مقالات
رجل فاقد الأهلية... !
عانى منذ الصغر من الارتباك المرضي، واهتزاز الشخصية، وسقوط الثقة بالنفس ولعل مرد ذلك الظروف التي مر بها طفلاً، وحين يكون في مواجهه والده كان يصبح اكثر ارتباكاً، وترسخت في اعماق نفسه مواقف واحداث طفولة لم تغب عنه ادق تفاصيلها يستذكرها الآن رغم العقود الثلاثة التي مضت عليها، كانت امه طرفاً دائماً فيها.
سكنته هواجس عدة كانت ترسم له طريق الوصول الى الآخر وغالباً ما كان الشك وغياب الثقة أبرز معالم هذه الطريق ، على ان اكثر الهواجس تأثيراً في حالة كانت تلك التي صورت له ان كل من عرفهم او تعرف عليهم سوف يتخلون عنه ذات لحظة، لذا فان اكثر ما يخشاه ان يفاتحه والده بامر الزواج فهو ما عاد يثق بالمرأة، لكنه وجد نفسه ذات مساء في مواجهة ما كان يخشاه، فقد اوقعه عجزه عن المواجهة في مأزق الصمت الذي فهمه والده على انه الجواب بـ « نعم « بعد حوار جاء قصيراً مقتضباً كالعادة :
آن اوان الزواج – قال ابوه – يجب ان نفكر جدياً فيه اريد ان افرح بك... فهل هناك فتاة معينة؟
لا. اجاب. ثم صمت.
ما رأيك بابنة شقيقة خالتك؟ سأل الاب
وحتى لا يطيل امر المواجهة وثقل الحوار اجاب
كما ترى !
هو... حين كان في الثانية من عمره، هجرته امه فقد تركت اباه الى رجل آخر، فكانت الام البديلة زوجة الاب او « الخالة اسطلاحاً « رعته واولته جل اهتمامها حتى اذا ما بلغ الرابعة وقدم اول ابنائها سقط اهتمامها به وتحول الى « الاخ « القادم ليكتشف ان المرأة بطبيعتها « انسان متحول « او هكذا رسم له خياله وافهمته معاناته، ها هي من يجب ان تكون امه الثانية تخلت عنه ايضا وحين شب في اجواء هذه القناعة رسخ في وجدانه اعتقاد ان المرأة لا يمكن الثقة بها !
هام تلك الليلة في فضاء تلك المواجهة مع ابيه والتي انهزم فيها وقاده مرض تفكير الى مستنقع الشك الذي بدأ يضيق الخناق عليه فوجد نفسه يتساءل :
احقاً اراد ابي ان يفرح بي كما ادعى، ام انه اراد هو الآخر ان يتخلى عني؟
حين لم يقدرعلى جواب حاسم وادرك كم هو حقيقي وعميق ضعفه استسلم لما اعتبره قضاء لاحيلة فيه وبدأ يعاني وهو يتخيل حياته مع امرأة لا يقدر ان يثق بها وهو الذي فقد ثقته بالنساء.
الهته مراسيم الخطوبة وعقد الزواج والاستعداد له عما كان يعانيه واخذ يكتشف ان هناك من يقدر على حوار معها بالحد الادنى من الثقة والارتباك وهي شجعته على مواجهة نفسه، وعلى غير ما كان يتوقع صمد امام التحدى الجديد الا انه لم يتخل عن قناعته بان ضوابط التعامل مع المرأة يجب ان تقوم على الشك وعدم الثقة لان يوماً سياتي ستتخلى عنه وهذا ما لم تنجح في شفائها منه وتعددت مواقف الاشتباك بينهما على خلفية هذا المرض، لتكتشف الزوجة انها لم تنجح في اعادة تأهيله، فقد بقي على ما نشأ عليه، رجلاً فاقد الاهلية، هكذا غدت الحياة معه مستحيلة وحين مضت ايام اكتشاف كل منهما للاخر حمل الشهر السادس على زواجهما مفاجأة اذهلته :
عاد ذات يوم الى البيت ليجده خالياً، فحدث نفسه « لقد توقعت ذلك « وحين حاول الاستفسار بداية من « خالته « احالته الى ابيه وحين تشجع وسأل جاءه جواب المفاجأة «
حين يفقد الانسان ثقته بنفسه يستحيل عليه كسب ثقة الآخرين عقدة الخوف قتلت ثقة الزوجة بك زوجتك تطلب الطلاق منك لم تقدر على حياة مع رجل مسكون بعقدة الخوف من ان يتخلى الاخرون عنه، هذه العقدة التي جعلت منه رجلاً فاقد الاهلية.
حين وجد نفسه مع نفسه همس: حتى هذه التي اوشكت ان اثق بها تخلت هي الاخرى عني، المرأة انسان متحول هكذا صور له خوفه.
سهى حافظ طوقان
رد مع اقتباس
المفضلات