د. زكريا الشيخ يكتب عن آفة "العنف المجتمعي" .. "جهيزة".. حمقاء العرب!!

الحقيقة الدولية - عمان
كتب الدكتور زكريا الشيخ رئيس مجلس إدارة مجموعة "الحقيقة الدولية" الإعلامية مقالا حول "آفة مؤرقة من آفات عصرنا المرير" وهي "العنف المجتمعي" يتطلب علاجها أن " تتوجه جهود الحكماء من رجالات عشائرنا الأبية، وقيادات مؤسساتنا الوطنية إلى الإجهاز "عليها" حتى نكون شوكة منيعة لمقاومة مخططات الصهاينة وتطاولاتهم المستمرة على أمتنا، من خلال رص الصفوف وتوجيه القدرات إلى ما ينفع الأمة".
واضاف الدكتور الشيخ في مقاله "تجد الرجل وقد تعبت عليه أسرته وأنفقت كل ما تملك من أجل تدريسه وإيصاله إلى مركز مرموق في مجتمعه، يفقد روحه في لحظات برصاصة ثأر، انتقاما لجريمة اقترفها أحد أبناء عشيرته تجاه رجل آخر من عشيرة أخرى، فلا المغدور "المثئور منه" يعرف من قتله ولماذا؟ وقد لا يكون يعرف أيضا إبن عشيرته الجاني!! وتدور بعدها حلقة مفرغة من القتل والثأر المتبادل!!
وزاد: نحتاج في هذه الظروف الى أن " يكون الحكماء أصحاب الخبرات ممن أفنوا حياتهم وهم يغترفون من خبرتها، مصدرا نستقي منهم الحكمة وتهدئة النفوس وإعداد الأجيال وتسليحهم بالفضيلة والتسامح والتآلف .. وإطفاء فتيل الفتن، بدلا من أن يكون البعض منهم مؤججون "ونباشون" لأحقاد مفتعلة قد دفنت، ومنا سماعون لهم، بل متلهفون، لإذكائها وإشعال فتيلها لغاية إثبات الموجودية ولو كان ذلك على حساب تدمير وطن بأكمله، بل أمته بأجمعها"
وفيما يلي نص مقال الدكتور الشيخ
قطعت "جهيزة" قول كل خطيب، ولمن لا يعرف "جهيزة" فهي امرأة عربية عاشت في العصور الغابرة، وعرفت بحماقتها الشديدة، وخلـّد اسمها وراحت مثلا تتناقله الأجيال إلى يومنا هذا.
وأصل المثل، أن قوماً اجتمعوا يخطبون في صلح بين عشيرتين من العرب، قتل أحدهما من الآخر قتيلاً، ويسألون أن يرضوا بالدية، فبينما هم في ذلك، وما إن أوشكوا على إصلاح ذات البين ودفن الثأر بينهما، إذ دخلت الحمقاء "جهيزة" ونقلت لهم الخبر الأليم وقالت: "لقد ظفر من القاتل من بعض أهل المقتول فقتلوه".. فقالوا عند ذلك: (قطعت جهيزة قول كل خطيب).. أي لا داعي للخطب..! فأصبح المثل سائراً بين العرب، يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه، بحماقة يأتي بها..!
حقا، وكما يقول المثل العربي: "مجنون يرمي حجر ببير، مية عاقل ما يطلعه"، وكما أن الشر يبدأ بشرارة تحرق الأخضر واليابس، تماما كما هو حال بعض مجتمعاتنا، التي تعيش جاهدة لـ "ترقيع" جوانب السيل العرمرم المتدفق بقوة لضمان انسياب جريانه ولتجنب إغراق من يجاوره، ولا أحد يعلم لماذا وكيف ومن أين جاء مصدر هذا الفيضان المجهول؟ وهو شبيه بسيول "القريات" في السعودية التي تتشكل نتاج الأمطار الغزيرة هناك فتفاجيء أهالي الأزرق في الأردن مع أنهم حينها يكونون ينعمون بيوم سماء صافية!!
تجد الرجل وقد تعبت عليه أسرته وأنفقت كل ما تملك من أجل تدريسه وإيصاله إلى مركز مرموق في مجتمعه، يفقد روحه في لحظات برصاصة ثأر، انتقاما لجريمة اقترفها أحد أبناء عشيرته تجاه رجل آخر من عشيرة أخرى، فلا المغدور "المثئور منه" يعرف من قتله ولماذا؟ وقد لا يكون يعرف أيضا إبن عشيرته الجاني!! وتدور بعدها حلقة مفرغة من القتل والثأر المتبادل!!
ولا يعي منفذ جريمة الثأر، أنه ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(النساء: 93)، كون هذا الفعل يعد من "القتل العمد" الذي يوجب الخلود في النار وغضب الله ولعنته!!
وتجد شخصا أو فئة من الناس، يلبسون عباءة غيرهم، ويعلنون موقفا من شأنه ترويع الآمنين ونشر الفتن في مجتمع أحوج ما يكون إلى رص الصفوف لمواجهة الأخطار التي تداهمه من الخارج، لأسباب قد لا تتعدى أن تكون مكاسب شخصية آنية، أو تصفية حسابات فردية، فيقحمون المجتمع بكامله، بصالحه وطالحه، بأطفاله وشيوخه ونسائه، بحالة هستيرية لا يعلم تبعاتها وتداعياتها إلا الله سبحانه، ويعيدون إلى الأذهان حرب "داحس والغبراء" التي ما زال العرب يتذكرونها!!
في عصرنا اليوم نحن أحوج ما نكون إلى ترجيح لغة العقل والمنطق، وأن يكون الحكماء أصحاب الخبرات ممن أفنوا حياتهم وهم يغترفون من خبرتها، مصدرا نستقي منهم الحكمة وتهدئة النفوس وإعداد الأجيال وتسليحهم بالفضيلة والتسامح والتآلف والمحبة والأخوة وتوحيد الصفوف والعودة إلى الدين، وتنمية حب الأوطان ونبذ الخلافات وإطفاء فتيل الفتن، بدلا من أن يكون البعض منهم مؤججون "ونباشون" لأحقاد مفتعلة قد دفنت، ومنا سماعون لهم، بل متلهفون، لإذكائها وإشعال فتيلها لغاية إثبات الموجودية ولو كان ذلك على حساب تدمير وطن بأكمله، بل أمته بأجمعها!!!
الأمثلة على العنف المجتمعي كثيرة، وهي آفة مؤرقة من آفات عصرنا المرير، ما يتطلب أن تتوجه جهود الحكماء من رجالات عشائرنا الأبية، وقيادات مؤسساتنا الوطنية إلى الإجهاز عليه، حتى نكون شوكة منيعة لمقاومة مخططات الصهاينة وتطاولاتهم المستمرة على أمتنا، من خلال رص الصفوف وتوجيه القدرات إلى ما ينفع الأمة، وحتى لا نكون مثلا تتناقله الأجيال كـ "جهيزة" حمقاء العرب!!
المصدر : الحقيقة الدولية - عمان 4-5-2010
المفضلات