ظروف الحياة قاسية بعض الشيء
لأنها دفعتني في أول أيام تخرجي للسفر خارج بلدي
وعملت جرسون في أحد المقاهي المشهورة
براتبٍ يعدونة بسيط لكنه يعادل راتب طبيب متمرس في بلدي
,,
,,
,,
طبعاً أعمل في المقهى ساعات المساء
وبينما أعمل أفكر في كثيرٍ من الأشياء والأمور التي تدور في راسي
عن وطني و حبيبتي وقبل هذا كله أمي وآل بيتي
,,
,,
,,
عدت من تشردي ذات يوم وشربت الشاي الأخضر
ولبستُ بذلتي الأنيقة وعدلتُ ربطة عُنقي ومسحتُ جزمتي
و تعطرتُ قليلاً استعداداً للعمل
وكما جرت العادة بينما أمشي في شوارع المدينة الرومانسية باريس
لأصل للمقهى الذي يبعد عن البيت مسافة 40 دقيقة سيراً على الأقدام
أتصلُ على حبيبتي لأطمئن عليها
فلا ترد وأحاول مجدداً ولا مجيب حتى وصلت
وضعت هاتفي وأغراضي في خزانتي وبدأت عملي
وأنا لست هنا جسدي وروحي يسألوني عنها
وبينما أنا أحمل طلب أحد الزبائن أشتد عليّ الحصار الداخلي وبدأت الشكوك
والمخاوف تتزايد وبدأ القصف والارتباك واضحاً عليّ حتى سقط فنجان القهوة
وتحطم ولم أفق إلا على صوت مالك المقهى يشتمني ويطردني
دخلت وأخذت مستلزماتي و وضعت سترتهم وخرجت
وإذ بصوتِ نسائي أربعيني فخم
أخويا أخويا
,,
,,
,,
تتبعت الصوت وإذ بموجٍ من الذهب الخالص يلف قرص الشمس
ليزداد التوهج ألقاً فيُنعس عيون صاحبته
تنوره علمية عملية فوق الركبتان وقميص فضفاف صنع لسيدات المجتمع الراقي
أهلاً أخيه
,,
,,
,,
أجلس
سحبت الكرسي بكل لين وجلست
تحبها شرقيةً ام غربية
أجبتها حبيبتي شرقية بالفعل
ضحكت أقصد قهوتك
تُهتُ فيّ خجلاً وهمست تركية
,,
,,
,,
سبحان مغير الأحوال طردتُ وليس هناك من يسدُ غيابي
صار المدير جرسونا وجاء بقهوتي بكل احترام
و وضعها وسأل تريد شياً أخر سيدي الفاضل
أخبرته لا
وتعلمتُ منه التفريق بين الحياة العملية والشخصية
,,
,,
,,
سألتني من أنت ولما أنت مغترب عن بلدك
قلت لها قصة حياتي من تخرجي من الجامعة حتى طردي من المقهى
تبسمت وأخبرتني خيراً لا عليك
,,
,,
,,
شردتُ بذهني من طاولتها إلى موطن حبيبتي وبدأت اسأل لماذا لا ترد
هل هي بخير ما بها ؟هل نامت ؟ هل اشتاقت لي وهل هل هل الخ
وفي لحظة انتبهت لعيون الجالسين مسلطة علينا فبدأت بالنظر لكل العيون لعلي أجد فيها
ما يطمئنني أنها بخير
وفي نفس الوقت مستغرب من تحديقهم منذ جلست حتى انتبهت لهم
ربما لأني في العشرينات ومعي امرأة أربعينية
مع العلم أن العالم الغربي بأسره نفسي نفسي لا يعنيهم أحد وهم على قدرٍ عاليٍ من التهذيب
,,
,,
,,
بينما أنا كذلك أرى نفسي أتقلبُ وأُدورُ وأُفحصُ في عيون المرأة الناعسة
وفيها من الجاذبية ما يشدُ الجبال إلى السماء
فكيف بعربي هشٍ نحيل
لكن استبعدت احتمال أنها تشتهيني لأنها لم تعض على شفتيها
ولم تجعل أصابعها تلتف حول خاصرة فنجانها
ولأنها لم تمرر رأس لسانها على مواضع ارتشافها
ولأنها لا تبتسم ابتسامة منتشية تنم عن جريان الإدرينالين في مواطن جسدها
فجأة قطعت تفكيري عندما نادت للجرسون وأخبرته بأن يأتي بالفاتورة
ويأتي لها أيضا بورقة فارغة
أدخلتُ يدي في جيبي وأخرجت النقود فمهما كان لن أجعلها تُحاسب
جاء الجر سون فخطفتُ من يده الفاتورة وحاسبت
غضبت قليلاً فقلت لها لا عليكِ مازالت الشرقية تجري في دمائنا رغم غربتنا
تبسمت وأخرجت قلمها من حقيبتها وكتبت عنوان الفندق التي تسكنه
وأخبرتني أنها في مهمة عمل ومازال لها شهر هنا
ومتى أصبحتُ مستعداً للحديث فليس عليّ إلا الوقوف أمام باب غرفتها
ثم غادرت وتركت ورائها ألف سؤال من أبسطها من هي وماذا تريد
وما هو الحديث الذي تمنعتُ أنا عنه وهي تنتظره و و و و و الخ
,,
,,
,,
عدت إلى بيتي وصخب الدنيا على رأسي
وجنون شوقي لحبيتي التي مر أسبوعان وأنا لم أسمع صوتها
أكملت الشهر وحالي قد أسمعت إذ نادت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
نزلت أقترضت مبلغ من النقود شحنت جوالي برصيدٍ كافي واتصلتُ على أحدى صديقتها
,,
,,
,,
كيف الحال ؟
-الحمد لله وأنت؟
بخير ولله الحمد
أعلم أنكِ مستغربة من هذا الاتصال لكن للضرورة أحكام
-لا عليكَ أنا أسمعك
منذ شهر وأنا أحاول الاتصال على فلانة لكنها لا تجيب هل هي بخير؟
-نعم هي بخير وأجدها امام برج ايفل
أخبريني صدقاً بالله عليكِ هل تزوجت هل ارتبطت بشخص أخر ؟
-لا هي كما هي لم يتغير شيء
أخبريني إذاً في ماذا تقضي وقتها ومع من وماذا تفعل وما هو روتين يومها المعتاد ؟
-هي كما هي طيلة يومها في البيت ولا تخرج إلا قليلا للتنزة
ما هي الكتب التي أشترتها مؤخراً ؟
-والله لا أذكر لكن ربما رواية اسمها النسيان للكاتبة أحلام مستغانمي
ومن هي هذه الكاتبة وما هي توجهاتها هل تختص في الروايات الإجرامية والسلوكية والبوليسية
أم تلك الشاعرية والرومانسية ؟
-والله لا أعرف
حسناً شكراً لكِ لكن لا تخبريها بأني تواصلت معكِ
-لك هذا في حفظ الرحمن
,,
,,
,,
ما هي إلا ثوان عديدة وأنا في المكتبة اشتريت الرواية
وطرتُ إلى سريري
وبدأت القراءة
,,
,,
,,
شدني أسلوبها الساحر في السرد بل وسبحت الله
على هذه اللغة السهلة الممتنعة
وانبهرت من إدراكها لكل شيء وفهمت من فحوى الرواية
أنها حملة تطهيرية من الذكريات وإكمال العهد مع النسيان
الذي يتحلى به الرجال فطرياً كما تدعي
ويقتل النساء في كل ثانية
,,
,,
,,
هنا بدأت الربط بين رواية النسيان وحبيبتي التي لا تستجيب لاتصالاتي
حبيبتي طفلة بريئة هشة ورقيقة المشاعر وطيبة لدرجة احتوائها
وإغوائها وتغيير فِكرها
أحلام تشن حرباً على صنفٍ من الرجال ولم تعمم لكنها نسيت ذكر
مميزاته وحق وجوده وحق امتلاكه
فصار حال الكتاب عمومياً بطريقة نظامية او سحرية
,,
,,
,,
يا ربي أسعفني بأنصاف الحلول فأنت تعلم مقدار حُبي لها
أجعلها تستجيب لاتصالي أجعلها تشتاقني
صور لها في المنام حادثاً مروعاً تتناثر فيه أجزائي فربما حنت واتصلت
,,
,,
,,
مضت أسابيع والخبر
نفس الخبر ما طرى علمٍ جديد
نفسي همي والسهر ومواجعٍ عندي تزيد
,,
,,
,,
هنا قررت أن أدخل عالم الشبكة العنكبوتيه لأنضم
www.nessyane,com
فربما أصل لهذه الكاتبه وأشرح لها معنى الخسارة التي تكبدتها أنا
والسبب روايتها التي فيها من الإقناع والسحر العجب العُجاب
,,
,,
,,
وجدتها وفي قلبي جهنم ,,وفي عيوني محيطاتُ الدنيا ألماً
مدينة من العداوة والبغضاء أنا بسبب أحلام
نظرت إلى صورها فصعقت وذهلت هي ذاتها
كانت معي في القهوة قبل شهر وثلاثة أسابيع
,,
,,
,,
تركت جهاز الكمبيوتر وطرت إلى خزانتي وسريري أبعثر الأشياء
بحثاً عن عنوانها لأغتالها
وجدت الورقة في المعطف الذي كنت أخصصه لعملي
وما هي الا نصف ساعة وأنا في ذلك الفندق
سألت عنها وأخبروني أنها رحلت منذ ثلاثة أسابيع
من حقدي عليها وألمي نسيت أنها أخبرتني بأنها سترحل بعد شهر
من مقابلتنا وهانحن في الأسبوع الثالث بعد شهرها
,,
,,
,,
أكملت قيد تسجيلي باسم حبيبتي في عالمها
وكتبت لها
,,
,,
,,
أحلام قتلتي أحلامي البريئة
بهذه الرواية التي ستساعد الكثير من صديقاتكِ
بينما تهدني هدا
لم أرى فيكِ إلا امرأة على قدرٍ كبير من الثقافة
تفا حشت فيها نرجسية الأنا
ولم أشاهد في هذه الرواية إلا استعراضاً بمكامن الحرف
والاستحواذ على عقول الغبيات كحبيبتي وأختي وخالتي
لرفع قواعدهم النفسية المهدودة كما ذكرتي
تخيلتُكِ طبيبة باحثة نادلة طباخةً ماهرة
وكاتبة تذود عن صديقاتها الذين شارفن على مقام أهل العزم من الرسل
لأنهن الطاهرات العفيفات الطيبات الحافظات
أنقذتي نساء الكون بالمثالية المصطنعة في زمنٍ ماتت فيها الطبيعة
كم تمنيتُ أنكِ كتبتِ عن العرب وخذلانهم
وضعفهم وانكسارهم
لأن الله أعطاكٍ أسلوب التأثير على من يقرأ لكِ
فحينها سيكون النساء على قدرٍ عاليٍ من التوعية
وسيصبح الرجال عظماء
و ستُححق مقولة "وراء كل رجلٍ عظيم امرأة "
و نحرر فلسطين ونطرد العلوج من عراقنا
وأكون مع حبيبتي وننجب أطفالنا ونكمل حتى ينزل الموت زائر
أنا العربي الذي طُرد لأنه كسر فنجان قهوة
والذي منع حبيبته لأن أحلام أصدرت كتاباً أسمه النسيان
أقفلت الجهاز وذهبت إلى سريري متوقعاً عدم الرد
,,
,,
,,
أفقت على صوت المنبه
وتمكنت من هاتفي واتصلت على حبيبتي لعلها لانت
ولا جديد
طرت من سريري إلى الجهاز فربما هناك جديد
فتحت الموقع وإذ برسالة من أحلام
آسفة جداً
وأرسل لي رقم حبيبتك
أرسلت لها الرقم
,,
,,
,,
بينما أنا في عملي اهتزت قدمي اليمنى
فعلمتُ أنه الاتصال رأيت الرقم فلم أستطع الانتظار
استأذنت بداعي قضاء الحاجة
الو
-حبيبي كيف حالك والله ما وحشتك
والله و انا كمان ما وحشتك
-اتصلت علي أحلام مستغانمي و قالتلي انك بعمق تحبني الله لا يحرمني منك
آمين يارب "بس ليش انا عمري ما قلت لك
-لا ليس هكذا ولكن قالت لي احلام المهم انت كيفك
والـــــــــــــــــــــــــــخ..!
,,
,,
,,
الغريب أنه صار واجباً على كل من يعاني
مثلي وليس له ذنب
أن يكون على اتصال مع أحلام مستغانمي
لأنها سيدة الحلول ولأنها المطاعة وهي دستور الحب وميثاقه
او نكون كلنا مثاليين كزوج أحلام
الذي لا نعرف
ما مقدار رومانسيته وصفاء نيته و وفائه
وهل يحب النيكوتين ام يفضل الأراك
وهل يفضل الخمر ام الحليب
وهل يصرخ حين يغضب ام أنه من الكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس
وهل يهديها كل شهر ام في المناسبات
وهل يشكرها ام يجحدها
هل يحبها ام يمقتها
هل تزوجها لأجل مستقبلها الباهر
ام لأنه يحبها
وهل و هل و هل ؟؟
او نكلف شركة أميركية او يابانية مختصة
بصناعة الدُمى أن يصنعوا لنا دمية مستغانمية
كدمية بأربي لنقدمها فربما تخفف من وطأة
تأثرهُن لأننا أبدينا ولائنا حين
اشترينا دمية مستغانمية وتركنا فله مع أنها أكثر جمالا
وبراءة من أحلام
او نتجه مباشرة إلى مارك سلوان أخصائي التجميل
في مسلسل Grey's Anatomy
ليبدأ عملية زرع الأثداء لنقوم بمهام الرضاعة
او كحلٍ أخير
ننحرف ونصبح شواذ ونقتل فطرتنا لأن أحلام تريد
منع الغبيات الساذجات العربيات
من الذكريات
,,
,,
,,
مسكينةٌ هي كامليا التي قاست عليها أحلام
كل نساء الدُنيا بل وطلبت أن يكون لديها
أربعين ألف توقيع عند نزول الإصدار إلى المكاتب
ومسكينةٌ هي حواء أن سعت في خراب شؤونها
من أجل رواية يقال لها النسيان
وفقتِ في اختيار العنوان
لأنه بالفعل سيكون النسيان مقتضى الحال
,,
,,
,,
أدركتُ اليوم وجود نفوذ الكتابة
في هذا الزمان
وكم يمكننا أن نصنع من الرماد سحابة
و أن سن اليأس لا يعني الموت
بل الخلود
وكم يكون الإنصاف حد الظلم
وكم سيستمر تصفيقي اللا منتهي
لأحلام التي فاتتني كل هذا الدهر
سألتحق بزمرة القراصنة المستغانمية
فأختلاف الراي لا يفسد للأدب لذة
,,
,,
,,
ستبتسمين عندما تعلمين أن بيننا
من يصرخ حبيبتي كم عجز النسيان نسيانكِ
وربما سترقصين عندما تعلمين
المتشكل في أنثى هي بالنسبة لي الدنيا ومافيها
وليست تلك السلاسل المعلقة في مذهبي من شيء
بل جعلت الأغلال والسلاسل لكلاب الحراسة والصيد
ولم أرتدي الخواتم إلا كي تعتاد يدي على دبلتنا
ولم أرتدي الساعة إلا كي أحسب بها عمري الـ لامهم حين كنت بعيداً عنها واحسب الوقت لأراها
ولم أشرب السيجار إلا من هول التفكير لصنع البيت وجعل هذا الحب حكاية تقربها عيون أطفالي
ولم أتخذ الأناقة ديدن إلا حين عرفني القدر بها فصرتُ أكثر رونقاً وبهاء
ولم أملك تلك السيارة الفخمة إلا من أجلها واما عن طموحي فأتمنى لو أجذب لها طائرة خاصة وأيضاً سفينة
ولو أمكن مدينة أكون فيها الخادم والضابط والدكتور والكهربائي والحداد والمواطن والحبيب والزوج والقائد
وأجعلها الحكم والخصم وأنزل لحكمها مهما كان بأستثناء إبعادي عنها
بكل أختصار
لازالتِ أحلام وهذه أحلامي .!
المفضلات