الكهرباء حلقة جديدة في مسلسل الحصار الصهيوني وانقطاعها المستمر يهدد بكارثة إنسانية.. تقرير مصور
ليل غزة بات يرهقه الظلام ويغلفه ضجيج المولدات
الكهرباء حلقة جديدة في مسلسل الحصار الصهيوني وانقطاعها المستمر يهدد بكارثة إنسانية.. تقرير مصور
هكذا با شارع الوحدة بقلب غزة ليلا
مولدات الكهرباء اصبحت علامة بارزة في شوارع غزة
ضوء خافت بالداخل يلفه الظلام خارج المحل
ضوء المولدات يصارع عتمة انقطاع الكهرباء
تزاحم الناس بالشوارع
الحقيقة الدولية – غزة – محمد الحر
باتت الكهرباء في غزة الصامدة ضيف عزيز لا تشعر بوجوده عندما يأتيك في زيارة فإذا بحثت عن الكهرباء في النهار تجدها تأتي وتذهب دون استئذان ولا تعرف متى ستعود أما في الليل فإنها في حالة غياب مستمر حتى الصباح وتكتشف ذلك من خلال السواد الحالك الذي يغطي سماء غزة كل ليلة بعد أن طال القصف الصهيوني محطات توليد الكهرباء وتوقفها عن العمل ورفض الصهاينة إصلاح المحطات بالكامل حيث تتحول غزة خلال ساعات الليل إلى مدينة للظلام!!.
حتى الكهرباء تم تسييسها وإدخالها ضمن حلقات الحصار لتكتمل أوراق اللعبة السياسية ويزداد الخناق علي غزة حتى ترفع حكومة حماس "الراية البيضاء"لأن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يعني إصابة كافة المرافق بالشلل والعجز عن الحركة مثل محطات المياه والمستشفيات والاتصالات وغيرها من المرافق الخدمية التي يشترط وجود التيار الكهربائي لتشغيلها لكن الشعب الفلسطيني الصامد وتحديداً سكان قطاع غزة يدركون تماماً أبعاد المؤامرة وسيتجاوزونها كعادتهم.
وقد فرض غياب الكهرباء حالة أشبه بحظر التجوال ليلاً في شوارع غزة فإذا كنت من سكان القطاع فعليك تدبير احتياجاتك في النهار لأن غالبية المحلات التجارية تضطر لإغلاق أبوابها وقت حلول المساء في القطاع باستثناء بعض المحلات التي يمتلك أصحابها مولدات صناعية كهربائية رغم ارتفاع تكاليف تشغيل تلك المولدات إلا أن هناك حاجة وضرورة لتشغيلها داخل المؤسسات الحيوية كالمستشفيات والفنادق والمحلات الكبرى لأن أزمة توافر الوقود التي تشهدها غزة ربما تؤدي إلي توقف تشغيل المولدات الصناعية تماماً مثلما حدث عند تشغيل محطات توليد الكهرباء المغذية للقطاع حيث تقلصت كمية الوقود الصناعي"السولار" لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة من 22 ألف لتر في نهاية نوفمبر الماضي إلي 17 ألفاً و500 لتر ثم 7500 لتر في الأسبوع وبالطبع فإن كمية الوقود هذه لا تكفي لتشغيل المحطة ليصل بذلك العجز في كميات الوقود إلي 50٪ في كهرباء غزة.
ولا شك أن أزمة الكهرباء المتجددة زادت حدتها في الفترة الأخيرة خاصة بعد توقف الاتحاد الأوروبي عن تمويل ثمن الوقود الصناعي "السولار" اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء في القطاع فتفاقمت المشكلة لأن قطاع غزة بحاجة إلي 270 ميجاوات من الكهرباء يصل منها فعلياً إلي غزة 161 ميجاوات بعجز حوالي 109 ميجاوات.
فأي حياة تلك التي يمكن أن تكون بدون الكهرباء التي بلا شك أصبحت من أساسيات العيش ولا تقل في أهميتها عن المياه فكيف يمكن أن تعمل الأجهزة الطبية بالمستشفيات بدون الكهرباء وماذا ستفعل المولدات الصناعية في ظل أزمة الوقود المتجدد خاصة وإن حياة المرضي مرتبطة بأجهزة تعمل بالكهرباء وفي حالة انقطاع الكهرباء فقد يفقد هؤلاء حياتهم.
تشير إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد المرضي الذي يحتاجون الكهرباء يومياً يبلغ 498 مريضاً مثل مرضي الكلي والعناية المركزة للكبار والصغار والعمليات وغيرها هذا بالإضافة إلي التأثير السلبي المباشر علي بنوك الدم والمختبرات وثلاجات حفظ الأدوية التي تفسد في درجة حرارة مرتفعة.
ولا تتوقف أضرار انقطاع التيار الكهربائي عند القطاع الصحي لكنها أزمة قد تؤدي إلي حدوث كارثة بيئية وغذائية حيث توقف أكثر من 3 آلاف بئر مياه ري آبار وتعطل المئات من مزارع الدواجن عن التفريخ والإنتاج مما يؤثر سلباً بحرمان سكان القطاع من اللحوم بشكل عام كما أن ثلاجات تخزين الخضار والألبان سيفسد كل ما بها هذا بالإضافة إلي توقف مطاحن القمح وحلابات الأبقار ومصانع الأعلاف عن العمل لارتباط تشغيلها بوجود التيار الكهربائي.
بدورهم سكان قطاع غزة حاولوا التغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء باللجوء إلى شراء مولدات كهرباء مختلفة الأحجام والأشكال وأصبحت تلك المولدات علامة بارزة أمام المحلات بكافة شوارع غزة وخاصة شارع عمر المختار والثلاثيني والوحدة بالإضافة إلى المنازل السكنية التي بادر سكانها باقتناء المولدات حيث يقوم السكان الذين يقيمون بالأبراج السكنية بشراء مولد ضخم يضعونه أسفل البناية ليكون جاهزا للتشغيل فور انقطاع الكهرباء.
وباتت الضوضاء الناجمة عن تشغيل مولدات الكهرباء بالقطاع آخر ما يهتم به المواطنين رغم أن هذه الضوضاء تأتي في مرحلة متأخرة من الليل ناهيك عن عدد الضحايا الذين فقدوا أرواحهم نتيجة لسوء استخدام هذه المولدات التي راح ضحيتها نحو 252 مواطنا منذ مطلع عام 2008 حتى حزيران - يونيو من العام الجاري 2010
وكان الطلب قد ازداد على هذه المولدات بعد تأكد سكان القطاع من صعوبة السيطرة على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وذلك لأعوام أربعة بعد أن قام الاحتلال الصهيوني بقصف محطة الطاقة الوحيدة بالقطاع وإصابتها بعجز شبه كلي واستمرارها بالعمل بثلث طاقتها الإنتاجية للعام الرابع على التوالي مما يعني توزيع حصة المواطنين من الكهرباء النظيفة وفق برنامج وضعته شركة الكهرباء بغزة بحيث لا يتعدى نصيب كل منزل ما يزيد عن عشر ساعات يوميا من التمتع بطاقة كهربائية نظيفة.
أما المولدات التي تتراوح أوزانها بين كيلو و12 كيلو حسب كمية الديزل المعبأ فيها وهي الأوزان المستخدمة للمنازل والمحال التجارية – فهي تصل لقطاع غزة عبر الأنفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي جنوبي القطاع وتبدأ أسعارها من 350 شيكل صهيوني أو ما يعادل مائة دولار أميركي للمولد بوزن كيلو واحد.
المواطن نسيم أبو جامع -48 عاماً- من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة فقد ثلاثة من أبنائه الستة خلال شهر شباط - فبراير من العام الجاري في حريق نشب بسب تسرّب وقود كان مخزّناً في مطبخ منزله ووصل إلى المولّد الكهربائي وأُصيب الأطفال الثلاثة الآخرون بجروح في الحادث وهو ليس الحادث الأول لهذه المولدات بل سبقه عشرات الحوادث وتلاه العشرات وكان هو الأكثر إيلاما حيث راح ضحيته ثلاثة أشقاء أطفال.
وأدى انقطاع التيار الكهربائي بغزة حرم سكانها أيضا من متابعة مباريات كاس العالم 2010 ورغم محاولات المقاهي والنوادي الرياضية والفنادق العاملة في قطاع غزة توفير شاشات عرض كبيرة لمتابعة مباريات المونديال إلا أن عدد من يمكنهم ارتياد هذه الأماكن قليل في ظل تردي الوضع الاقتصادي وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدني الدخل للمواطنين في قطاع غزة الذين يشكل 70% منهم لاجئين يعتمدون على المعونات الإنسانية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"
ويرى الكثير من المختصون أن غياب التيار الكهربائي يهدد بحدوث كارثة بيئية تتمثل في تعطل محطات الصرف الصحي ومحطات المعالجة ولأن الحياة مرتبطة بوجود الكهرباء فإن حالة من الشلل قد تضرب كل المرافق ووقتها تكون الفرصة صعبة في تزويد سكان غزة بمياه الشرب خاصة إذا كانت 90٪ من آبار مياه الشرب في القطاع تعمل بالكهرباء، لتستمر الآثار السلبية المدمرة والمترتبة علي انقطاع التيار الكهربائي علي كافة المرافق الخدمية ففي مرفق التعليم تتعطل أجهزة الكمبيوتر وماكينات التصوير وأجهزة المختبرات العلمية والدورات التدريبية للمعلمين.
أما القطاع المالي والمصرفي فإن هذا المرفق يتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين بالإضافة إلي زيادة النفقات والتكاليف في حالة الاعتماد على تشغيل المولدات الكهربائية البديلة حيث إن تشغيل 4 مولدات رئيسية يتطلب 20 ألف لتر سولار شهرياً. كما يتأثر قطاع القضاء والتشريع والعدل بصورة سلبية في حالة انقطاع التيار الكهربائي سواء بالتأخر في الرد علي استفسارات وفتاوى المواطنين والاستشارات القانونية أو عدم انعقاد الجلسات في المحاكم وبالتالي تتراكم القضايا. كما يتأثر عمل البلديات حيث يؤدي الانخفاض في الڤولت بالتأثير السلبي علي شبكات الإنارة،
وقد بلغت الخسائر في قطاع إنارة الشوارع 45 ألف دولار للقاطع الأوتوماتيكي و90 ألف دولار خسائر ترانسات و75 ألف دولار لمبات احترقت و18 ألف دولار في الخليات الضوئية هذا بالإضافة إلي احتراق مضخات الغاطس الخاص بآبار المياه حيث يتكلف إصلاح البئر الواحدة 5 آلاف دولار وقد بلغت خسائر قطاع المياه حوالي 130 ألف دولار في مضخات الغاطس و40 ألف دولار في أجهزة التحكم والمراقبة وصيانة مولدات 150 ألف دولار، بالإضافة إلي استهلاك زيوت وسولار وفلاتر بنحو 150 ألف دولار.
ولا شك أن ذلك كله يؤثر سلبياً علي المواطنين سواء تعذر وصول مياه الشرب للمنازل أو احتراق بعض الأجهزة الكهربائية، وتوقف المصانع والحرف الصغيرة عن العمل ساعات طويلة علاوة علي زيادة المصروفات الناتجة عن الوقود المستخدم لتشغيل المولدات في المنازل والمحال التجارية في ظل أزمة الوقود حيث يباع لتر السولار بـ 5.1 ـ 2 شيكل ولتر البنزين بـ 2 شيكل للمنتج المصري أما الإسرائيلي فيباع اللتر منه بـ 6 شيكل.
ويتعلق أمل المسئولين عن قطاع الطاقة والكهرباء بغزة بآليات قد تضعها جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي للتغلب على أزمة الكهرباء بالقطاع وهو ما ألمح له مدير العلاقات العامة بشركة الكهرباء في قطاع غزة م.جمال الدردساوي حين قال أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أبدى اهتمامه البالغ بورقة قدمتها شركة الكهرباء حول إمكانات التغلب على هذه الأزمة ومطالب الشركة من الجامعة أثناء زيارة الخير للمدينة أوائل حزيران 2010.
وحسب الورقة التي قدمتها الشركة ل"موسى" فإن غزة تأمل كما قال مدير الشركة م. سهيل سكيك أن يتم التوجه الفوري لبدء العمل في تنفيذ مشروع الربط الإستراتيجي بين الشبكة الفلسطينية في قطاع غزة والشبكة المصرية في إطار مشروع الربط الإقليمي القائم بين منظومة الربط الثماني حيث يمثل هذا المشروع التأمين الحقيقي للطاقة الكهربائية في قطاع غزة على المدى البعيد.
ومن بين بنود التغلب على أزمة الكهرباء بالقطاع مطالبة الشركة العمل السريع لتمويل كميات إضافية من الوقود الصناعي لتشغيل وحدة إنتاج ثانية علي الأقل في محطة توليد الكهرباء وزيادة القدرة التعاقدية مع شركة القناة المصرية من 17 ميجاوات إلي 21 ميجا وات وسرعة البدء لتنفيذ مشروع إمداد محطة توليد الكهرباء بالغاز المصري.
قانونيا فقد كفل المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان حق التمتع بمستوى معيشي لائق. وأمام ذلك يؤكد عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة أن انقطاع الكهرباء في القطاع يمثل انتهاكاً حقيقياً لهذا المبدأ الدولي على مختلف أصعدة الحياة كون الكهرباء ترتبط بكل تفاصيل المعيشة للإنسان.
ورغم هذه المعاناة المستمرة والمتجددة يوماً بعد الآخر إلا أن سكان غزة صامدون لأن الأزمات تزيدهم صلابة وقوة حتى يكسروا حلقات الحصار مهما طالت واستمرت.
المصدر : الحقيقة الدولية – غزة – محمد الحر 10.7.2010
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس المحبه
المفضلات