مقالات
البترا.. عاصمة التجارة. تفتقر للتسويق!
من عواصم الشرق القديم وقد تخصصت بالتجارة وربطت بين انحاء العالم حتى اصبحت موقع حسد ادى لغزوها وحصارها، مما دفع اهلها لزيادة تحصينها وصمودها.. انها «البتراء» عاصمة دولة الانباط التي امتدت في فلسطين والاردن وبلاد الشام والجزيرة وحتى مصر وربطت مع تدمر وملكتها الزباء حين كان الحارث الرابع في هذه البلاد ملكاً..
لقد امتدت من 400 قبل الميلاد الى 106 ميلادي..
كنا امس نزورها بمناسبة الذكرى الثالثة لتتويجها احدى عجائب الدنيا السبع، فأحسست وكأن هذا التتويج قد شاخ او جرى نسيانه لولا المبادرة التي احياها رئيس سلطة اقليم البترا ناصر الشريدة لينتزع وقتاً يتحدث فيه عن واقعها الذي يحتاج الى الكثير حتى يتغيّر..
قبل ثلاث سنوات وفي 7/7/2007 انتزع الاردن شهادة لتتويج البترا حين جرى التصويت على ذلك في لشبونة بالبرتغال وكان صاحب الحظ في ذلك وزير السياحة السابق اسامة الدباس الذي رأيته امس يحضر الاحتفالية دون ان يجري تكريمه وهو يستحق ذلك لما بذله يومها من جهد..
لقد امسكت البترا بطرق التجارة القديمة حيث عبور القوافل المحملة بالتوابل والبهارات من جنوب الجزيرة العربية والحرير من غزة ودمشق والحناء من عسقلان والزجاجيات والاصباغ الملونة من صور وصيدا واللؤلؤ من البحرين وخشب الارز من لبنان ليصل الي ايله حيث كانت السفن تبنى في زمن الاسقف العربي الغساني حنا بن رؤبة الى ما قبل البعثة المحمدية...
في المخيم الذي اقيم امس الاول في البترا الصغيرة او البيضاء وهي جزء جرى تأهيله اخيرا من البترا على بعد(15) من «سيق» المدينة الوردية حيث قبر هارون ومواقع هامة اخرى... وهي بتراء التجارة التي لها مدخل خاص وصلنا منه لنجد مخيما حسن البناء بانتظار حوالي 300 شخصية اعلامية واقتصادية واجتماعية وعامة جرت دعوتهم تحت رعاية السيد رئيس الوزراء سمير الرفاعي وبترتيب من رئيس مجلس مفوضي اقليم البترا الذي كان في الاستقبال...
الاضاءة المدروسة للموقع ابدته آية في الجمال، حين انعكست الاضاءة على الصخر الوردي ومجسمات نادرة منحوتة في الصخر ما زلت اعتقد ان تكرار اشكالها بحاجة الى تفسير اخر غير الذي وصلنا او نعرفه....
الموقع الذي جلسنا فيه عمره (8) ثمانية الاف سنة وهو يمت في اتصاله مع البشر الذين نعرفهم في التاريخ الى زمن الادوميين الذين ابقوا حضارة معروفة.
لقد زاد الامسية التي لا يناسبها خطاب عن حاجات الاقليم وانما عن الحديث عن البترا وتسويقها ليس للحكومة لتدعم موازناتها وانما للحضور وللمستثمرين بصورة مختلفة ... زادها رونقا وانقذها من الروتين الذي تحمله الخطابة... عشاء متقنا وضيافة منظمة تليق بالمناسبة اشرف عليها مدير فندق كراون بلازا السيد عماد طنوس صاحب الخبرة في هذا المجال...
عشنا الماضي بسكينة تليق بتداعيات الزمن وانسحابه العميق ولكنني احسست اننا لم نستطع حتى اليوم توظيف الشهادة الهامة التي حصلنا عليها بإعتبار البترا العجيبة الثالثة في العالم حين لم نصرف هذه «الروشيتة» كما يجب لنعالج حال البترا ونصبح بها في عافية اقتصادية وغنى حتى عن النفط تأكيداً لمقولة السلطان «غزلان» سلطان ماليزيا الذي رافقته في زيارة البترا زمن وزير السياحة محمد العدوان وقد قال السلطان وهو يجلس قبالة الخزنة مذهولاً : «أنتم لستم بحاجة أن تكونوا بلدا نفطياً طالما امتلكتم هذه المكان»!!..
ويبدو أن نفطنا من البترا لم يكتشف بعد لأننا لم نؤهل أنفسنا بعد بما يليق من بنية سياحية وثقافية وتسويقية وإعلامية وتحتية كافية لننقل دخل البترا من (9) ملايين في احسن أحوالها إلى المليار او ما يزيد لو أن البترا عند غيرنا من الأمم والشعوب المبدعة في السياحة والتسويق..
والسؤال لماذا بعد (3) سنوات من إقرار العالم بقيمة هذه الأعجوبة ما زلنا نتلو نفس الكلام ونختبئ وراء نفس الذرائع؟
هل البترا بحاجة الى تسويق القطاع الخاص بشكل أكثر اتساعاً وصلاحيات أم ماذا؟..البتراء وحدها بحاجة إلى حقيبة وزارية.. بحاجة الى هيئة متخصصة من أبرز خبراء السياحة والتسويق والآثار والتاريخ..إنها حلم الكثيرين في العالم ان يزوروها بعد ان عرفوها.. ولنسأل عن المعوقات قبل أن نستمر في عد الأيام منتظرين بعد (3) سنوات «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت» حالنا مع البترا في البعد الاقتصادي كمضمون بيت الشعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول....
البتراء ليس اقتصاداً جهويا أو لمجموعة بشرية أو لناحية من المملكة إنها اقتصاد وطني مؤهل ان يغطي كل عجز موازنتنا. فهل نبدأ وهل نعيد انتاج واقع البترا مهما كانت الكلفة؟ وهل نمسك ببداية التصورات التي قدمها ناصر الشريدة...
سلطان الحطاب
رد مع اقتباس
المفضلات