من وراء القضبان ... للحديث بقية
.........
من خلف جدران الاسى والمعاناه .. من عمق العتمه وظلمة السجان ... من وراء حدود الصمت ... من خلف القضبان ... اكتب اليكم احبتي وانثر الدمع دما لاخط به كلماتي النابعة من اعماق قلبي المتعطش لكم ... ابي الحبيب ...اعلم انك اكبرمن مسميات العصر والمصطلحات الادبيه ... واعلم انك تكابر وتعلو كل يوم على جراحك وتتجرع الصبر بمراره لتبقى شامخا كما الجبال لا تحنو هامتك الا لله عز وجل ... ومن هنا فانني يا ابي الحبيب ساعطي لنفسي حق التجرد من عواطفي لاخاطبك كمناضل ومعلم وقدوة اقتدي بها وانا القابضة على جمر قضبان المعاناه ... نعم .. لقد نشات يا ابي في كنف اسرة لم تعرف الا التضحية والعطاء ... كنت اترقب ملامحك وانت تحدثني عن جدي الشهيد وعن قصص البطولة والفداء التي كنت ترويها لنا لتقول لنا احفظن كل كلمه فهذا تاريخ مشرق وارث لا يجب ان يندثر مع التقادم ... كنت اترقب عيناك يا ابي وهي تلوح في الافق البعيد محلقة في سماء قريتنا وجبالها وتلالها ووديانها ... ارى فيهما ما لم تستطيع وصفه مثلما ارى فيهما بريق دموع متحجرة تابى ان تذرفها ...تحدثني عن جدي الشهيد وعن تاريخ ثورة كان من احد قياداتها وثوار لم يذكرهم التاريخ ولم تعلق صورهم على الجدران احبو فلسطين وبذلوا من اجلها الغالي والنفيس ...واتشوق الى تلك الروايات عن معركة الكرامة واتحدث عنها بكل شهامة واعتزاز وانا اذكر جدي الشهيد الذي لا زالت كوفيته الحمراء تعبق برائحتها الزكيه معلقة في رحاب بيت جدتي .... تحدثني عن جدتي وصمودها وعن اسلوبها في نقل المعلومات الى الفدائيين وتوزيع النقاط الميته ... عن بسالتها في التحقيق وهي تقزم عنجهية السجان وتبدد ظلمة الزنازين بزغاريدها وابيات العتابا الريفية ...تحدثني عن امي التي فقدتها وانا في اشد الحاجة اليها ... تحدثني عنها يا ابي وهي تلاحق اماكن تواجدك وانت مطارد ... وتلاحق السجون وانت خلف القضبان ... وعن حبها العظيم لك ... تحدثني يا ابتي عن عمي الذي رحل عن الوطن ليلتحق الى حضن الثوره .. امتشق البندقية في سن مبكره ليرتقي الى العلا شهيدأ في بيروت ... وعن عمي الاخر الذي قضى ربيع عمره في السجون ولم يبخل على الوطن بما تبقى فيه من الحياه ليهب روحه رخيصة في نابلس ولم يكن بيني وبينه سوى بضع خطوات .... اه اه يا ابي حدثتني قصص كثيره وعشت معك واقع زاخر بالتجارب ... احببت تلك الاسرة التي انتمي اليها بما فيها من رصيد نضالي وتجسيد لتاريخ ثورة ... اسرة منها الشهداء والاسرى والجرحى والمطاردين ... يا لسعادتي وانا انتمي لهذه الاسرة المثالية ... لا اخفي عليك يا ابي اني كنت اغار منكم ومن جدتي ومن مجموع ما رويت من القصص البطوليه ... وكنت ارى نفسي بطلة لكل قصة ترويها لنا واتمنى ان يتحدث عني اخوتي واخواتي وكل من عرفني ... حتى انت يا ابي ...وانا اعلم انك تستطيع ان تروي عني قصتي ... ولا اخفي عليك ايضا انني اعشق اسلوبك في الروايه ... واعشق ابتسامتك التي كانت ترتسم مع كل لحظة الم ... والتنهيدة التي كانت تعتصر صدرك مصحوبة بلحظة تامل ... لا انكر عليك يا ابي الحبيب انني كنت استفزك لتحدثني وتروي لي كل ما في جعبتك من قصص البطولة والفداء ... وفي كل مره كنت تقول لي ومع نهاية كل قصه ( ويبقى للحديث بقيه ) لم اكن ادرك البعد الحقيقي لهذه الجملة ... وكنت اظنها محاولة للهروب من قصة اخرى ... الان يا ابي تعلمت كيف اصنع بقية القصه ... كنت كلما اسالك عن نفسك وعن سنوات سجنك وما سبقها من مشوار طويل في الجبال ... كنت تحدثني عن جدي .. او عن رفاق السلاح الذين استشهدو ...وانني اليوم يا ابي علمت ما معنى ان قصتنا لن تنتهي وسيبقى هناك بقية ... بالله عليك يا ابي ان تنسج لي قصة جديده من وحي الواقع الذي نحياه ...تحدثها عني لكل من سالك عني ...فاني وان كنت اعلم انك تكتب قصصا للابطال وتنسج شعرا عن الفدائيين ينتابني شعور بانك في كل يوم تذكرني وتذكر ما رويته لي ,
ابي الحبيب .... ارجو ان لا اكون قد اثقلت عليك وانا ادرك انك بامس الحاجة الى الاطمئنان علي وانا في غربة سجني ... ولكني اعلم يا ابي انك قاريء جيد لما وراء كلماتي وما بين سطوري ... واعلم انك سوف تقرا رسالتي عشرات المرات ...واعلم يا ابي انك لن تبخل علي بالدعاء ...واتخيل يا ابي بريق الدموع في عينيك وانت تقرا خطابي هذا ... صدقني يا ابي حاولت ان اكبت في داخلي كل ما قرات ولكن الكلمات ابت الا ان تفيض من عروقي لتتدفق كحمم بركانية ملتهبه ... ومع كل كلمه يا ابي الحبيب كنت اتوقف واتفحص مدى تاثيرها عليك ... ولكني يا ابي ما استطعت ان اضبط انفاسي التي كانت تتعطش للتفريغ ....وما استطعت ان اسيطر على قلمي وهو يندفع ليخط لك هذا الاعتراف ... وانني يا ابي الحبيب مع كل كلمه احمد الله انك ربيتني على هذا واردت لي ان اكون قصة من قصصك التي ارويها لكل الماجدات من ابناء شعبي ...لم يكن لاسمي معنى لولا انك جعلت منه قصة ( كفاح )... ولم يكن لاسمي مضمون لو لم تكن انت ابي ... ولم اكن اتمنى ان يكون لي ابا غيرك يا ابي
.....
ختاما يا ابي انحني امام عظمتك لاقبل هامتك العاليه وجبينك الطاهر واعاهدك على ان ابقى على عهد تلك الاسرة التي اعتز بها وانتتمي اليها ... واعلم يا ابي الحبيب ان الفجر لا بد ات ... وان موعدنا للقاء قريب .. انه سميع مجيب ...
ابلغك يا ابي التحية من ماجدات الوطن الحر القابضات على الجمر ... ابلغ تحياتي كل من يسال عني دون استثناء
وان للحديث بقية .....
الاسيره الحره .. كفاح عمر عفانه
سجن الشارون ... قسم 11
رد مع اقتباس
المفضلات