المعلم الوزير.. بقلم: حمزة مقدادي
بقلم: حمزة مقدادي
استيقظ في الصباح على شدو الكنار الذي ملأ أرجاء فيلته الفخمة.. نزل إلى بركة السباحة المملوءة بالمياه النقية المسحوبة من حوض الديسة، تراكض الخدم ليناولوه الروب والمنشفة.. ذهب إلى الحمام، وقف أمام المرآة، تفحص ذقنه، تناول ماكينة (الجيليت) بدلا من ماكينة الحلاقة الذاتية - على سبيل التواضع- لكن فجأة وقف حيرانا وتمحور السؤال في باله: كيف سأحلق اليوم؟!
وأخيرا هداه عقله لا بد من سكسوكة كسكسوكة معاليه المدللة .. أكمل حلاقته ثم تاه بين الكرفتات والبدل التي تغدق بها خزانته فتمحور السؤال مرة أخرى: ماذا سألبس اليوم؟! أوه .. قالها: لا بد من أن البس البدلة الفرنسية، وأثناء ذلك طلب أن تجهز له الجاكوار السوداء لتتناسب والبدلة، اطمأن على زوجته وأبنائه فكلهم خرج إلى وجهته مسرورا يدعو له،خرج وخادمه الشخصي يحمل شنطته (السامسونايت) وغادر إلى دوامه يسبقه شوقه للوصول.
دخل مدرسته المحاطة بالأشجار والمحفوفة بالأزهار .. فها هي مدرسته (مدرسة المستقبل المخملي) ساحتها مورّدة، مواقف خاصة، تهافت الطلاب لحمل حقيبته وأخيرا فاز أحدهم بحملها.. دخل غرفته الصفية، الهدوء يغلفها، الطلاب يسابقونه بالتحية، والوقار يغشوهم.. أكمل درسه وهو يود ألا يخرج من غرفة درسه، ولكن بين الحصة والأخرى خمس دقائق .. قاطع هذا الجو الرائع طلب هادئ مدعّم بالاحترام.. تلفون لحضرتك يا أستاذ.. إنه معالي الوزير، يسأله فيه عن صحته وكيف هي أموره - ماذا تريد يا أستاذ ؟ أأنت بحاجة لشيء؟ أرجو أن تكون راضيا عن خدماتنا وأعتذر إذا صدر منا قصور، وأحب أن أنوه أن مبلغا متواضعا قد صار في حسابك تقديرا لجهودك.. - كل شيء على ما يرام وأحمد الله أن بعث من هم على شاكلتك.
أقفل الخط ومعاليه يدعو له.. وبعد أن أكمل دوامه، خرج والجميع يغبطه، عاد إلى بيته، وضع رأسه على مخدته وبات في نومه المخملي فلا شيء يشغل باله.. غطّ في نومه ولكن تعالت صيحات قاطعت نومه الهادئ وإذا بها زوجته تقول:
- الكهرباء مقطوعة ، لم لم تدفع الفاتورة؟
- تمارا لن تخرج للمدرسة فقد بليت التنورة.
- ابنك محمد يريد مصروفة.
- ابنك ثابت مهدد بالفصل فلم تدفع له رسوم الفصل ولم تسوي مع الجامعة أموره.
- صاحب البيت غاضب، كيف لم تدفع للبيت إجاراته المعهودة.
- وكيف لم تتصل بالموسرجي فماسورة الحمام تنزف والماسورة مكسورة.
- فطورك اليوم خبز حاف فلا شرحات بندورة..
فتح عينيه ويود أن ينام فلا يفيق فدماؤه في دوامه صارت مهدورة، نهض وظهره يهوي وقدماه لا تستطيعان الوقوف.. أغمض عينيه والجراح تكوي روحه وفي نفسه غصة وسعادة مسروقة.
رد مع اقتباس
المفضلات