الأردن... كبار رجال الدولية ضحايا لثقافة النميمة والكلام المنقول... نخب متخصصة في اصطياد الهفوات وتحريف الكلمات
احتاج الامر من عضو البرلمان الاردني البارز خليل عطية عدة اشهر واسابيع حتى ينجح في توضيح حقيقة عبارة قالها في احدى الجلسات ونقلت على لسانه في اطار النميمة النخبوية لمستويات القرار بشكل غير صحيح وتنقصه الدقة وينطوي على بعض الاغراض.
ودفع رئيس الوزراء السابق عبد الكريم الكباريتي عضويته في مجلس الاعيان ثمنا لعبارة استفسارية وردت على لسانه في اجتماع فني لاقرار الموازنة المالية للدولة بعدما تم تضخيم العبارة وتهويلها من قبل خصومه السياسيين وحتى من غير خصومه في مجتمع النخبة الذي يخصص مساحة كبيرة من الوقت لاصطياد الهفوات والزلات، واحيانا لاضافة بهارات لفظية على كلمة تقال هنا او موقف يطرح هناك.
ورغم البحث المحموم في اوساط السياسيين والاعلاميين عن اجابة للسؤال المطروح بعنوان السبب الرئيسي والمنطقي لرحيل الدكتور باسم عوض الله عن مشهد القرار الا ان الاجابات الوحيدة المتاحة في السوق تتحدث عن عبارة مفترضة قالها الرجل في اجتماع مع سفراء السوق الاوروبية المشتركة وعن معطيات لها علاقة بلقاء جمعه بصائب عريقات.
وآليات الرصد الموتور في اوساط النميمة سياسيا واعلاميا تدفع باتجاه مواقف مخجلة او مشاهد طريفة او غرائب يتداولها السياسيون يوميا بين بعضهم البعض، فرئيس بلدية العاصمة عمان عمر المعاني مثلا غضب بشدة من رئيس سابق للوزراء بعدما التقط عبارة مفترضة على لسان الرجل تتعرض لملاحظة فنية في اداء البلدية فيما نقلت العبارة للمعاني على اساس انها تتحدث عنه وعن عائلته.
موقف اطرف تعرض له الرئيس السابق للوزارة علي ابو الراغب فقد اعتبر الرجل متجاوزا للخطوط الحمراء بعد نقل جملة اعتراضية يفترض انها وردت على لسانه في لقاء جمعه بنخبة من السياسيين ورجال الاعمال، وطوال اشهر كان ابو الراغب يشعر بجفاء غير معتاد في اقنية بعض المسؤولين تجاهه وتبين بعد التحقيق والمعاتبة والمحاسبة بأن السياسي الذي نقل العبارة على لسان ابو الراغب لم يكتف باختراعها بل كانت اصلا عبارته هو وفي نفس اللقاء، وقرر لسبب او لآخر ربطها بلسان ابو الراغب الذي دفع بطبيعة الحال ثمنا ما لهذه العبارة المنقولة.
مواقف شبه يومية من هذا النوع تحصل ويزداد نموها في اطار احتدام التجاذب بين مراكز القوى واوساط الصالونات السياسية لكن الاهم ان هذا النمط من ثقافة النميمة والنقل غير الصحي خصوصا للملاحظات والمعلومات النقدية اصبح يعكس رواجا لثقافة الاستماع والاذن الملتقطة وثقافة (الحكي) على حد تعبير الكاتب الساخر يوسف الغشيان.
وهذه الثقافة موجودة بكل الاحوال في كل المجتمعات لكنها تسبب في اوساط النخبة الاردنية نتائج حساسة واحيانا حرجة الى حد كبير فهي تصنع وتغذي وتديم الصراع، والغريب انها تنجح احيانا في حرمان البلاد من اراء مهمة ومنتجة ويمكن ان تكون انقاذية في بعض المفاصل كما تنجح في ترويج ثقافة الخوف من المصارحة والمكاشفة والمحاورة الوطنية وهي المسائل التي يدعو لها القصر الملكي يوميا وهو يحرض الجميع على قول رايهم وبصراحة في القضايا الوطنية.
الاغرب ان بعض المواقف الرسمية تتخذ من الافراد وبعض النخب جراء هذا النمط من الكلام المنقول والعبارات المروية مما قلص من هوامش المصارحة بالنتيجة وعزز من انماط الهمس وتبادل الهمسات والاشارات والغمزات واحيانا اساليب الصم والبكم في الاتصال والتواصل والايحاء.
وهذه نتائج يجمع الفرقاء على انها لا تعكس قيمة التسامح الحقيقية كحقيقة من حقائق الحالة الاردنية في كل الاتجاهات خلافا لانها لا ترقى لمستوى الخطاب الملكي والوطني الاردني، ولا تعكس وهذا الاهم وقائع الاتصال والتواصل في ادق مؤسسات القرار الاردنية مع انها تكرس في الاساس معادلة خارج سياق الدولة الحديثة وتظهر ضيق الافق والسعي المحموم دوما للنميمة ولدق الاسافين التي يعرفها الجسم الصحافي جيدا.
ومن الواضح ان الخوف من قراءة مغلوطة او غير دقيقة لموقف او رأي في الحياة العامة يتضاعف بسبب تعاظم نفوذ طبقة موجودة في كل المواقع من الوسطاء والمتبرعين بايصال الرسائل الخاطئة ومن مدعي الوطنية والمزاودين على الجميع في مساحتي الولاء والانتماء.
ومن الواضح ايضا ان الخوف من تداعيات هذه النميمة ونتائجها وانعكاسات قراءاتها المغلوطة اصبح حاجزا يعوق الانتاج في مسار الراي السياسي رغم وجود عدد عملاق من السياسيين واصحاب الراي في مجتمع مفتوح يحكمه نظام متسامح ومعتدل، وهذا الخوف قلص تماما بوضوح من هوامش المبادرة والمناورة والراي الصحيح واحيانا الابداع ودفع الغالبية لتبادل ملاحظات الصمت والسكوت حتى ان شخصا من طراز رئيس الوزراء السابق طاهر المصري يؤكد لمجالسيه بانه يفضل عدم التحدث في الاجتماعات العامة وحتى الخاصة على ان يتحدث مباشرة للمرجعيات عندما يشعر بالحاجة لذلك.
المصدر : الحقيقة الدولية – القدس اللندنية 3.2.2009
المفضلات