مقالات
افغانستان.. دائماً!
بدأ عداّد الموت "التموزي".. سقط خمسة جنود اميركيين يوم أمس في أكبر وجبة حتى الان في شهر تموز, الذي تلا الشهر الأكثر فداحة في الحرب الأطول التي تخوضها الولايات المتحدة الاميركية في تاريخها.. بسقوط مائة قتيل في حزيران الماضي..
صحيح أن الضحايا المائة ليسوا كلهم من جنود الولايات المتحدة, إلا أن الحصة الأكبر تقع في صفوف القوة القائدة, التي اندفعت في حرب مجنونة لتدمير بلد يعيش أصلاً في العصر الحجري, بذريعة الحرب على الارهاب وتوفير نظام طالبان مظلة حماية لتنظيم القاعدة, الذي ارتكب جريمة تدمير البرجين في الحادي عشر من أيلول 2001..
كان بمقدور واشنطن لو أن ادارتها توفرت (وقتذاك) على حكمة وبُعد نظر وقدرة على قراءة الخرائط الجيوسياسية وخصوصاً الواقع الافغاني, ان تلجأ لمقاربة مختلفة، يمكن لها أن تُبقي على التعاطف الدولي الذي هيمن على تلك الاجواء الدموية التي احاطت بعملية التفجير, لكن ادارة غبية وجاهلة ومسكونة بغطرسة القوة والتماهي مع خطاب المحافظين الجدد, خطت خطوة قاتلة في تلك البلاد البائسة التي دمرتها عن بكرة أبيها, بعد أن "أفلس" بنك الاهداف التي وضعته رئاسة اركان الجيوش الاميركية, وبقي القول المشهور لأحد قادة الاسراب الجوية الاميركية التي "دكّت" كل افغانستان, شاهداً على بشاعة الحرب التي شنّتها إدارة بوش، تشيني ورامسفيلد على البلاد المعروفة بأنها "مقبرة الامبراطوريات" "لم نعد نجد هدفاً نقصفه في افغانستان ولذلك كنا نعود الى قواعدنا بالحمولة التي خرجنا بها"..
الحال اختلفت بعد تسع سنوات على الرغم من "انزلاق" حلف شمالي الاطلسي بأجنحته العسكرية واللوجستية والادارية في هذه الحرب, التي كشفت في جملة ما كشفته هشاشة "المبنى" الاطلسي وصحة بل دقة القراءة المبكرة للاهداف التي تقف خلف قيام هذا الحلف, رغم الضجيج الدعائي الذي رافق تأسيسه وهو التصدي للخطر الشيوعي الذي يهدد اوروبا الغربية.. وكيف تحول بعد نصف قرن تقريباً, وانقضاء عقد ونيف على تفكك حلف وارسو (المقابل الموضوعي لدى منظومة الدول الاشتراكية للاطلسي) اداة بيد واشنطن وخروج معلن على "وثائق" الاستسلام التي وقعتها المانيا النازية واليابان الامبراطورية, والتي تنص على عدم السماح باعادة بناء المؤسسة العسكرية في البلدين على النسق والسياقات التي كانت سائدة قبل الهزيمة.. فخرجت قوات ألمانية الى افغانستان تحت الشعار الأكثر تضليلاً في هذه الحرب القذرة "نحاربهم هناك حتى لا يأتون اليها".. كذلك فعلت اليابان وكوريا الجنوبية ورهط معروف من الدمى الاوروبية «الشرقية» التي خلفت الانظمة الاشتراكية, التي كانت تدور في فلك موسكو حينذاك ومعظمهم "حارب" ايضاً في العراق عند الغزو وبعده..
حسناً..
باراك اوباما يسير في واقع الحال والوقائع الميدانية على خطى جورج بوش, وهو مع اقالة الجنرال ستانلي مكريستال والدفع بـ (بطل) وصاحب نظرية "تعزيز القوات" الجنرال بترايوس يذهب الى مدى أبعد في الرهان على استنساخ "تجربة الصحوات" التي لجأ اليها بترايوس في العراق, وهي كما يبدو وعلى ما كشفت الاحداث لاحقاً كانت الخطة التي "طبقها" مكريستال عندما "تريث" في شن حملة شاملة على قندهار, بعد أن بدت الحملة على معاقل طالبان في «مدينة» مرجا الافغانية, وكأنها لم تؤت أُكُلها, بل أن طالبان لم تفقد من قوتها الكثير وعادت الى تلك المنطقة بعد أن انسحبت منها تكتيكياً عند الهجوم الاطلسي «الشامل»
مكريستال حاول "رشوة" زعماء القبائل والقيادات التقليدية في قندهار, وبدا انتقاده لشبكة الفساد التي يقودها حاكم المدينة أحمد قرضاي شقيق حامد قرضاي خجولاً, ما عمّق من علاقات قرضاي بالجنرال الذي ذهب ضحية "لسانه", وكاد قرضاي أن يسير على طريقه عندما "عارض" تغييره, لكنه ابتلع الضفدع (كما كل الدمى والأدوات) ورحب ببترايوس وسارع الى التقاط الصور التذكارية معه..
افغانستان كما كانت الجرح النازف في الجسد السوفياتي المثقل بالمرارات والفواجع, وقبله كانت الامبراطورية البريطانية, ستسجل في التاريخ الاميركي الحديث كأكبر فشل للمؤسستين العسكرية والسياسية الاميركية, بعد أن لم يستخلص أوباما خليفة بوش والقادم لاحداث التغيير كما هو شعار حملته الانتخابية, الدروس والعبر من الماضي القريب السوفياتي الافغاني ومن قبله الاميركي الفيتنامي, عدّادات الموت تعمل في افغانستان وأميركا اوباما تواصل الانغماس في الأوهام وارتكاب المزيد من الاخطاء..
محمد خرّوب
رد مع اقتباس
المفضلات