ذاكرة الرحيل من القوقاز الى حمى الأردن
فنون الراي :
سائده السيد - غادروا أرضا لم يهنأوا فيها ,حين ارتحلوا قسرا, مغادرين الوطن الأم ,ليستقروا في حمى الأردن. قدموا من جبال القوقاز ,فأحتضنهم البلد الطيب ومنحهم الدفء والامان وأشرع أمام «الشركس» الأفاق على اتساعها ,فأصبحوا جزءا اصيلا من مكونات المجتمع بتعدده, وثقافاته.
وبالرغم من مرور سنوات طويلة على ارتحالهم عن موطنهم الاصلي , فمازال الشراكسة في الاردن محافظين على عاداتهم وتقاليدهم , ويفخرون بتاريخهم , وبنفس الوقت استطاعوا الاندماج مع المجتمع المحلي.
يؤكد الدكتور محمد خير مامسر بناء على خمسين دراسة اجريت, تبين ان اكثر مجتمع شركسي متميز في الشتات هو في الاردن , حيث ان المجتمع الشركسي استطاع ان يحافظ على مواطنته الاردنية , واخلاصه وانتمائه للوطن , دون ان يتعارض ذلك مع محافظتهم على ثقافتهم وهويتهم الشركسية , والفضل في ذلك يعود للقيادة الهاشمية التي خصت المجتمع الشركسي بالعديد من المكارم السياسية والاجتماعية.
ويشير الدكتور مامسر بأن العلاقة بين المجتمع الشركسي والشعب الاردني بمختلف طبقاته واصوله هي علاقات ود ومحبة , حيث ان الشعب الاردني ينظر للتراث القومي الشركسي وعاداته وتقاليده نظرة احترام وتقدير , واعتبار الفلكلور الشركسي المتمثل باللباس والرقص القومي جزءا لا يتجزأ من التراث والفلكلور الاردني , وكذلك الترحيب بتمثيل الفلكلور الشركسي للاردن في العديد من المناسبات الرسمية والمحافل الدولية.
معتصم ابده (موظف في احد الشركات) يعتبر ان « الشركس اردنيون بكل معنى للكلمة , وهم جزء من الشعب الاردني , وعلى مر السنوات اندمجوا في المجتمع , واصبحوا جزءا من نسيجه الاجتماعي , ويؤكد انه مما ساعد على سهولة الاندماج هو نظام العلاقات الاجتماعية الموجود في الاردن , والقائم على اسس تقبل الاخرين , والانفتاح على الثقافات الاخرى , وتعزيز الروابط بين الاسر والاجيال , والالتزام المشترك بين جميع المنابت والاصول تجاه بلدنا الحبيب».
ويرى صلاح تيمور عضو سابق في الجمعية الخيرية الشركسية ان القسوة التي تعرضوا اليها, والابعاد عن موطنهم الاصلي , جعل الشركس في دائرة اوسع من دائرة الانتماء , واضاف الى وعيهم القومي حسا ومذاقا تفاهميا مع الشعوب التي هاجروا اليها , وقد اثر ذلك على استيعاب الاخرين واحترامهم لهم , ويؤكد على ان شركس الاردن مندمجون مع المجتمع المحلي , والدليل على ذلك وجود الصداقات وصلة النسب والمصاهرة بينهم , وعلى الرغم من الانتماء الكامل للشراكسة داخل المجتمع الاردني الا انهم لم يفقدوا شيئا من تراثهم وثقافتهم , ويحملون في اعماقهم تراثا حضاريا عظيما , ولهم الحرية الكاملة بممارسة لغتهم وفلكلورهم دون قيود .
ويلفت الدكتور مجد الدين خمش استاذ علم الاجتماع ودراسات المجتمع الاردني في الجامعة الاردنية الى ان الاندماج الاجتماعي هو جزء من الوحدة الوطنية , ويرى ان هناك اندماجا بدرجة كبيرة للشركس في الاردن , ومن الامور التي سهلت هذا الاندماج هو التراث القبلي حيث ان الشركس بالاصل هم قبائل ويتسمون بنفس العادات والتقاليد والقيم الموجودة عند العشائر الاردنية , بالاضافة الى الدين الاسلامي المشترك , وتعلمهم للغة العربية منذ الجيل الاول لانها مرتبطة بالاسلام.
ويقول بشار غنيم بأن «هناك اندماجا واضحا بين الشركس والمجتمع المحلي , حيث تحظى العشائر الشركسية باحترام كبير , «فلدي العديد من الصداقات مع شباب شركس , وتستهويني العادات والشيم والاخلاق الشركسية و يجب تسليط الضوء والتحدث عن عرقيات وشعوب كان لها دور مهم في يوم من الايام في الدفاع عن ديننا الاسلامي «.
ولعل من اهم المؤشرات التي تؤكد الاندماج الاجتماعي للشركس في الاردن كما يقول الدكتور خمش , هو مشاركة عدد كبير من الشخصيات الاردنية الشركسية , بالعديد من النشاطات الاقتصادية والاستثمارات والتي تخلق الاندماج بين الجماعات , والتوزع السكني حيث انهم يسكنون في اماكن متعددة وليس في منطقة واحدة , ولهم علاقات متنوعة مع افراد المجتمع الاردني من شتى المنابت والاصول, اضافة للزواج والمصاهرة بين ابناء الشركس والعشائر الاردنية المتعددة.
وحول اذا ما كان هناك حالة انعزال يعيشها الشباب الشركسي بعيدا عن المجتمع الاردني يؤكد السيد عدنان بزادوغ (والذي يملك ارشيفا كاملا وملفات وصور ودراسات عن تاريخ الشركس)» بأن لا حالة الانعزال مطلقا ,بل على العكس اصبح هناك انفتاح بين الشركس والمجتمع الاردني , ويقول بأن التعارف اصبح في جميع الاماكن والتي من ضمنها الجامعات , والجمعية الخيرية الشركسية , والنادي الاهلي , وغيرها , حيث يتم التعرف على الثقافة الشركسية وتاريخها والثقافة العربية , وبالتالي اصبحنا شعبا متكاملا, والاندماج شكل اضافة للطرفين.
الا ان بزادوغ يرى ان هنالك تقصيرا في وسائل الاعلام في التعريف بالشركس وتاريخهم حيث الاهتمام بثقافة الشركس وعاداتهم وتقاليدهم يوسع دائرة الاندماج».
ذاكرة الرحيل من القوقاز الى حمى الأردن
رد مع اقتباس
المفضلات