاً بشرط حرام، لأنه يصبح زواج متعة.
ويعتبر الشيخ عمر، مسألة توثيق العقد من الأمور الواجبة لغيرها، حفظاً للحقوق.
وبين الشيخ عمر أنه في بعض حالات الزواج التي لا يتم فيها توثيق العقد، وتتحقق فيها الشروط الشرعية، وبخاصة موافقة ولي الأمر فيعتبر عقد الزواج صحيحا، وفيه إثم ومخالفة لقانون الأحوال الشخصية.
وأوضح الشيخ عمر، أن الشاهدين وحدهما لا يكفيان، ويشترط الإشهار بين الناس، وهذا هو مذهب المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ولن نخوض في الاجتهادات الفقهية المتعلقة بكل ركن من أركان الزواج الإسلامي الصحيح، لأن هذا المجال يفتح علينا آراء فقهية تفصيلية متعددة في كل مسألة، ولكننا ندعو الشباب المقدمين على فكرة الارتباط بامرأة أخرى إلى تذكر أركان وشروط عقد الزواج الصحيح، وبأن ما يقدم عليه بعض الشباب وبخاصة من طلبة الجامعات بتزويج أنفسهم دون تحقق الشروط الشرعية يصب في باب الزنا المحرم، ويكون عقد زواجهما باطلاً وغير صحيح.
وفي هذا الصدد قال مفتي العاصمة، الشيخ الدكتور محمد أحمد الخلايلة، رداً على سؤال حول الحكم الشرعي للزواج العرفي، فأجاب مشكوراً مأجوراً بما يلي: أي عقد بولي وشاهدين وموثق بالمحكمة الشرعية فهو لدينا عقد صحيح، ولا نفتي بصحة أو جواز أي عقد يتم خارج المحاكم الشرعية الأردنية.
وأضاف الخلايلة بأن هناك محاذير ومفاسد كثيرة تتعلق بالزواج العرفي، ومن ذلك: ترك الزوجة دون أي التزام، معنوي أو مادي، وعدم الاعتراف بالنسب في حالات كثيرة، وترك الأبناء المتولدين بلا وثائق رسمية كشهادة الميلاد والهوية، ناهيك عن تنامي أعداد اللقطاء، وغير ذلك من المفاسد.
تأويل فتوى أبي حنيفة النعمان وراء الفهم الخاطئ لمسألة شرط توفر "الولي" في الزواج
من الملاحظ أن جميع من يقدمون على الزواج العرفي أو المسيار يؤولون فتاوى واجتهادات الإمام أبي حنيفة النعمان في مسألة عدم اشتراطه لوجود ولي الأمر لإتمام عقد النكاح، وفي الوقت ذاته يتناسون ما ورد في الحديث النبوي الشريف، الذي رواه أبو داود ( 2083) وغيره بإسناد حسن، من حديث السيدة عائشة رضيّ الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل – ثلاث مرات- فإن دخل بها، فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له"، وهذا الحديث هو جوهر الخلاف في هذه المسألة – الولي من أركان عقد الزواج - بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
ويعتبر الأحناف أن مسألة الولي شرط وليس ركنا لإتمام عقد النكاح الصحيح، وهم يفرقون بين الركن والشرط، لأن عقد الزواج دون الأركان يعتبر باطلاً، أما إذا فقد أحد شروطه كالولي فهو عقد صحيح، مع اكتساب الإثم، وهذا – لديهم – لا يفسد العقد ولا يبطله.
الفرق بين الزواج "العرفي" و "المسيار"
ويفرق أهل الاختصاص من علماء الاجتماع وطلبة العلم الشرعي بين الزواج الذي يسمى "العرفي" وبين ما يعرف بزواج "المسيار".
فالزواج العرفي، عرفته مجلة البحوث الفقهية المعاصرة باعتباره علما على الزواج فقالت: "هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوباً أو غير مكتوب."
مما سبق يتضح أن تسمية هذا الزواج بالزواج العرفي، يدل على أن هذا العقد اكتسب مسماه من كونه عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة.
أما زواج المسيار، فيعرفه الشيخ عرفان بن سليم الدمشقي، بما يلي: المسيار، كلمة عربية تعود إلى لهجة أهل البوادي، والمراد بها: التسيير عليها، بما يعني؛ السير إلى المرأة من ناحية، وإدخال السرور عليها من ناحية أخرى.
وزواج المسيار، بتم بعقد شرعي، ومهر متفق عليه بين الزوجين، لكنه يعفى من شيئين أساسيين، لا تقوم دعائم البيت إلا بهما، وهما إعفاء الرجل من حق النفقة على الزوجة، وإعفاؤه من حقها في مبيته عندها أيضاً، وهذا التنازل يتم بالتراضي بين الزوجين عند العقد، حيث أن الزوجة تسقط حقها في النفقة والمبيت عندها، بكل إرادتها وإقرارها ورضاها بذلك، ويحق لها العودة عن ذلك إذا أرادت وبرضا الزوج، وبخاصة أن المبيت والنفقة من حقوق الزوجة على الزوج.
وقد عُرف زواج المسيار قديماً، حيث أن الرجل هو الذي يذهب إلى بيت الزوجة، وليس العكس، وربما كانت عند الزوج زوجة أخرى يقوم بالنفقة عليها والمبيت عندها.
ويرى بعض المراقبين، أن الغاية الرئيسية من زواج المسيار على الرغم من عدم تحقيقه كافة أهداف الزواج- كالاطمئنان والسكينة والكفاءة - هي العفة والإحصان لتجنب الوقوع في الحرام، وللأنس الحاصل بين الزوجين، حيث أن كلا منهما يبحث عن نصفه الآخر، ليتم لهما بذلك السكون النفسي والقلبي والجسدي.
الزواج العرفي بدون وثيقة رسمية
وأوضحت المحامية فريزة قموم المتخصصة في القضايا الشرعية أن ما يشترطه قانون الأحوال الشخصية الأردني لصحة عقد الزواج، هو حضور شاهدين اثنين مسلمين رجلين أو رجل وامرأتين إذا كان الزوجان مسلمين عاقلين بالغين، وأن يسمع الشهود الإيجاب والقبول. وقد نصت المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية على وجوب مراجعة الخاطب للقاضي أو نائبه لإجراء العقد، ويتم إجراء عقد الزواج من قبل مأذون شرعي بموجب وثيقة رسمية، وللقاضي بحكم وظيفته في حالات استثنائية أن يتولى إجراء العقد بإذن من قاضي القضاة.
وأضافت قموم، بأن بعض مواد القانون نصت على أنه إذا جرى عقد الزواج بدون وثيقة رسمية فيعاقب كل من العاقد والزوجين والشهود المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني، والذي ينص في المادة 279 منه على أنه: "يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من أجرى مراسيم زواج أو كان طرفا في إجراء تلك المراسيم بصورة لا تتفق مع قانون الأحوال الشخصية أو أي قانون آخر أو شريعة ينطبق أو تنطبق على الزوج أو الزوجة مع علمه بذلك" وحدد القانون غرامة مقدارها 100 دينار أردني (قرابة 150 دولارا أمريكيا) على كل واحد منهم.
ومن الجدير بالذكر أن العقوبات السابقة تنطبق أيضاً على المحامي الذي يساهم في عمل عقد الزواج العرفي باعتباره من الأطراف التي نص عليها القانون سابق الذكر، وكل مأذون لا يسجل العقد في الوثيقة الرسمية بعد استيفاء الرسم يعاقب بالعقوبتين المذكورتين ويعزل من وظيفته، وقد نظمت أعمال المأذون الشرعي بموجب تعليمات صادرة عن قاضي القضاة، بحسب ما أفادت به المحامية قموم.
لم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني بالنسبة لهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عرفاً عُرف بالشرع وأقرهم عليه ولم يرده في أي وقت من الأوقات، وإن كان التوثيق مهما جدا في هذه الأيام لضمان الحقوق، ولما شاع بين الناس من فساد الأخلاق وخراب الذمم.
في الحلقة القادمة – الثانية - سوف نتابع تناول مسألة الزواج العرفي والمسيار، من خلال عرض تجارب واقعية لرجال ونساء مارسوا هذا النوع من الزواج، وهي بمثابة شهادات حية لتجاربهم، بينوا فيها الجوانب الإيجابية والسلبية من هذا النوع من الزواج، وأطلقوا عليه مسميات مختلفة، حيث أطلقت السيدة م. ع عليه اسم "زواج الأجر".
المصدر : الحقيقة الدولية ـ عمان ـ مروان شحادة
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة
المفضلات