صحافة عربية وعالمية
نموذج كوسوفو لن ينجح
برشتينا، كوسوفو. غير كثيرين يرون في المدينة البلقانية هذه تجسد لحلم. برشتينا شقت طريقا طويلا منذ وصلت الى هنا في المرة السابقة، قبل عقد من الزمان عندما كانت الخرائب المتبقية من الحرب الوحشية لا يزال يصعد الدخان منها. اما اليوم، فان للمقاهي التي تعج بالناس في المدينة، للمطاعم والحدائق المنتشرة هنا وهناك، سحرا خاصا بها. «السحر» وان لم يكن الكلمة الاولى التي تأتي الى الذهن عند التفكير بهذه الدولة المعذبة، الا ان كوسوفو الاقليم الذي تحرر من الصرب، أصبح مثابة الهام في منطقة اخرى من العالم، الشرق الاوسط.
في أعقاب تجميد الاتصالات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، في الاشهر الاخيرة كان هناك من اقترح على السلطة الفلسطينية «نموذج كوسوفو» للاستقلال.
بدلا من المفاوضات التي ترمي الى معالجة تفاصيل حل الدولتين، ادعى بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين ان عليهم أن يعلنوا عن اقامة دولة مستقلة، وان يطالبوا باعتراف دولي بها. سطحيا، الفكرة تبدو مغرية. اما في الواقع فالفوارق القائمة بين الوضعيتين تلغي مفعول كوسوفو كنموذج جيد للفلسطينيين.
عمليا، السحر الذي يوجد في اختصار الطريق لاقامة دولة من شأنه بحد ذاته ان يمس بوجود اتصالات جدية.
يحتمل أن يكون حلم كوسوفو منذ الان يحرف عن المسار للحل المتفق عليه. عندما أعلنت كوسوفو عن استقلالها في 2008 اشار المسؤول الفلسطيني ياسر عبد ربه الى أن مسار عمل كوسوفو يعجبه. رئيس الوزراء الفلسطيني ابو مازن ألمح بوجود مخططات للاعلان عن الاستقلال في السنة القادمة، دون صلة بنجاح المحادثات مع اسرائيل والتي عادت الى الحياة في الايام الاخيرة.
الاعلان عن الاستقلال في خطاب ملتهب، الى جانب العاب نارية وبحر من الاعلام المرفوعة والاناشيد الوطنية، يبدو أكثر حماسة من الجلوس مع الجانب الاخر وبلورة حلول وسط في مواضيع معقدة. الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ردا فكرة الاعلان من طرف واحد، لاسباب وجيهة.
عندما أعلنت كوسوفو عن استقلالها عن الصرب، رفض الصرب رفضا باتا الانفصال عبر المفاوضات. عمليا، لا تزال الصرب تقول انها لن تقبل ابدا استقلال كوسوفو. خلافا لذلك، فان حكومات اسرائيل، الواحدة تلو الاخرى، ومعظم الشعب في اسرائيل قبلوا فكرة اقامة دولة فلسطينية.
لا ريب أن البحث في التفاصيل ليس موضوع سهلا. ولكن الحقيقة هي أن لاسرائيل تاريخا ثابتا من التنازلات الكبيرة من أجل السلام.
في معاهدة السلام مع مصر، مثلا، انسحبت اسرائيل من شبه جزيرة سيناء، وهي الارض الاقليمية الاكبر من كل الاراضي الاسرائيلية اليوم. وخلافا للفلسطينيين، فان الكوسوفويين وزعماءهم لم يعربوا ابدا عن أمنية أو نية لتدمير كل الصرب. وهم لم يشككوا ابدا بحق الصرب في الوجود، مثلما يفعل الفلسطينيون بالنسبة لاسرائيل.
عمليا، الدستور الجديد لكوسوفو يؤكد ان ليس للدولة الشابة أي نية في السيطرة على منطقة اخرى. اما في اوساط الفلسطينيين، بما في ذلك اليوم، فيوجد شرخ عميق بالنسبة لنواياهم. ميثاق حماس المتطرف، التي تسيطر في غزة، لا يزال يدعو الى ابادة اسرائيل. الفوارق بين الكوسوفويين الفلسطينيين عميقة لدرجة ان الكثيرين في كوسوفو يتماثلون مع الاسرائيليين أكثر مما يتماثلون مع الفلسطينيين.
السبيل الافضل لمستقبل سلام وازدهار للاسرائيليين والفلسطينيين هو حل من خلال مفاوضات يمكن للطرفين فيه ان يقبله ويتبناه.
لا يهم كم تبدو المقاهي الحديثة في برشتينا مغرية اليوم، فكل من يعتقد أن الشرق الاوسط يجب ان يسير في طريق البلقان الذي اختبر الحروب، فانه يختار طريقا لا يمكنه ان يؤدي الى سلام دائم.
فريدة غيتس
معاريف الاسرائيلية
المفضلات