أبردوا الحر بالصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فرط الحرارةِ من نفس جهنم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ. نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ. فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ" (6) .
والناس عادة يبحثون في الصيف عن ما يبرد حر الشمس، من ظل ظليل وماء بارد وريح منعشة. وهذا لاشك أنه مما يطلبه المؤمن ولا حرج في ذلك. بل يؤجر عليه إن صلحت النية وكانت لله تعالى. لكن الحديث النبوي الشريف يضيف أن أعمال الصلاة والخير مما تلطف الأجواء الحارة وتهدئ النفوس وتلينها وتريحها مما يجريه الله في خلقه من حر وقر وصيف وشتاء. لأن الكل من عند الله فلا ضجر ولا تأفف. فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يرمى في النار المتوقدة فينزل الأمر الإلهي: ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ .
وما دام العبد لله تعالى فينبغي أن يصبر على الطاعة سواء في الرخاء أو الشدة. فلا فرق. والمرء عند الامتحان يعز أو يهان، وفرصة الصيف امتحان وأي امتحان. وقد عاب الله تعالى على أقوام كسلوا عن طاعة الله ورسوله، ولم ينفروا إلى الجهاد بدعوى الشدة وحر الشمس، فقال عز من قائل: ﴿ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ .
الصلاة الصلاة الصلاة في الوقت ومع الجماعة.
فينبغي على المؤمن أن يوطن قلبه وجسمه وعقله وروحه وكليته في الصلاة. وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين. اللهم ازقنا محبة الصلاة والتعلق بالصلاة ومحبة أهل الصلاة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما توطّن رجل المساجد والصلاة للذكر إلا يتبشبش الله له، من حين يخرج من بيته، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" (7) .
ما أجمله من حديث وما أحلاها من عبارة، إن شمرتُ عن ساعد الجد والاجتهاد، لأزاحمَ أهل المسجد في الصف الأول، ولا تفوتني تكبيرة الإحرام. والقلب موصول بالله تعالى، والعقل متفكر في خلق السماوات والأرض. ولينوا في أيدي إخوانكم حاديَ حضوري في المسجد ذلة وخدمة ومحبة وتعظيما وتعليما، وتحببا لأهل وأوتاد المسجد عمارِه، ولكل مسلم ومسلمة، وباقي إخواني، أبناءِ أبي آدم عليه الصلاة والسلام.
فالمطلوب إذن تعويد النفس على طول المكث في المسجد وصحبة المسجد تسبيحا واستغفارا وصلاة وذكرا كثيرا..
عن عمرة رحمها الله قالت: سمعت أمّ المؤمنين -تعني عائشة رضي الله عنها- تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى الفجر -أو قال الغداة- فقعد في مقعده فلم يلغُ بشيء من أمر الدنيا، ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له" (8)
-------------------------------------------------------------------------------------------
1- قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ. خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) سورة الحج: الآية: 11.
2- تفسير ابن كثير رحمه الله: 8\433.
3- المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا: ص: 59.
4- تاج العروس: مادة عطل: 1\7334.
5- رواه البخاري رحمه الله.
6- رواه البخاري رحمه الله.
7- يتبشبش له: أي يفرح به.
- رواه ابن ماجه والحاكم رحمهما الله. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
8- رواه أبو يعلى رحمه الله بسند رجاله رجال الصحيح.
المفضلات