"الأمن": عمليات البحث عن ورد لم تسفر عن خيوط يمكن أن تفكك طلاسم اختفائه
إشاعات ومعلومات كاذبة تزيد ألم أسرة الطفل المفقود من دون أن تفقدهم الأمل ووالدته تؤكد انه حي يرزق
"الأمن": عمليات البحث عن ورد لم تسفر عن خيوط يمكن أن تفكك طلاسم اختفائه
منذ السادس والعشرين من نيسان (ابريل) الماضي وحتى اليوم، لم تسدل الستارة على قضية الطفل ورد الذي أعجمت تفاصيل وحيثيات قصة اختفائه أمام المحققين، وحيرت المجتمع الأردني، رغم أن عمليات البحث عنه لم تتوقف منذ ذلك اليوم.
ووفق الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب ،فإن كل الجهود الامنية التي جندت في سبيل العثور على ورد ابن الأعوام الخمسة الذي يفترض أن يكون عمره حاليا 6 سنوات، وبلدة جديتا في إربد لم تسفر حتى الآن عن الإمساك بأي خيوط من شأنها كشف أسرار حادثة الاختفاء.
وكانت الحادثة حظيت بتفاعل كبير من جانب مختلف فئات المجتمع الأردني، ففي الوقت الذي شكلت فيه مديرية الأمن العام فرقا أمنية لتولي تنفيذ خطة البحث عنه انطلاقا من بلدته جديتا في لواء الكورة والقرى المجاورة، لتشمل محافظات المملكة كافة، لم تظهر في الأفق أي إشارات مشجعة تعطي كل من يشارك في عمليات البحث، سواء من رجال الأمن العام، أو من جانب فرق مؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت في مختلف المناطق، بارقة أمل في العثور عليه.
ورغم مرور كل هذا الوقت وتلاشي الأمل لدى معظم من شاركوا في عمليات البحث، إلا أن هذا الأمل ما يزال قائما لدى والدي الطفل، وخاصة أمه التي تقول بأن لديها إحساسا بأنه حي يرزق.
وعلى مدى عام كامل، كانت الملصقات والمطبوعات والرسائل الإلكترونية التي تبرع بها مواطنون تتوالى في تتابع يوحي بالإصرار والتمسك بعدم انطفاء شعلة الأمل في العثور على الطفل.
ووفق الرائد الخطيب فإن عمليات البحث في بلدة جديتا شهدت إفراغا لجميع حفرها الامتصاصية وآبار المياه، بالإضافة إلى شبكة المجاري، وخصوصاً تلك التي هي قيد التنفيذ.
وقال الخطيب، إن عمليات البحث في الأحراش والمقابر تطلبت أيضا تحقيقات دقيقةً في كل شيء قد تكون له علاقة بحادثة الاختفاء.
وأضاف أن الأجهزة الأمنية قامت بتعميم صورة ورد على المعنيين في محافظات المملكة كافة، ومن خلال الدوريات المنتشرة في الشوارع الخارجية. وأكد أن جميع الفرق التي تم تشكيلها للتحقيق في الحادثة ما تزال مستمرة في وضع سيناريوهات جديدة، أملاً في التوصل إلى خيط يكشف لغز الاختفاء، مشيرا إلى أنه تم إعادة التحقيقات من جديد للاستعانة بها في سد ثغرات خطة العمل ومراجعة كل الاحتمالات، بما فيها الأطراف العائلية وعدم إهمال أي معلومة مهما كانت بسيطة.
وأكد أن الأجهزة الأمنية قامت خلال عام بمتابعة أي معلومة تصلها سواء كانت صحيحة أو خاطئة، مشيرا إلى أنه تم التحقيق مع مئات الأشخاص الذين يشتبه بعلاقتهم بأسرة الطفل.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 2071 ضابطا وفردا و204 آليات وطائرتين و 32 كلبا من جناح الأثر شاركوا في عمليات البحث. وقال الخطيب إن إجراءات الأمن العام بالبحث عن ورد بدأت منذ اليوم الأول على اختفائه بعد إبلاغ المركز الأمني المختص بأن الطفل المذكور وعمره 5 سنوات ونصف السنة قد خرج إلى السوق لغايات الشراء وأنه لم يعد.وقال إنه بعد ظهور صعوبة في كشف غموض الحادثة تم تشكيل لجنتين رئيسيتين لغايات التحقيق والبحث والتحري، كل منهما يعمل على حدة وتتوليان جمع المعلومات وعمليات المسح الميداني وتفتيش كل المناطق المحيطة ببلدة الطفل، مستعينة بقوة كبيرة من رجال الأمن العام وعدد آخر من سيارات النجدة والطائرات والكلاب البوليسية .
وأشار إلى أن التحقيق شمل جميع الأشخاص الذين كانوا على خلافات مع أسرة الطفل، سواء من داخل بلدة جديتا أو خارجها.وقال الخطيب إن مديرية الأمن العام شكلت فريقا ثالثا للتحقيق مع أسرة الطفل ورد برئاسة مدير البحث الجنائي، إضافة إلى اللجان الأخرى التي كان قد تم تكليفها سابقا، والتي ما تزال تواصل عملها في عملية جمع المعلومات والبحث، مشيرا إلى أن الجهات الأمنية تتبع الآن المسار الاستخباراتي في عمليات البحث.
إشاعات
وما يزال الحلم يراود أسرة ورد الربابعة في العثور على طفلهم المفقود حيا، بعد أن أصبحت حادثة اختفائه من بلدة جديتا بلواء الكورة في إربد "لغزا محيِّرا"، خصوصا بعد أن تحوَّلت الأيام والشهور إلى سنين بمقدار ألم الانتظار.
في كل معلومة تتلقاها الأسرة عن مصير "ورد"، تتجدَّدُ معها آمالهم في العثور على الطفل والعودة إلى حضن والديه سالما معافى، إلا أنه سرعان ما تتبدَّدُ تلك الأحلام، بعد أن تثبت عدم جدية تلك المعلومة لتظل الأسرة في حيرة من أمرها.
وكان آخر تلك المعلومات التي تلقاها والد ورد الأسبوع الماضي، اتصال هاتفي من شخص يتكلم اللهجة المصرية يزعم وجود "ورد" لديه في تركيا مطالبا بفدية مالية مقدارها 10 آلاف دولار، ما اضطر والد ورد إلى إخبار الأجهزة الأمنية بالمعلومة، لتتولى التحقيق.
ولم يعد في عيون أسرة الطفل ورد دموع تسيل حزنا على ابنهم الذي كان يلعب ويلهو في براءة مع أطفال الجيران كعادته، وبمجرد أن عاد والده من عمله، بحث عنه في كل المنزل، والشارع، وعند أولاد الجيران من دون جدوى.
والدة ورد المفقود لم تنم لمدة طويلة وجفونها ترفض الاستجابة للإغماض، لا تستجيب إلا لشيء واحد لا غيره:"البكاء"، فيما يزال اختفاء ورد في غموض، لم يترك وراءه سوى ألعابه وملابسه.
الحيرة التي سيطرت على ذوي ورد، لم تضعفهم إلى حدِّ أنْ يستجيبوا إلى نصائح الأهل والجيران بالذهاب إلى "السحرة والعرافين والشيوخ" لتحديد مكان اختفائه. بيد أنَّ والده يلفت إلى أنَّ آخرين ذهبوا للاستعانة بهم "من دون فائدة".
الجهاتُ الأمنية بدورها أكدت مرارا لعائلة الطفل المفقود أنَّ البحث مستمر، وأن هناك تحقيقات "أكثر عمقاً ودقة" تجري لمراجعة ومشاهدة كل السيناريوهات المحتملة.
وكان الأمن بذلك يرسل "إشارات تطمينية" لأسرة ورد مفادها "ألا تهاون أو تراخي في عمليات البحث"، خصوصاً بعدما أشيع من أن أسرة الطفل توجهت إلى مشايخ روحانيين يستعينون بالجن في البحث عن المفقودين وهو ما نفته الأسرة.
"الجواب لدى الجن" كانت أغرب الإشاعات التي حكيت لتفسير غموض غياب ورد، وهي على غرابتها وعدم منطقيتها أدخلت الأسرة في "نفق مظلم"، يقول الأب إنه "كاد أن يخنق حياتنا ويطيح بنا إلى عالم الجنون والموت".
بيد أنه يؤكد عدم الاستسلام "رغم طول فترة الاختفاء"، كاشفا عن سعيه لاستخدام طرق مبتكرة للعثور على طفله، خصوصا بعد نشر صوره في الفضائيات والصحف وعبر الإنترنت.
أم ورد، التي كسرتها الدموع وأعياها الهزال بعد تغيب طفلها، لم تعد تحتمل الحديث في الموضوع حيث تنخرط في البكاء إذا ذكر أمامها، لتصبح تحركات الأسرة للعثور على ورد على عاتق الأب
عبد المجيد الربابعة - الذي يخشى على طفله عبيدة من التحاقه بالمدرسة وانتظار نفس المصير الذي آل إليه شقيقه.
وطرق الربابعة كثيرا من الأبواب في سبيل العثور على "ورد"، ابتداء من زملائه الذين كانوا يرافقونه في العودة للمنزل، حتى نشر الصور في الجرائد كلها وملصقات الشوارع والبلاغ في مديرية شرطة غرب اربد، لكن عدم العثور عليه جعله يعتبر أنه يبحث عن"إبرة سقطت في المحيط".
ولم يهوِّن على والد ورد، إلا تضامن المحيطين به.
ويقول:"كل الجيران والأقارب كانوا بجانبنا، وأشخاص لم أرهم منذ سنوات وجدتهم يتصلون بي ويعرضون المساعدة، هذا كان ضروريا لي ولزوجتي وطفلي عبيدة، فحياتنا تدمرت بعد اختفاء ورد".
في منزلها الصغير المتهالك، تجلسُ الأم محزونة خلال العام، تتلقى مواساة نساء البلدة وكلامهن الطيب المملوء بالأمل بعودة الغائب الصغير في أية لحظة، وسط حالة نفسية سيئة، وخصوصاً أنَّ ظروفها الصحية متردية.
وخلال عام توافد رجال ونساء البلدة على أسرة الطفل لتسليتهم ورفع معنوياتهم.
وبصوت حزين متهدِّج يُتابع "لم نعثر على شيء... منذ عام حتى اليوم، بحثنا عنه في كل مكان، والأجهزة الأمنية لم تقصر إذ مسحت المنطقة لأكثر من مرة حتى بحثنا داخل الأحراج وآبار المياه والحفر الامتصاصية ولم نعثر على ورد". وناشد الأب المحزون كل من يمتلك معلومات عن ابنه أن يتقدم بها إلى الشرطة أو يبادر إلى المنزل، لتقر عينه بالصغير الغائب في أحضان المجهول.
أقران "ورد" ينتظرونه في المدرسة وأولياء أمورهم يبالغون بالحرص ومتابعة تحركاتهم
يفتقدُ أقران "ورد" في الحي، حضوره الهادئ بعد عام على غيابه، مستذكرين أوقات اللعب في حارات البلدة، وأزقتها، بينما يتعاظمُ قلق أولياء أمورهم عليهم، ويزداد الحرص ليتجنبوا مصير "الغياب الملغز".
وفي غرفة الصف الأول الابتدائي، يجلس أقرانه على مقاعد الدراسة التي كان من المفترض أن يُزاملهم "ورد" فيها هذا العام، قبل أن يختفي في ظروف غامضة.
وينتظر قرينه محمد عودة اليوم الذي يعلن فيه عن عودة ورد. ويقول "إن شاء الله عن قريب حتى يلحق مكانه بالمدرسة". لكنَّ أكثر ما يُزعجُ عودة الإشاعات حول مصيره، حيثُ يأمل أن يكون بخير وتكون كل الأخبار عن إصابته بمكروه "كذبا".
فترة غياب ورد ما تزالُ عاجزة عن تسرُّب اليأس إلى نفس محمد عودة، فهو يجزمُ بنبرة طفولية:"أكيد راح يِرجَعْ".
اختفاء "ورد" أثار القلق لدى أولياء أمور طلبة الذين أصبحوا متوجسِّين من كلِّ حركة يقومُ بها أبناؤهم. ويرى حسين إبراهيم من سكان البلدة، وهو ولي أمر طالب في المرحلة الأساسية، أنَّ مستوى الأمن في البلدة "ليس كالسابق"، مُلمِّحا بذلك إلى "كثرة العمالة الوافدة".
ويُطالبُ إبراهيم بتكوين لجنة للبحث عن الطفل، في الوقت الذي توقع عدم استمرار قوات الأمن في البحث لمدة طويلة، حسب رأيه.
الحادثة بعد عام، يقرؤها إبراهيم أنها بمنزلة "عِبرة لسكان المنطقة والمناطق الأخرى"، معبرا عن قلقه بشأن انتشار الأطفال ولعبهم في الأحياء إلى ساعات متأخرة من الليل.
ويزيد "الحادث ألقى بظلاله على أحاديث سكان البلدة طيلة عام، وأصبح محور المجالس في البيوت والمجالس العامة".
ويُعبِّرُ علي ملحم، المتزوج ولديه ولدان وبنت، عن خوفه من أن تكون الحادثة "منظمة"، أو تصل إلى درجة "عصابات الخطف". لكنه في المقابل لا يستبعدُ أنْ يكون سائق صدم الطفل بسيارة ثم أخفاه، أو أن أحداً قام بخطف الطفل لأسباب مجهولة.
لكنَّ ملحم وهو ينسجُ الافتراضات التي تمَّ تداولها في البلدة، يتمنَّى ألا تكون الأمور استاءت إلى هذا الحد في المجتمع، مقرّا أنَّ حوادث الخطف "دخيلة على قيمنا. ويجدُ أنَّ زيادة الحذر ومراقبة الأطفال وضبط تحركاتهم من شأنه تجنيبهم أن يقعوا فريسة "الحوادث الغامضة".
وأيا كانت الافتراضات، فإنَّ حادثة الاختفاء، وفق ملحم، قد أثارت الرعب في نفوس أهل البلدة خوفاً على أبنائهم، وأنه قد يحتمل وقوع حوادث أخرى إذا لم نقف عند أسباب المشكلة، مستبعداً وصول نية الاختطاف بهدف الاغتصاب؛ لأن الطفل جد صغير، حسب رأيه.
ويذهب إلى أنَّ "جديتا" لم تتعرَّض قط إلى مثل حادثة اختفاء ورد، مشيدا بالجهود التي بذلتها الحكومة من خلال تفعيل دور قوات الأمن للبحث عن الطفل والإتيان بالطائرات العمودية وبعناصر من قسم الجناح الأثري.
ويتفق أحمد الربابعة، وهو موظف وأب لولدين، بأنَّ الحادثة غريبة على المجتمع. ويتابع "عادة ما نرى الأطفال بالخارج، والأمن يعم المكان''، مشيراً في المقابل إلى أنَّ سبب اختفاء الطفل لا يمكن توقعه أو تحديده جزافاً، وفق قوله.
لكنَّ الربابعة، لا ينفي مسؤولية والدي ورد في حادثة اختفائه، مستغربا أنْ يتم تركه بمعية طفل صغير آخر، وإن كان أخاه. ويجدها مناسبة للتحذير من "كثرة العمالة الوافدة" في البلدة، وترك الأبناء للعب بالخارج.
شعور أهل بلدة جديتا بحجم ألم عائلة ورد، وإحساسهم بفداحة فقدان الاب، دفعهم إلى مساندة عائله الطفل المفقود في محنتهم. ويقول ''لم يألُ أهل جديتا جهداً في البحث عن ورد"، مؤكدا أنَّ أهالي البلدة جادُّونَ ومشاركون فاعلون في المناسبات والاحتفالات. ويُشيرُ إلى أنهم أسهموا في تمشيط المنطقة بحثاً عن ورد.
بينما يلفت الربابعة إلى أنَّ مؤسسات مجتمع مدني عديدة أسهمت في نشر إعلانات بحث عبر وسائل متعددة، معتقداً أن نسبة وقوع هكذا حوادث أمر متوقع، متمنيا أن يرجع الطفل إلى أهله، وأن تقر عين أمه به، وألا تتكرر مثل هذه الحوادث الموجعة في الأيام المقبلة أبداً.
رئيس جمعية حماية الأسرة والطفولة كاظم الكفيري، يعتقد أنَّ القضية التي شكلت محور اهتمام الرأي العام قد تكون سببا في كسر ما أسماه "السكوت" عن انتهاكات حقوق الطفل، والتي ماتزال بأغلبها محصورة داخل إطار الأسرة.
ويرى الكفيري أنَّ تكليف الطفل بمهام تفوق قدراته الذهنية والبدنية يعد من "باب الإساءة للأطفال"، مطالبا بضرورة أن تكون هناك مساءلة قانونية لأي أسرة تسيء لحقوق الطفل، وأن تكون للجهات المعنية متابعة لهذا النوع من القضايا و"ليس مجرد الانتظار لحين تقديم شكوى رسمية"، وفق قوله.
ورغم اختلاف الأحداث، يربط الكفيري قضية اختفاء ورد بقضية الطفل يزن خمس سنوات الذي قضى إثر تعرضه للتعذيب، من حيث إن "قضايا الطفولة بالأردن تجد اهتماما رسميا واضحا يرافقه اهتمام إعلامي.
ويذهب إلى أنَّ ذلك الاهتمام من شأنه "الإسهام بزيادة عناية أي أسرة بحقوق الطفل، وأن يمتد الاهتمام إلى المجتمع بأسره".
ويشير الكفيري إلى أن متابعة القضية بشكل واضح وشفاف وسط إصرار الجهات المعنية كشف لغزها كان له أثر كبير في تحولها إلى قضية رأي عام.
وكانت إذاعة "الحقيقة الدولية" التي تبث على القمر الاصطناعي النايل سات وعلى شبكة الإنترنت أطلقت حملة للبحث عن الطفل "ورد" المفقود منذ نحو العام مساهمة منها في الجهود الرسمية والشعبية المبذولة للعثور على الطفل المفقود.
المصدر : الحقيقة الدولية – الغد 25.4.2010
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الدراوشه
المفضلات