منذ اعلان استقلال الاردن تسارعت حركة النمو والانتاج وبدأت مرحلة انشاء المؤسسات السياسية والادارية والاجتماعية والتعليمية من اجل خلق دولة اردنية متكاملة البنيان ومرتكزة على دعائم صلبة قادرة على مواجهة الظروف التي اتصفت بها المنطقة والعالم اجمع في ذلك الوقت حيث بدأت منطقة الشرق الاوسط تشهد في تلك الفترات تغييرات اعقبت ما آلت اليه نتائج الحرب العالمية الثانية وبدء تنفيذ مخططات استهدفت الارض العربية في فلسطين.
وكانت اهم المفاصل التي تلت استقلال المملكة الاردنية الهاشمية في عهد المغفور له جلالة الملك عبد الله بن الحسين حرب عام 1948 .. ونستذكر هنا المواقف البطولية للجيش العربي الاردني بقيادة جلالة المغفور له الملك عبد الله وانتصاراته في كل معاركه التي اثمرت في المحافظة على الجزء المتبقي من فلسطين بما فيها القدس الشريف.
و بدءا من كانون الاول عام 1948 جرت مفاوضات اعلان وحدة الضفتين والتي تعتبر اول وحدة تستند الى الثقافة الواحدة والدم ووحدة المصير .
وتمت اجراءات الاتحاد الرسمية في عام 1950 اذ اجريت في 11 نيسان انتخابات نيابية في الضفتين مثل الاهلين فيها عشرون نائبا من الضفة الشرقية ومثلهم من الضفة الغربية.. وفي 24 نيسان 1950 اجتمع مجلس الامة الجديد الممثل للضفتين ووافق على قرار الوحدة بين ضفتي الاردن بالاجماع في دولة واحدة هي المملكة الاردنية الهاشمية على اساس الحكم النيابي الدستوري والتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين وعلى اساس المحافظة على كامل حقوق الشعب الفلسطيني .
حكم جلالة المغفور له الملك الموءسس عبد الله بن الحسين البلاد قرابة ثلاثين عاما تمكن خلالها من تعزيز الامن والاستقرار ووضع الاردن على خارطة العالم /دولة عربية مستقلة عضو في جامعة الدول العربية وموئل للاحرار العرب /.. ولكن يد الغدر تمكنت في العشرين من تموز عام 1951 من اغتيال الملك الموءسس ليستشهد على ثرى فلسطين امام بوابة المسجد الاقصى في القدس الشريف التي كانت مقلة عين الملك الموءسس وكان برفقته الحفيد الغالي / سمو الامير الحسين انذاك / والذي نجا من رصاصة الغدر حين انزلقت عن وسامه المعلق على صدره .
وفي السادس من ايلول عام 1951 انتقل الحكم الى جلالة الملك المغفور له طلال بن عبدالله الذي اعطى جل اهتمامه لانجاز دستور ما زال معمولا به حتى وقتنا الحاضر ..وجاء فيه/ نحن طلال الاول ملك المملكة الاردنية الهاشمية .. بمقتضى المادة الخامسة والعشرين من الدستور وبناء على ما قرره مجلسا الاعيان والنواب نصدق على الدستور المعدل الآتي ونأمر باصداره .. ونشر الدستور في عدد الجريدة الرسمية 1093 تاريخ 8 / 1 /1952 ..
واشتمل الدستور على العديد من الاحكام المتعلقة بنظام الحكم في الدولة الاردنية وحقوق الاردنيين وواجباتهم والاحكام المتعلقة بالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية والشوءون المالية للدولة الاردنية .
واهتم جلالته بارساء قواعد احترام الواجبات والحقوق والمساواة بين الاردنيين حيث جاء في مادته السادسة.. الاردنيون امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين .
كما اهتم جلالته بصون حرية الرأي والتعبير وجاء في المادة 15 من الدستور.. الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون.. لا يجوز تعطيل الصحف او الغاء امتيازها الا وفق احكام القانون .
وشهدت تلك الفترة انطلاق الاحزاب السياسية وتأليف الجمعيات.. وكفل الدستور للاردنيين حقهم في ذلك على ان تكون غاية تلك الاحزاب والجمعيات مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور .
كما اولى جلالة المغفور له الملك طلال اهتماما بالناحية التعليمية حيث نصت المادة 20 من الدستور الاردني على ان التعليم الابتدائي الزامي للاردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة .
وارسى جلالته رحمه الله اسس العدالة في تولي المناصب العامة بالشروط المعنية بالقوانين والانظمة ..وكفل الدستور حق الاردنيين في العمل وعلى الدولة ان توفره للاردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به ..ووضعت الدولة تشريعات تقوم على مبادىء تحمي العامل وتحدد ساعات عمله وتقرر تعويضه في احوال التسريح والمرض والعجز والطوارىء الناشئة عن العمل كما وضعت شروطا خاصة بعمل النساء والاحداث وسمحت للعمال بتنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون .
ولظروف صحية المت بجلالة المغفور له الملك طلال بايع الاردنيون جلالة الملك الحسين بن طلال ملكا على الاردن .. وتسلم الحكم في 11 اب 1952 ولم يتجاوز عمره آنذاك 18 عاما ..وتم تشكيل مجلس وصاية ليتولى ادارة البلاد الى حين الاستحقاق الدستوري ليتسلم جلالته سلطاته الدستورية في الثاني من ايار عام 1953 بعد ان نودي به ملكا على المملكة الاردنية الهاشمية خلفا لوالده المغفور له جلالة الملك طلال طيب الله ثراه .
قاد المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه الاردن مستمدا مبادئه من معاني الثورة العربية الكبرى ومستلهما سياسته من الارث الهاشمي الطاهر عبر التاريخ.
واستكمالا للاستقلال التام وتأكيد السيادة الوطنية كان قرار الملك الحسين طيب الله ثراه في الاول من آذار عام 1956 باعفاء الجنرال كلوب من منصبه كرئيس لهيئة اركان الجيش العربي..وكان قرار تعريب قيادة الجيش العربي من اولى القرارات الحاسمة والتي اتبعها جلالته في 13 شباط 1957 بخطوة جريئة اخرى بالغاء المعاهدة الاردنية البريطانية واخلاء القواعد الاجنبية وذلك اكمالاً للسيادة الاردنية على ترابه الوطني مما مكن الاردن من القيام بواجبه العربي والدفاع عن قضايا امته والاسهام في تقديم العون والمساعدة للاشقاء العرب ، هذا الجيش الذي ادى واجبا عربيا مسؤولا في الصراع في المنطقة وهو الجيش الذي خاض في عام 1968 معركة الكرامة الخالدة التي يذكرها التاريخ باجلال واحترام للبواسل الميامين الذين تمكنوا من تحقيق انتصار باهر اهداه الاردن للامة العربية بعد ان ران عليها ما خلفته حرب حزيران فتأتي الكرامة كنقطة تحول اعادت للعرب الكرامة والاعتبار وحطمت كل اشكال الاساطير وصور التفوق والغطرسة.
وناضل الحسين طيب الله ثراه من اجل ارساء السلام في الشرق الاوسط وكان له دور اساسي في صياغة قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 المتعلق بانسحاب اسرائيل من جميع الاراضي العربية التي احتلتها خلال حرب عام 1967 وقد القى جلالته خطابا في الامم المتحدة بعد حزيران مباشرة وقد قدم افكارا ومشاريع للتسوية الشاملة والعادلة في المنطقة لتجنيبها مزيدا من الكوارث واستغل جلالته كل علاقاته الدولية لخدمة القضية المركزية الاولى.
وشهد عام 1989 عودة الحياة البرلمانية الى الاردن بعد انقطاع استمر لاكثر من عشرين عاما بسبب الظروف التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطيينة.. فجرت الانتخابات النيابية العامة التي اتصفت بالنزاهة والديمقراطية.. وعبر الشعب الاردني عن فخره واعتزازه باستئناف العملية الديمقراطية فاقبل عليها من قراه وبواديه ومدنه .
ومضى الحسين طيب الله ثراه قائدا شجاعا عروبيا يتطلع الى كل فرصة لتعميق روح التعاون العربي مع الاشقاء العرب وكانت مواقفه الشجاعة ازاء القضايا العربية والدولية محط اهتمام العالم وبذل رحمه الله على الصعيد العربي اقصى جهده من اجل حل الخلافات التي كانت تعطل مسيرة العمل العربي المشترك وتجلت مواقفه الحازمة في الحفاظ على وحدة الصف العربي عند رفضه التدخل الاجنبي لحل ازمة الخليج الثانية ..كما استضافت عمان في عهد الحسين قمتين عربيتين هما قمة عمان الاقتصادية عام 1980 والقمة العربية عام 1987 . وحين اختار العرب مسيرة السلام فقد خاضها الاردن وهو يدعم الاشقاء في فلسطين للوصول الى السلام المشرف الذي قال عنه جلالة الحسين نريده هدية للاجيال لينعموا بالامن والسلام العادل وجرى توقيع رسمي عالمي في وادي عربة لاتفاقية السلام في 26 تشرين الاول 1994م .
للموضوع بقية
المفضلات