احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الحياة على الهامش

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586670

    الحياة على الهامش

    ملحق الثقافة




    الحياة على الهامش




    كالعادة، وجد نفسه صبيا صغيرا مع عربته يقطع بها الطرقات التي اعتادها في أيامه السابقة.
    امتدت قدمه لتبدأ الخطوة الأولى في صفحة يومٍ مغبرٍ كبقية الأيام، التعب نفسه والعناء نفسه الذي اتخذه عليه الزمان عهداً، أنفاسٌ حفرت طريقها على الإسفلت بأظافرها دون القدرة على إيجاد الراحة, أو أنه الخوف من العثور على الراحة.
    خطوط حياته التقت لترسم دائرة لا أمل فيها بالتوقف ولا أمل إلاّ بالبقاء في دوامة مفرغة تحوم على أطراف العالم لا داخله، كما الكتاب، تتقلب صفحاته تلو الأخرى, تتقلب الأيام وتتشابه عنده، فما عليه إلاّ أن يعيد قراءة صفحة كلّ يوم كسابقه.
    يسير ونداؤه يكاد لا يفارق أيّ خطوة يخطوها بكلمات تحاول جذب الآخرين إليه. أوقف العربة عند الرصيف المعتاد, وبصوت أشبه بأنغام مزمارٍ غضٍّ طغت عليه محاولات التثخين، شرع يصدح بأسفار عمله, جاذباً انتباه الناس إلى ما يحويه صندوق المفاجآت، لعلّ بداية الرزق تأتي كما كل يوم.
    انتظر الناس حتى يأتوا لشراء أي شيء من بضاعته المتنوعة من الألعاب البسيطة وأغراض الزينة، أكياس التسالي وأقراص الكعك. الناس يعبرون الطريق جيئة وذهاباً، آخرون على الرصيف ينتظرون الحافلة، أمعن النظر في هذا وذاك حتى وقع بصره على رجل يقف على الجانب الآخر من الشارع, أملَ أن يقترب ويشتري منه شيئا, لكن الرجل لم يُعِرهُ انتباها، جاءت الحافلة، صعد إليها مع المنتظرين. لم يكن غريباً ما حدث, رغم اعتياد ذاك الرجل مجاملة الصبي بأخذ كيسٍ من التسالي كلّ صباح, لكنه كالآخرين الذين لا يستطيع إلزام أحدهم بالشراء: "لا يهم، لم يشترِ هو, غيره سيفعل"، هكذا ظن, ليس بمقدوره أن يظن أو أن يؤمن بغير ذلك.
    مرت ساعة، لم يقترب منه أحد، استمرت حركة الناس, السيارات تكثر وتزدحم.
    تمرّ سيارةٌ مألوفة, للحظة ارتسمت على شفتيه ابتسامة بسيطة: "الآن ستشتري صاحبة السيارة كعكتين لولديها"، اقتربت السيارة أكثر فأكثر وتابعت طريقها دون أن يحدث شيء.
    سار الصبي يقود العربة إلى مكان آخر، شعر بتعبٍ شديد، لم يكن المسير ما أتعبه ولا حرارة الشمس التي لم تصله أبداً رغم توسطها كبد السماء, إنما عدم إقبال أحد لشراء الكعك، الآن ساوره شعورٌ غريب على غير العادة لم يفهم معناه, إلاّ أنه لم يسمح لليأس أن ينل منه, استمرّ بالنداء والسير بين الطرقات وبين الناس, الوقت يمر والوضع على حاله، لم يشترِ الرجل ولا المرأة ولم يفعل غيرهما ذلك.
    تنقل من مكانٍ لآخر دون فائدة تُذكر، يا له من يوم أُغلقت فيه جميع الأبواب! قد انقطع رزقه في هذا اليوم، رغم ذلك كان عليه أن يفعل شيئا، أن يحاول أكثر, لأنه لا يستطيع العودة إلى بيت الأشباح خالي اليدين، ماذا ستفعل تلك الوحوش التي تنتظر قدوم غلةٍ لا تنقص قرشاً؟ بأي عذرٍ سيرجع إلى زوجة أبيه؟ ولا سبيل لإقناع رجل حملت أكتافه العصيَّ بدل اليدين؟: "هل امتنع الناس عن شراء أي شيء؟ أجب, أين كنت تتسكع طوال النهار؟ لا تكذب يا ابن الـ..... خذ..". لا، لا أستطيع العودة بلا نقود.
    حاول بث رمقٍ أخير في داخله بقليلٍ من العزم, لكن ذلك لم يفلح في جذب أحد لشراء حتى نصف كعكة, ذهبت جهوده سدى. لا جدوى. ليس بيده فعل أكثر مما فعل، أرهقه الوضع وأتعبه، فلم يعد قادراً على تحمل المزيد, ولم يقدر عقله الصغير أن يجد تفسيراً لكل ما حدث معه اليوم, منذ ساعات الصباح وهو يسير على قدميه من أجل دراهمَ قليلةٍ ككل يوم، لكن الأمور تعاكسه وتخبره بأن لا ضرورة لوجودك اليوم, فلم يجد أحداً يلتفت إليه بنظرةٍ تشعره بوجوده كبقية البشر، غمره شعورٌ بالغربة والوحدة في آنٍ واحد.
    في نهاية الأمر عندما تَنفَدُ من المحارب أسلحته فلا يكون أمامه سوى الاستسلام لقدره بقلبٍ منفطر وعينين دامعتين, دفع عربته عائداً نحو المنزل، خطوة تأخذه للأمام وأخرى تحاول ثنيه، جاشت عيناه لكن الدمع ظل عصيا.
    أثناء سيره رأى العديد من الناس ملتفين حول مشهدٍ واحد، بدت على وجوههم آثار الصدمة والرثاء واضحةً، اقترب يستوضح، أصوات الناس تنقل أصداءً لحادث سير رهيب، سيارةٌ دهست طفلاً وتركته ملقىً على الأرض إلى جانب عربته المحطمة، اقترب أكثر, فأصابه الذعر واعترته الصدمة، وقف مشدوهاً أمام ما رأى، هربت منه الكلمات وتقطعت أنفاسه، لم يعد قادراً على الحركة، أمامه صبيٌ صغير غارقٌ بدمه، ملقىً إلى جانب عربة محطمة، عرفها من قبل وعرف الصبي أيضا, تلك الملابس برائحتها التي تفارق أنفه، ليست غريبة عليه, ذاك الوجه الذي لم يتغير منذ آخر مرةٍ ألقى فيها نظرة إلى المرآة، كل ما رآه أكبر من أن يستطيع فهمه, لكنه أدرك ما حدث, لقد عرف أخيراً أيّ يومٍ ستشرق الشمس فيه دون أن تلسعه بحرارتها، وقف مسمراً ينظر إلى نفسه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، أحس بحرارة دموعٍ سالت من عينيه وتختلط بدمه، ابتعد الناس يحملون جسد صبي لم يعرف من الدنيا سوى شقائها.
    فجأة، استيقظ الصبي على صوت امرأة تطلب منه شراء الكعك، نظر إليها بعينين شاخصتين، مسح عينيه وناولها ما تريد، تبعها بنظراته حتى اختفت، التفت ليرى العديد من الناس مقبلين لشراء الكعك.

    رشيدة بدران



  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474974
    اشكرك على نشر الخبر

    كل الود

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586670

المواضيع المتشابهه

  1. كلام جميل عن الحجاب 2017 , خواطر عن الحجاب , توبيكات عن الحجاب
    بواسطة A D M I N في المنتدى منتدى الشعر والشعراء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-12-2016, 10:52 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-11-2016, 02:35 PM
  3. خطبة محفلية قصيرة عن الحجاب - مقدمة عن الحجاب - خاتمة عن الحجاب
    بواسطة A D M I N في المنتدى اذاعة مدرسية 2020/ 2021
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-10-2016, 06:04 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك