اللامنطق.. في «المنطق» الاميركي!!

**الاسطورة** · 27-05-2010, 03:08 PM

مقالات

اللامنطق.. في «المنطق» الاميركي!!

رئيسة الدبلوماسية الاميركية هيلاري كلينتون, قبيل وصولها الى سيؤول (قادمة من العاصمة الصينية) في زيارة تضامن مع كوريا الجنوبية, على خلفية الازمة الآخذة في التصاعد (بين الكوريتين) والمفتوحة على احتمالات عديدة, لا يستبعد منها الخيار العسكري, وصفت قرار بيونغ يانغ قطع «كل» علاقاتها مع شطرها الجنوبي, بأنه «قرار غير منطقي» فيما ذهب الناطق باسمها بعيداً في «التشنيع» على هذا القرار بالقول: «... لا يمكنني أن أتخيل خطوة أسوأ في المدى البعيد لمصلحة الشعب الكوري الشمالي من قطع العلاقات مع كوريا الجنوبية»..

ثمة ما هو واضح «جداً» في الموقف الاميركي المعلن, وهو الحرص حد «التفجع» على الشعب الكوري الشمالي الواقع تحت غباء وصرامة واستبداد نظامه الديكتاتوري, الذي لا يأبه لاحتياجاته عبر لجوئه الى إحداث قطيعة مع كوريا الجنوبية, التي تسهم في إطعام الكوريين الشماليين..

كان يمكن للمرء ان يتفهم مثل هذا المنطق الذي تفوح منه رائحة الغطرسة والهيمنة خصوصاً الوصاية, لو أنه ترافق مع دبلوماسية هادئة ومقاربة تتوسل حلولاً مقبولة لمنع تصعيد أزمة غرق البارجة «تشونان» التي قالت سيؤول ان طوربيداً كوريا شمالياً قد تورط في اغراقها بعد تحقيق شاركت فيه طواقم متعددة الجنسيات, توصلت فيه الى ادلة حسية بأن الصاروخ الذي اغرقها... صناعة شمالية.

وكان يمكن النظر الى واشنطن كساعية الى نزع فتيل الازمة وبخاصة ان سيؤول استخدمت لغة حذرة في التعاطي مع نتائج التحقيق وحاولت قدر الامكان حشد دعم سياسي ودبلوماسي دولي لحشر بيونغ يانغ في الزاوية وتحميلها مسؤولية هذا العمل غير المقبول الذي أودى بحياة 46 جندياً جنوبياً دون أي مبرر.

لكنها - واشنطن - اختارت ان تكون طرفاً «كعادتها» وبدأت حملة ضغوط وتحريض مستنكرة في الان نفسه ان يقوم نظام كوريا الشمالية بخطوات مضادة تصل نقطة اللاعودة في محاولة لعدم فرض عقوبات جديدة عليه، وربما قرع طبول الحرب بقصد فرملة الاندفاعة الاميركية التي ربما وجدت في حادث البارجة (تشونان) فرصة جديدة لها لتصفية الحساب مع بيونغ يانغ, بعد ان ادارت الاخيرة ظهرها لدعوات اوباما لاستئناف الحوار مع اللجنة السداسية (روسيا، الصين، اليابان، الولايات المتحدة والكوريتين).

لا أحد يدافع عن حادث عدواني كهذا وخصوصاً انه جاء بعد خطوات (ولو رمزية) من بناء الثقة عبر المنطقة الصناعية المشتركة ولجان الوحدة والوفود الثقافية والعلمية المتبادلة والمساعدات الغذائية التي قدمتها سيؤول لبيونغ يانغ، لكن إقدام الاخيرة على خطوات «صارمة» كإغلاق الحدود وطرد الجنوبيين من المجمع الصناعي المشترك, الذي يوظف اكثر من 42 ألف كوري شمالي اضافة الى ثمانية آلاف جنوبي من الخبراء والمديرين والعمال, يعني أنها ضاقت ذرعاً بمحاولات «الخنق» التي تمارسها واشنطن عليها, متذرعة تارة ببرنامجها النووي وطوراً بحادث السادس والعشرين من اذار الماضي, الذي اعاد الى الاذهان الحرب الكورية التي شكلت فصلاً مأساوياً في حياة الكوريين ووضعت الأسس «الميدانية» للحرب الباردة بين العملاقين..

الظروف الاقليمية والدولية تغيّرت على نحو عاصف, لكن يتوجب علينا تذكر أن «حال الحرب» ما تزال قائمة بين الكوريتين, وأن ما هو قائم منذ اكثر من نصف قرن ليس سوى حال وقف اطلاق النار..

فهل تندلع الحرب؟

واشنطن - كما سيئول - ليست معنية بمغامرة كهذه وخصوصاً ان ليس لدى نظام كوريا الشمالية ما يخسره, بعد أن احكمت عليه طوق العزلة وبدا ان بيجين حليفته الوحيدة مستعدة «للتعاون» مع الولايات المتحدة في مساعيها..

الصين - كما نحسب - لن تذهب بعيداً في ارضاء ادارة اوباما رغم الضغوط, وهي كما اشارت الانباء, اختارت التشدد في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الاميركي الصيني الذي انتهى للتو في بيجين, والذي يشكل جولة أفق سياسية واقتصادية بين الجانبين وخصوصاً في مسألة سعر عملتها (اليوان), مطالبة واشنطن بانهاء القيود على الصادرات في مجالات التكنولوجيا, ما يعني أن احتمال حدوث «صفقة» على حساب كوريا الشمالية غير وارد في المدى القريب على الاقل, لأن بيجين تعلم معنى وأهمية بقاء نظام بيونغ يانغ قائماً ك»ورقة مساومة» وثانياً ك «عازل», رغم انه يشكل عليها عبئاً سياسياً واقتصادياً..

محمد خرّوب