الزميل حلمي الأسمر يكتب لـ"الحقيقة الدولية".. علماء النفير وعلماء الشخير!
الحقيقة الدولية - عمان
كتب الزميل حلمي الأسمر مقالا لـ"الحقيقة الدولية" حول إعلان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوم الجمعة الماضي، "يوم النصرة والنفير الإسلامي والعربي من أجل إنقاذ المسجد الأقصى"، ودعوته إلى "عقد قمة إسلامية من أجل القدس على خلفية تدشين "كنيس الخراب" الذي بناه اليهود على مسافة أمتار من الأقصى".
وتهكم الزميل الاسمر بمرارة على بيان الاتحاد الذي حذر فيه من "الخطر كل الخطر أن تمر هذه الخطوة دون ردة فعل قوية ومدوية من العالم العربي والإسلامي لتوقف هذا العدو عند حدِّه"!!
وأضاف الزميل الأسمر "كثيرون لا يعلمون ما هو هذا الإتحاد، ولا مدى فاعليته، وهو حقيقة ليس فعالا، وكنت على شبه يقين أن أعضاءه أنفسهم (أو على الأقل بعضهم) لن ينفر يوم الجمعة ولا في غيره دفاعا عن الأقصى، وكنت على ثقة أن معظمهم إن لم يكن كلهم سينصرفون لشؤونهم الخاصة أو ربما للتمتع بيوم العطلة والنوم والشخير حتى قبيل صلاة الجمعة، ودليلي على هذا أن موقع الإتحاد نفسه لم يتم تحديثه ولم ينشر بيان الاتحاد، وهذا أضعف الإيمان"!
وفيما يلي نص مقال الزميل الاسمر
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أعلن يوم الجمعة الماضي "يوم النصرة والنفير الإسلامي والعربي من أجل إنقاذ المسجد الأقصى"، كما دعا إلى عقد قمة إسلامية من أجل القدس، دعوة الاتحاد تأتي على خلفية تدشين "كنيس الخراب" الذي بناه اليهود على مسافة أمتار من الأقصى، واصفًا إياه بأنه "خطوة في غاية الخطورة على مستقبل المسجد الأقصى المبارك أقدم عليها العدو الصهيوني!!". وحذر البيان من أن "الخطر كل الخطر أن تمر هذه الخطوة دون ردة فعل قوية ومدوية من العالم العربي والإسلامي لتوقف هذا العدو عند حدِّه"!!
كثيرون لا يعلمون ما هو هذا الإتحاد، ولا مدى فاعليته، وهو حقيقة ليس فعالا، وكنت على شبه يقين أن أعضاءه أنفسهم (أو على الأقل بعضهم) لن ينفر يوم الجمعة ولا في غيره دفاعا عن الأقصى، وكنت على ثقة أن معظمهم إن لم يكن كلهم سينصرفون لشؤونهم الخاصة أو ربما للتمتع بيوم العطلة والنوم والشخير حتى قبيل صلاة الجمعة، ودليلي على هذا أن موقع الإتحاد نفسه لم يتم تحديثه ولم ينشر بيان الاتحاد، وهذا أضعف الإيمان!
أنا لا ألوم الاتحاد، الذي لم تتسع له أي بقعة في العالم الإسلامي فاتخذ من دبلن في إيرلندة مقرا رئيسا له، فالعلماء اليوم –أو قل جلهم- هانوا على أنفسهم فهانوا على الناس، ويحضرني في هذا السياق موقف "نفير" واستنفار مشهود لأحد علماء هذه الأمة، الذي عاش في حقبة شبيهة بما نحن فيه، وهو العالم العامل العز بن عبد السلام، فقد أفتى العز بن عبد السلام أن أمراء المماليك حكام مصر في ذلك الوقت مازالوا عبيدًا رقيقًا، وأنه يجب بيع هؤلاء الأمراء لصالح بيت مال المسلمين، غضب الأمراء المماليك غضبًا شديدًا، وقدموا شكوى إلى السلطان، وطالبوه بأن يقنع العز بن عبد السلام، بالعدول عن رأيه، فتحدث معه السلطان في ذلك، وطلب منه أن يتركهم وشأنهم، فغضب عز الدين واستقال من منصب قاضي القضاة، وعزم على مغادرة مصر، فحمل أمتعته على حمار، وحمل أهله على حمار آخر، وسار خلفهم على قدميه خارجًا من القاهرة؛ وعندما علم الناس خرجوا وراءه، فخاف السلطان من الثورة، وقال له أعوانه: متى خرج عز الدين من مصر ضاع ملكك!! فركب السلطان بنفسه ولحق بالشيخ وطيب خاطره، لكنه لم يقبل أن يعود معه إلى القاهرة إلا بعد أن وافق السلطان على بيع الأمراء المماليك في مزاد علني، رجع الشيخ وأمر بأن ينادي على الأمراء في المزاد، وتم له ما أراد، وباع الأمراء في المزاد واحدًا واحدًا، وغالى في ثمنهم، ثم صرفه في وجوه الخير!
وكانت لسلطان العلماء مواقف إيمانية في ميدان الجهاد ضد التتار، ولم يَرْضَ أن تتحمل جماهير الشعب وحدها نفقات الجهاد، وهو يعلم أن السلطان ورجاله لديهم أموال كثيرة فقال: إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وأن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحلي، ويبقى لكل الجند سلاحه، وما يركبه ليحارب عليه ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ أموال الناس مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال، فلا، وقد اشترك الشيخ (عز الدين) بنفسه في الجهاد المسلح ضد العدو، وكان دائمًا يحرض السلطان (قطز) على حرب التتار حتى كتب الله له النصر في (عين جالوت) وكان (العز بن عبد السلام) شجاعًا مقدامًا، فقد ذهب ذات مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد الأمراء والخدم والحشم يقبلون الأرض أمام السلطان، وشاهد الجند صفوفًا أمامه، ورأى الأبهة والعظمة تحيط به من كل جانب، فتقدم الشيخ إلى السلطان، وناداه باسمه مجردًا، وقال: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك مصر، ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان نجم الدين أيوب: هل جرى هذا؟ قال الشيخ: نعم تباع الخمور في الحانات وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، وأخذ الشيخ يناديه بأعلى صوته والعساكر واقفون. فقال السلطان: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي. فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة.. فأصدر السلطان أوامره بإغلاق تلك الحانات، ومنع تلك المفاسد، وشاع الخبر بين جمهور المسلمين وأهل القاهرة، فسأل أحد تلاميذ الشيخ عن السبب الذي جعله ينصح السلطان أمام خدمه وعساكره في مثل هذا اليوم الكريم؟ فقال الشيخ: يا بني، رأيتُ السلطان في تلك العظمة، فأردتُ أن أذكره لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه.. قال التلميذ: أما خفته؟ قال عز الدين: والله يا بني، استحضرتُ هيبة الله تعالى فلم أخف منه.
هذا نموذج حقيقي للعلماء، فأين علماؤنا من هذا الشموخ والكبرياء، ووالله لو تمتعوا بشيء قليل مما تمتع به هذا العالم المجاهد، لكان لصوتهم أثرا، ولدعوتهم للنفير هديرا لا شخيرا وشهيقا وزفيرا!
المصدر : الحقيقة الدولية - عمان 22.3.2010
المفضلات