احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: قطرة عسل

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat Oct 2008
    المشاركات
    7,005
    معدل تقييم المستوى
    12691250

    قطرة عسل











    * آنا توروسوفا
    الترجمة من الروسية: د.باسم الزعبي




    كانت جدتي ورعة جدا. أما أنا فقد ترعرعت مشاكسة، ولي في كل عرس قرص، كما يقول المثل. كانت تقول:
    - انتظري، سيعاقبك الرب. تذكري كلماتي هذي!
    لم أكن أتصور الرب، ولا كيف يكون عقابه. هل سيحشرني في زاوية؟ هل سيجلدني بالحزام؟ أم سيجوعني؟
    كان الحرمان من الطعام أسوأ الاحتمالات بالنسبة لي. كان قد مرّ آخر فصل شتاء في الحرب. صنع الناس أرغفة من دقيق الأعشاب، وأكلوها، مثل "كعك تولا". وعند ذكر كلمة "حلو"، فإننا كنا كمن يمص حبة الملبس، نلوك ريقنا في فمنا، ونبلعه.
    عاش معنا في تلك الفترة ابن عمي فانيا. كان أبوانا يحاربان على الجبهة. أما والدتانا فقد ذهبتا مع الأطفال إلى القرية للاحتماء في بيت جدتي هناك. فقر على فقر. وشوشني فانيا في أحد الأيام حول أمر جرة العسل، التي كانت جدتي تحتفظ بها في قاطع الخزين. كان ابن عمي أكبر مني، و قد دخل المدرسة. وكان يعرف كيف يوقعني في مؤامراته.
    لم أكن مكترثة لمعرفة السعادة المتأتية من تذوق العسل. كل ما كان يعنيني هو النظر إليه والتأكد من وجوده فعلا. بدا الوصول إلى القاطع، والبحث وسط سقط المتاع عن جرة العسل المخفية بشكل آمن، ورؤية العسل دون أن لا تلعق منه ولو لعقة واحدة، أصعب بكثير من التضور جوعا طوال اليوم. غمست شاهدي في العسل، ثم أغلقت الجرة، وتسللت من القاطع مثل عصفور. لم يلاحظني أحد، لا أمي، ولا جدتي، ولا من دلني - فانيا. كما أن الله لم يعاقبني. رحت ألحس إصبعي السعيد قبيل الغداء، وبعد الغداء صرت أبلع ريقي. أخرجت مرة لساني أمام المرآة فبدا لي عسليا، فأعاد لي ذكرى جميلة وحلوة.
    بقيت أتسلل إلى الجرة مثل الثعلب، لمدة يومين. وفي اليوم الثالث، تسللت إلى هناك من جديد. وبعد أن غمست إصبعي في العسل البارد الكثيف، قفزت إلى كومة القش، ومن هناك إلى باحة البيت. لكني لطخت مقبض الباب الحديدي بالعسل عندما أغلقته. كنت حزينة لضياع تلك القطرة التي استقرت على الحديد. وأثناء لعقي لبقايا العسل على إصبعي، كنت أفكر بالخطر الذي يحيق بي. كان من الممكن أن تظهر جدتي في أي لحظة، ممسكة مقبض الباب، ملطخة يدها بالعسل الدبق، فتتعرف على فعلتي الشنيعة. كدت أعض إصبعي من خوفي. حتى أمي كانت تخاف جدتي.
    تحركت يدي إلى مستوى أنفي. لقد شددت نفسي كي ألحس قطرة العسل عن مقبض الباب. كاد الحديد البارد جدا يحرق لساني. لقد التصق بمقبض الباب. لم يكن بإمكاني أن أرفع صوتي طالبة النجدة.. الصوت لم يخرج من دون لسان، خرجت من فمي "آي.. آي.. آي" ضعيفة. وهكذا وقفت فاغرة فمي ورحت أثغو مستنجدة مثل نعجة ضالة. كنت مستعدة لأي عقاب: الوقوف في الزاوية، الحرمان من الغداء، خلع أي قطعة من ملابسي لتلقي الجلد.. فقط أن ينقذني أحد ما من مقبض الباب اللئيم. لم يسمعني أحد. رفست الباب بقدمي، خبطت عليه بقبضة يدي. لا شيء غير الصمت. رحت ألهث، فراح البخار الخارج من فمي يدفئء المقبض المعدني.
    لقد انتزعت لساني بنفسي. لا أذكر كم مكث في فمي وكم مكث ملتصقا بالمقبض. أتذكر أنني قضيت نهاري بأكمله مختفية تارة في الباحة، وتارة في المستودع، وأماكن أخرى وكنت أنشج من الألم. لم أكن أبكي، بل أنشج بحرقة. وعند المساء دخلت الكوخ مستسلمة مسالمة بعد أن تجمدت من البرد...
    يقال إن المصيبة مثل نبتة، تزرعها فتولد لك سبعة مصائب. هذا ما بدا لي، وهذا ما كانت تقود إليه الأمور.كان لساني قد تورّم، وكان يغلي من الحرارة ويتحرك في فمي كحبة لفت كبيرة مسلوقة. وحتى يتمكن لساني من أن يتحرك بيسر، كنت أجلس تاركة فمي نصف مفتوح. وعندما كان يحتك باللثة أو الأسنان، كنت أقفز من مكاني من الألم، فاتحة فمي على اتساعه. لم أكن أستطيع الكلام. أو الأكل. كنت فقط أشرب قليلا من الماء الدافيء بحذر. وأي أكل هذا.. ماء فاتر؟.
    كانت جدتي تسمل الحبوب من "كوارة" القمح، وتخبز عشرات فطائر الزلابية البيضاء الأصلية. أحضرت جدتي العسل المقدس بقصعة خشبية. لم يكن بإمكاني أن أتذوقه. بدت تلك الفطائر أطيب فطائر رأيتها في حياتي.. حتى إنني لم أتذوقها. لقد التهمتها جميعها بعيني، إلا أنها كلها ذابت في فم ابن عمي. كان يلتهمها بسرعة، وقد احمرّ وجهه حتى الأذنين من فرط السعادة والتوفيق: لم تكن السعادة ما جلب له الحظ، بل المصيبة. كانت السعادة من نصيبه، أما أنا فكانت المصيبة هي نصيبي. لم أستطع أن أنسى ذلك. قلت مهددة بيني وبين نفسي: "انتظر، سوف يعاقبك الله لسبب ما". لم تكن لديّ القدرة على البوح بمصيبتي، مما زاد شعوري بالمصيبة.
    جسّوا لي جبيني وبطني، أخذوا شهيقا، ثم أصدروا زفيرا، فقد كانت الحرب ما تزال دائرة، ولا يوجد طبيب، وأخيرا أرسلوا "آنيا" لإحضار "الحكيمة".
    لو كان بمقدوري أن أتكلم بشيء ما بصراحة، لكنت كشفت، بالطبع، عن الحقيقة. لكني كنت أهزّ رأسي، وألوّح بيدي. فهل يمكن فهم شي من هذا؟.
    جاءت العجوز الحكيمة فورا. كانت نحيلة، قليلة الحديث، ترتدي لونا واحدا صيفا وشتاء من رأسها إلى أخمص قدمها، لقد كان ذلك هو اللون الأسود. صلّبت برؤوس أصابعها، ثم انحنت بالتحية، وتقدمت إليّ مباشرة. وضعتني المرأة العجوز بين ركبتيها، بين ثنيات تنورتها السوداء، واضعة يديها على كتفي. كانت كفاها جافتين، عظميّتين، كأنهما كماشتين. قالت:.
    - إيه؟
    أدرت رقبتي، وحركت رأسي تارة إلى اليمين، وتارة إلى اليسار. لاحظت الحكيمة أن عيني تهربان بإصرار من النظر في عينيها. طلبت مني قائلة:.
    - إي، أريني لسانك!
    عندئذ أغلقت فمي، انضغط لساني فأصبح يؤلمني. كان وجهي يتغضن كما لو كنت قد ابتلعت ملعقة من الملح. عندها بدأت العجوز تشتبه بأن شقاوتي هي سبب علّتي. لقد ركّزت عينيها البنّيتين مثل حبات القهوة المحمصة في عيني. قالت لأمي:.
    - اعطني شيئا لاذعاً.
    أخرجت لساني، ربما يكون ذلك بسبب الألم، أو بسبب الخوف مما قد تعمله ويكون مؤلما أكثر. لمعت حدقتا عينيها البنّيتين، وراحتا تتراقصان، مختفيتين تحت رموشها البيضاء. هزت الحكيمة رأسها، وقالت:.
    - لقد سببت له أذى شديداً
    بالطبع، كانت لدى الجميع، في تلك اللحظة، الرغبة بمعرفة كيف تسببت بالأذى للساني. لقد سارعت إلى إخفائه خلف أسناني. عاد وجهي إلى تغضّنه من جديد بسبب الألم. أخرجت "الحكيمة" صرراً من قماش من أعماق تنورتها السوداء ذات الثنيات العديدة ، وسكبت من كل واحدة مساحيق عشبية تشبه السعوط، خلطتها بعضها مع بعض وقدمتها لجدتي. لم تتكلم مع الأمهات.. فقد كانت تدير شؤونها مع ربة البيت، أي مع جدتي. تهامستا بشيء ما، وتوادعتا بعد أن صلبتا بأيديهن.
    غلت أمي تلك الأعشاب، ثم غطتها جيدا بمنشفة. عندما تخمّر الشاي واستقر، لعقت بلساني الذي عانى كثيراً ذلك الماء الأصفر غير اللذيذ. الشكر للمرأة العجوز المكتسية بالسواد من رأسها حتى أخمص قدمها.. لقد ساعدتني. أوي، هذي أنا أبوح لابن عمي بكل ما احتشد لدي خلال فترة صمتي! أما هو فقد راح يحاول معرفة كيف عاقبني الله. هذا ما لم أخبره به، فقد كنت خجلى منه.
    لا أعرف اليوم كيف هو الله. إنني لم أره في حياتي، لم أسمعه، لكني الآن، وللمرة الأولى، أعرف أنه يوجد إله، وتوجد عدالة. في إحدى كفيها خطاياي، وفي الأخرى الثمن الذي دفعته. وطوال حياتي كانت تزداد قناعتي بأن الكفة الثانية هي الأثقل.

  2. #2
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    اشكرك على كل جديد
    كل التحيه والاحترام
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669





    يسلمو كثير لما طرحتِ لنا
    لاحرمنا مواضيعك الطيبة





  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat Oct 2008
    المشاركات
    7,005
    معدل تقييم المستوى
    12691250
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الدراوشه مشاهدة المشاركة
    اشكرك على كل جديد
    كل التحيه والاحترام
    يسلموو على المرور

    دمت بوود

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat Dec 2008
    الدولة
    Jordan
    المشاركات
    12,898
    معدل تقييم المستوى
    29
    مشكورة مايا على القصة الجميلة

    ما حدا بصبر على رزقه

    تسلم ايدك

    يعطيكي العافية ..................... احترامي

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Sep 2010
    الدولة
    في قلب ............
    المشاركات
    631
    معدل تقييم المستوى
    14
    يسلمووووووو كتير ع الطرح الرائع
    تقبلي مروري

    براءة قلب

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973
    اشكرك على طرح القصه

    يعطيكِ العافيه

    [IMG]http://dc03.***********/i/01751/u674s73prh3c.gif[/IMG]

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2010
    المشاركات
    788
    معدل تقييم المستوى
    14
    الف شكرا على القصة

  9. #9
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Sep 2010
    الدولة
    في قلب ............
    المشاركات
    631
    معدل تقييم المستوى
    14
    سلمت الايادي على ما قدمت

المواضيع المتشابهه

  1. المطالبة بكشف الوجه كشرط لتوظيف النساء مخالف للأنظمة
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى اخبار السعودية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 28-09-2011, 05:42 PM
  2. الجيش الأردني - تبرق وترعد
    بواسطة الدهيني في المنتدى التراث الاردني , الاغاني الاردنية الشعبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-05-2011, 03:27 PM
  3. تغييرات إدارية في صحة جدة
    بواسطة الاسطورة في المنتدى اخبار السعودية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-03-2011, 03:44 PM
  4. أهم المصطلحات العلمية الجيولوجية
    بواسطة موودي في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-10-2010, 04:39 PM
  5. جانب من عمليات الجهادية الغير مصورة لجيش رجال الطريقة النقشبندية
    بواسطة ناشر الخير في المنتدى كلام في السياسة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-10-2010, 05:07 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك