عمون - د.عمر الحضرمي - منذ تشكيل حكومة رشيد طليع وحتى حكومة سمير الرفاعي الحفيد, والأردنيون يقيمون, مع كل وزارة, سرادقات للتوقعات والتصورات والتطلعات والتمنيات. وتتفتق الأذهان عن سيل من التحليلات ترمي كلها عن قوس واحدة. فلم ندر أحداً قال لنا في أية مناسبة أو ندوة أو مؤتمر ماذا ينتظر من الحكومة الجديدة.الجميع يتكأ على كتاب التكليف السامي ويبدأ يقلبه يَمْنة ويَسْره,ويعيد العبارات التي وردت فيه, حتى دون أن يكلف نفسه عناء قراءة مستنيرة له, فيقول لنا مثلاً ماذا بقي لنا وماذا يجب علينا.
ثم أليس من رجل حصيف يعيد على مسامعنا, بعد رحيل أيّة حكومة من الحكومات, قراءة كتاب التكليف الذي وجّه اليها, ثم يقول لنا ماذا أُنجز منه وماذا لم ينجز. ويحدد لنا التحديات والمعوقات التي حالت دون تحقيق ذاك البند أو تلك الفكرة أو هذا الأمر أو ذلك التوجيه.
كلنا نقف عند حدود القدوم, ولا يثير انتباهنا أن قدوم حكومة جديدة هو بالضبط لحظة انتهاء ولاية سابقتها. وأن هذه الجديدة ستكون هي " السابقة" بعد فترة من الزمن.
الحكومات الأردنية, هي السلطة التنفيذية, بالنص الدستوري, وهي مناطة بالملك, يتولاها بواسطة وزرائه.إذن فالمهمة ليست بالسهلة .وهنا نكرر استغرابنا مما أصابنا, وأنا أرى الآن الناس يتوافدون على رئيس الوزراء أو على الوزراء أو على من تولى منصباً ويبدأون بطبع أنواع شتّى من القبل على وجناتهم " مباركين" لهم بالمنصب الجديد. لقد كان الأجدر بهؤلاء أن يقولوا لهم, ومن بعيد, أعانكم الله على حمل المسؤولية لأنها أمانة ضخمة.
أما رسائل الرد على كتب التكليف السامية فإنها غالباً ما تأتي أيضاًعلى سياق واحد., كلها أو جلّها لا يتعدى الصدوع بما ورد, وثم تأليف اللجان وبعدها لا نعود نسمع ولا نرى.
فقط نريد من الحكومة, أيّة حكومة, أن تأخد كتاب التكليف السامي ليس نهجاً في العمل فقط, وإنما دلالات ومؤشرات على قضايا أكثر تفصيلاً. وأن تضع بين يدي جلالة الملك تصورات حقيقية واقعية لما يمكنها عمله؛ وما لا تقدر على انجازه, وأن تشرح له لماذا؟
فقط, نريد من الحكومة, أيّة حكومة, أن تبين وتفصّل في كتاب استقالتها, الذي ترفعه إلى جلالة الملك , ما عجزت عنه وكانت قد وردت الإشارة إليه في كتاب التكليف. وان تشرح لنا لماذا كان ذلك العجز, حتى نقنع بأنها حاولت. ولكن ان تُرحِّل كل حكومة مستقيلة قضاياها وقصورها إلى الحكومة القادمة, بل وأحياناً تخلق لها قضايا وازمات ما يحتاج حله إلى جهد جهيد.
فقط, نريد من الحكومة أيّة حكومة أن تقول لنا ما المقصود وما السر, وهي في مرحلة التشكيل, بهذا التباهي والتفاخر بأن المشاورات تتم بكل سرية وكتمان,وكأن الأمر فيه من الخطوب والحوائج ما نستعين على قضائها بالكتمان. في أمريكا يرشحون أسماء ما يعادل مرتبة الوزير, ويعلنها الرئيس ثم يُعرض الشخص على الكونغرس الذي يبيت ويصحو على مناقشته ومعرفة ما هو. ونحن نترك الأمور الجادّة ونتعلق باشياء لا أهمية لها. وإلا فما الضير وما الضرر إنْ عُلم أن رئيس الحكومة المكلف قد قابل فلان أو فلان. أليس هذا المرشح هو الأولى بأن يكتم واقعة الاتصال به, حتى إن لم يتم اختياره فلا يقع في الحرج.
فقط, نريد من الحكومة أية حكومة, أن تناقش احتياجات الناس التفصيلية, وأن تنقذنا من سماسرة الخدمات وأفّاقي القرارات. فأنا كمواطن بسيط لا يهمني أن تبرز الحكومة, أيّة حكومة, اندفاعها عند التشكيل نحو المؤسسات القائمة لتقرأ أخبارها, ولكني أريد والكل يريد من الحكومة أيّة حكومة, أن تقول لهذه المؤسسات إنك مسؤولة عن المواطن الذي تعثرت حياته وأصبح يدفع حوالي 16% ضريبة مبيعات على شطيرة الفلافل.أريد من الحكومة, أيّة حكومة,أن تقول لي ماذا آكل إن كان الفلافل خاضعاً لضريبة المبيعات؟وبالتالي أن تقول لهذه المؤسسات إنْ الجزاء ملاقيك غن قصّرت.
فقط, نريد من الحكومة أية حكومة, أن تمنع المحسوبية وأن تكون جادّة بذلك, وأن تمنع استخدام الهاتف النقال عند قيادة السيارة, وأن تمنع السيارة, التي تنفث سمومها خلقها من, السير على شوارعنا, وأن يسكن وزير الصحة في أحد المستشفيات الحكومية ليراقب, وأن يجد لنا وزير البيئة بقعة من الأرض أو سيلاً من الماء لا تلوث فيهما وبأعلى نسب التلوث.
فقط, نريد من الحكومة أية حكومة, أن تقول لنا ما هو معنى وثيقة الاقرار التي سعت وتسعى دائماًإلى توقيعها, وما هي درجة الالزام فيها, ولو وقّع عليها الوزير أو المدير؟ ولماذا لا يكون هذا الميثاق لكل موظف عام .بالأساس ما حاجتنا اليه, إن نحن أحْسنا اختيار الموظف العام؟ وان قلنا له إن من خان وظيفته فسيلقى العقاب العادل. فدعونا نفعّل المساءلة والشفافية والمراقبة, وأن نعظّم الجزاء سلباً أو ايجاباً, وأن نكون جدّين في المحاسبة حتى ينال كل مخالف العقوبة الرادعة. في أثينا كان القاضي الخائن لوظيفته يُقتل ويسلخ جلده ويصنع منه غطاءً لكرسي الذي يجلس عليه القاضي الثاني.
إن الحكومة التي نريد هي تلك التي تكون حكومة للناس كلهم, ترعى مصالحهم وتدير شؤونهم بكل مساواه ونزاهة, وان تكون على قدر مسؤولية المحافظة على القسم الذي جاء فيه " تأدية المهام الموكولة إلي بكل أمانة" .
إن ما نريده من الحكومة أو أيّة حكومة, أن تقول لنا ما مصير اؤلئك المسؤولين الذين ثبت تورطهم في جرائم الاختلاس والإهمال, وما مصير 140 قضية فساد حوّلت إلى المحاكم.
إن ما نريده من الحكومة أيّة حكومة, أن تفي بالقسم الذي أدته أمام الله وأمام جلالة الملك وأمام الموطنين.
المفضلات