احباب الاردن التعليمي

صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 69

الموضوع: مقامات عائض القرني

  1. #31
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَــــة الكتــاب



     ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ 
    أعز مكان في الدنى سرج سابح
    أنيس إذا جالسته طاب قوله
    وخير جليس في الزمان كتابُ
    وليس له عند الفراق عتابُ

    عليك بالكتاب ، فإنه خير الأصحاب ، وهو روح المؤانسة ، وقوت المجالسة ، أقسم الله بالكتاب المسطور ، في رق منشور ، لأن الكتاب كنـز الإفادة ، وعنوان السعادة ، وهو أمين لا يخون ، وعزيز لا يهون ، إن حملته في النادي شرفك ، وإن جهلت أحداً عرفك ، يقوي جنانك ، ويبسط لسانك ، بالكتاب يجلس الصعلوك ، على كراسي الملوك، يقوم الزلل ، ويسد الخلل ، ويطرد الملل ، ويشافي العلل ، يحفظ الأخبار، ويروي الأشعار ، ويكتم الأسرار ، ويبهج الأبرار ، وهو أشرف لك من المال ، وأطوع لك من الرجال ، وأنسى عندك من العيال ، وبه تبلغ الكمال .
    مللت كل جليس كنت آلفه

    إلا الكتاب فلا يعدله إنسانُ

    عاشرته فأَراني كل مكرمة

    له عليَّ رعاه الله إحسانُ

    والكتاب إذا خان الصديق وفى ، وإذا تكدر الزمان صفا ، ينسيك جحود الجاحد ، وحسد الحاسد ، وضغينة الحاقد ، خليل ما أملحه ، وصاحب ما أصلحه ، وصامت ما أفصحه ، يقرؤ في كل زمان ، ويطالع في كل مكان ، على اختلاف الأعصار ، وتباعد الأمصار ، بشير ونذير ، ونديم وسمير ، إذا وعظ أبكاك ، وإن حدث أشجاك، وإذا فرح أضحكك ، وإذا بشر أفرحك ، سليم من العيب ، يحمل في الجيب ، لا يشرب ولا يأكل ، ولا يغضب ولا يجهل ، إن هجرته حفظ ودك ، وإن طلبته صار عندك .
    يغنيك عن الأرحام ، والأحباب والأصحاب ، فخير جليس في الأنام كتاب .
    يقودك إلى الكرامة ، ويبعدك من الندامة ، ويطرد عنك السآمة ، هو نسب ما أشرفه ، وهو بوابة المعرفة ، وخلاصة الفلسفة ، يصلك بأساطين التفسير ، من كل عالم نحرير ، وإمام شهير ، ومحقق بصير ، ويحضر لك المحدثين ، أهل الرواية الصادقين ، والدراية العارفين ، وجهابذة النقل الواعين .
    ويجمع لك الفقهاء ، رواد الشريعة الغراء ، وأرباب الفهم الأذكياء ، ويتحفك بقصيد الشعراء ، ونتاج الأدباء ، وبيان البلغاء ، وإنشاء الفصحاء .
    يا حروفاً قد أضاءت في الصحفْ
    قدرها عنديَ لو تعلمه
    أخبرتني بأحاديث السلفْ
    كل فضل وجلال وشرف

    جزى الله الكتاب ، أفضل ثواب ، فقد أغناك عن البخلاء ، وكفاك الثقلاء ، وأجلسك مع النبلاء ، وعرّفك بالفضلاء ، يوفي لك الكيل ، ويقصّر عليك الليل ، هو تاجك في كل ناد ، وأنيسك في كل واد ، وهو سلوة الحاضر والباد ، وخير ما أنتجه العباد .
    أما تراه خفيف الجسم موضعه
    هو الذي فّخم السادات واحتفلت
    على الصدور وبين الأنف والمقلِ
    به الملوك وأهل الشأن والدولِ

    اصرف له أثمن الأوقات ، وأنفق عليه أعظم الهبات ، ولا تطع فيه أهل الشهوات .
    هو الذي حبّب إليك الزمان ، وأجلسك في صدر المكان ، قال القط : يا أيها البط، أخرج من الشط ، فالتفت إليه ورد عليه وقال : يا سيد الجهاد ، لو كنت من القراء، لما أعظمت الافتراء ، أما طالعت في كتاب الهجرتين ، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .
    ليس المجد حلي وآنية ، ولا دف وغانية ، ولا قطوف جانية.
    وليست السعادة كنـز ، وبنـز ، وبز ، وجنـز ، ورز ، وقز ، فهذا ليس بعز .
    وليس السؤدد ، بنود ، وجنود ، وحشود ، ووفود .
    لكن المجد والسعادة ، والشرف والسيادة ، علم أصيل ، وبرهان ودليل ، وكتاب جليل ، يغنيك عن كل خليل .

  2. #32
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19

    المقـامَــــة الـطبـيّـــة



     إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 
    كيف أشكو إلى طبيبي ما بي
    زاد في جرعة العلاج فصارت
    والذي قد أصابني من طبيبي
    مهجتي في منازل التعذيبِ

    وجدنا كتاباً لابن سينا ، بعدما أغفلنا ذكره ونسينا ، فإذا هو يقول ، ورأيه مقبول: ما أهلك البَرِيّة ، وقتل البهائم في البَرِّيّة ، إلا إدخال الطعام على الطعام ، وترك المشي على الأقدام . ثم قال : عليكم بالنوم بعد الغداء ، والمشي بعد العشاء ، وترك الامتلاء ، والغذاء خير من الدواء .
    وكنا جلوساً ، فجاءنا أحدهم برسالة من جالينوس ، فإذا هو يقول : يا أهل العقول ، لا يغتسل أحدكم وهو شبعان ، ولا يأكل إلا وهو جوعان ، ولا ينم وهو من الطعام ملآن ، ولا يقطع الليل وهو سهران .
    وقال من اقتصد في الطعام ، وقلل من الكلام ، وهجر الاهتمام والاغتمام ، عاش في صحة وسلام ، أما سمعتم شاعركم ابن الرومي ، ليت عندنا شاعراً مثله من قومي :
    فإن الداء أكثر ما تراه

    يركب من طعامك والشراب


    قلنا : يحق للمتنبئ المجيد ، أن يقول عنك لما مدح ابن العميد :
    من مخبر الأعراب أني بعدهم

    جالست جالينوس والإسكندرا


    قال : بلغوا كلامي لابن الحسين ، وقالوا : شكراً مرتين .
    قلنا : وقد ذكرك فقال في بعض الأمثال :
    يموت راعي الضأن في سربه

    ميتة جالينـوس في طبهِ

    فهمهم وتمتم وما تكلم .
    ثم جاء صديقنا أبو عثمان الغازي ، فقلنا : حدثنا عن أبي بكر الرازي .
    قال : حسبتكم تتحدثون عن الحب ، وإذا بكم تتكلمون عن الطب .
    قلنا : دعنا من الشجون والعيون ، وحدثنا عن الصحون والبطون ، فضحك حتى بدت نواجذه ، وقال : مات الطب وجهابذه . ولكن أبا بكر ، طيب الذكر ، كان يدنينا ولا يقصينا ، وينصحنا ويوصينا . فيقول : الحسد يذيب الأجسام ، والحقد لا ينفع معه طعام ، والبغضاء لا يهنأ معها منام ، والذكر يشرح الصدور ، ويجلب السرور ، ويسهل الأمور ، ويدخل على النفس النور ، وإياكم والمسكر ، فإنه داء أكبر ، وحرام منكر .
    قلنا : أنت حدثتنا عن طب الأبدان ، ونعرف أنك فيه من الأعيان ، فحدثنا عن طب القلوب ، فقد نسيناه من كثرة الذنوب .
    قال : أما سمعتم ابن المبارك ، وهو في الأدب شارك ، حيث يقول :
    رأيت الذنوب تميت القلوب

    وقد يورث الذل إدمانها

    وترك الذنوب حياة القلوب

    وخير لنفسك عصيانها

    قلنا فماذا قال طبيب العيون ، فإنه ثقة مأمون ، قال سمعته ينشد :
    وأنت مـتى أرسـلت طرفك رائداً

    لقلبك يوماً أتعبتك المناظـرُ

    رأيت الذي لا كله أنت قادر

    عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ

    قلنا فماذا قال طبيب الأذن ، قال دخلت عليه بلا إِذن ، فسمعته ينشد :
    لا تسمعنّ الخنا إن كنت ذا رشد

    فالأذْن نقالة والقلب حَفّاظُ

    وصن سمعاك عن لغو وعن رفث

    قد تدخل الناس في النيران ألفاظُ

    قلنا فماذا قال طبيب الولادة ، فإنه ظاهر الإجادة ؟ قال :
    ولدتك أمك باكياً مستصرخـاً
    فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكَوا
    والناس حولك يضحكون سرورا
    في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

    قلنا : فماذا قال طبيب الباطنيّة ، فإنه طيّب النيّة ، قال سمعته ينشد :
    أكل الحرام يثير داءً دائماً
    فكل الحلال فرزق ربك واسع
    في البطن لا يدري به الجراحُ
    إن الذي ترك الربا مرتاحُ

    قلنا : فماذا قال طبيب العظام ، فإنه من الرجال العظام ، قال سمعته ينشد :
    عظامك أنقذها ولحمك من لظى
    وإياك إياك الحرام فإنّه
    جهنم فالأجسام تُشوى وتحرقُ
    تقطع أوصال به وتمزّق

    قلنا : فماذا قال الطبيب النفسي ، قال سمعته ينشد ، حين يصبح وحين يمسي :
    يا نفـس هل من توبـة مقبولة
    أو ما ترين الموت أشهر سيفه
    ضاع الزمان وأنت في العصيان
    كم راع يوم الروع من إنسان

    قلنا : فمن أعظم طبيب ؟ قال : محمد الحبيب ، صاحب النهج العجيب ، والرأي المصيب ، قلنا : أوصنا بوصية ، لينة غير عصية ، فأنشد :
    خذ ما أردت من العلاج فإنه
    مات المداوِي والمداوَى والذي

    لابد من موت يقطع ذا العرى
    صنع الدواء وباعه ومن اشترى



  3. #33
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــــة الـتجـاريّــــة



     وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا 
    فصاحة سحبانٍ وخط ابن مقلة
    إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس
    وحكمة لقمانٍ وزهد ابن أدهمِ
    ونوديْ عليه لا يباع بدرهمِ

    قال أبو ريال ، دينار بن مثقال : لا تصدق من قال : أكثر التجار فجار ، فقد رأيت منهم قوماً يتصدقون ، وفي سبيل الله ينفقون ، وعلى الفقراء يغدقون .
    قلنا : يا أبا ريال ، يا خير الرجال ، فما للتجار يبنون ما لا يسكنون ، ويدخرون ما لا يأكلون ، ما لهم على ربهم لا يتوكلون ؟ قال : هذا من البطر ، والترف والأشر ، ومن فعل ذلك فهو على خطر :
    ومن ينفق الساعات في جمع ماله

    مخافة فقر فالذي فعل الفقر


    قلنا : حدثنا عن التجار الصالحين ، والأغنياء المفلحين ، قال : يكفيك عثمان بن عفان ، أرضى بماله الرحمن ، وأرغم به الشيطان ، واشترى به الجنان ، جهز في غزوة تبوك الجنود ، وشرى بئر رومة من اليهود ، وله في سبيل الله مواقف وجهود .
    ولا تنسوا عبد الرحمن بن عوف ، الذي جمع بين الرجاء والخوف ، جاءته قافلة من الشام ، تحمل الطعام ، فقسمها على الأيتام ، واشترى بذلك دار السلام .
    قلنا : فقص علينا قصة التاجر الفاجر ، أميّة بن خلف ، الذي جعل الله ماله للتلف .
    قال يكفيكم : ويل لكل همزة لمزة ، الذي جمع مالاً وعدده ، يحسب أن ماله أخلده
    قلنا : فهل للتاجر الخاسر علامات ، وهل له سمات .
    قال : إذا رأيته يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويمسك نقده ، ويغضب ممن يجلس عنده
    قلنا : فلماذا بعض التجار ، يصاب بالضغط والسكر ، قال : لأنه في كل لحظة يفكر ، ولا يشكر ، ولا يذكر ، ومزاجه معكّر ، وخاطره مكدّر .
    ذكر الفتى عمْره الثاني وحاجته

    ما قاته وفضول العيش أشغال


    أمراض التجار : فقر الدم ، وكثرة الهم ، ودوام الغم .
    فأما فقر الدم : فمن قلة الغذاء ، لأنه مشغول عن الفطور والغداء ، غائب عن العشاء .
    وأما كثرة الهم : فلانشغال باله بالسندات ، وتعلقه بالشيكات ، وانصرافه إلى العقارات ، وتفكره في الواردات والصادرات .
    وأما دوام الغم : فلحرصه على الزيادة ، وتذكره أولاده وأحفاده ، فتذهب عنه السعادة ، ويشغل عن العبادة . وأحب أبواب العلم إلى التاجر البخيل ، باب الحث على الاقتصاد . وأثقل باب عليه باب الجود والأجواد .
    ثم قال : ولا تنس حديث : "ذهب أهل الدثور بالأجور" ، فهؤلاء أهل العمل المبرور ، والسعي المشكور ، والتجارة التي لا تبور ، وهم الذين بنوا المساجد ، لكل راكع وساجد ، وأطعموا الفقراء والمساكين ، وأسعفوا البؤساء والمحتاجين ، وبذلوا المال والطعام ، وكفلوا الأيتام ، فهم يجمعون الحسنات كل حين ، وتذكر حديث : (( لا حسد إلا في اثنتين )) .
    قلنا : فما أحسن المكاسب لمن أراد التجارة ، أهو البيع أم الإجارة ؟ أم المنصب والوزارة ؟ أم الزراعة والعمارة ؟
    قال : أما البيع فإذا سلم من الغش والكذب ، والخداع واللعب ، فهو أعظم سبب ، لنيل الفضة والذهب :
    لا تبع في السوق ديناً غالياً

    واحفظَنْ دينك من نار الكذبْ




    وأما المنصب : فنصب ، ووصب ، وتعب
    نصب المنصب أوهى جلدي


    يا عنائي من مداراة السفل


    وأما الإمارة فنعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة ، ويعترضها أمور قاصمة :
    يسرك أني نلت ما نال جعفر
    وأن أمير المؤمنين أغصّني
    من الملك أو ما نال يحيى بن خالد
    مغصّهما بالمرهفات البوارد

    وأما الزراعة ، فهي لأهل المسكنة والضراعة ، ويجتنبها أهل البراعة ، لأنها تعب وإجهاد ، وصدود عن الجهاد :
    إذا زرع القــوم النخيـل بأرضهم

    فزرعك أغلى من نخيل الفضائل


    وأما العمارة ، فتارة وتارة ، بين الربح والخسارة ، صادقة غدارة .
    يا عامـراً لخراب الدار مجتهدا

    بالله هل لخراب الدار عمران


    ولكن أحسن المكاسب ، معاملة الفتّاح الواهب ، فهو الرزاق ذو القوة المتين ، الذي لا يضيع عمل العاملين ، وإحسان المحسنين .
    فإذا رأيت الناس كنـزوا أموالهم في البنوك ، وأحرزوا عقارهم بالصكوك ، وأحاطوا حدائقهم بالشبوك . فاكنـز حسناتك في بنك الرحمن ، وأحرز عملك من الشيطان ، وأحط نيتك من البغي والعدوان . فمن صفّى من الحرام ديناره ، وعمر بالتقـوى داره ، وأكرم جاره . فقد أحسن معاملة مولاه ، وشكر ربه على ما أولاه .
    واعلم أن للتجارة آدابا ، وقد ذكر لها العلماء أسبابا ، وسوف أذكرها باباً بابا .
    فمنها الصدق في النطق ، واللطف بالناس والرفق .
    ومنها البكور ، والطيور في الوكور ، في سعي مشكور ، لطلب ما قسمه الغفور الشكور .
    ومنها السلامة من الربا ، فإنه وبا ، ومصاحبة الأمانة ، ومجانبة الخيانة ، وملازمة الصيانة ، وأداء زكاة العرض ، ومساعدة المحتاج بالصدقة والقرض ، يجد ثوابه يوم العرض
    وتحبيس الأوقاف ، على الفقراء الضعاف ، وإكرام الأضياف ، والمحافظة على أوقات الصلوات ، وإخلاص النية في الصدقات ، فمن فعل ذلك فهو مأجور مشكور ، وهو من أهل الدثور ، الذين ذهبوا بالأجور .
    واعلم أن الشحيح ، عمله قبيح ، والكريم له أجر عظيم ، ولا ساد إلا من جاد ، وبذل معروفه للعباد .
    واعلم أن من جعل ماله في صُرَّة ، ومنع بِرّه ، أخذه الموت على غِرّة .
    وقد عاصرنا تاجراً كريما ، كان فضله في الناس عميما ، كان في كل باب خيرٍ من المتبرّعين ، وعن الحرام من المتورّعين . فلما مات كان موته على الناس من أعظم الخطوب ، ترك جرحاً في القلوب .
    وعرفنا تاجراً بخيلا ، عاش طويلا ، كان من ماله في حياته محروما ، وذهب وترك ماله مذموما ، فلا انتفع بماله في دنياه ، ولا قدم منه لأخراه ، وقد مات غريبا ، ومن ماله سليبا ، حتى تصدق عليه بعض الناس بكفن ، وصارت هذه آية لأهل الفطن .
    وقد قال المختار : (( تعس عبد الدينار )) ، لأنه يهدي صاحبه إلى النار .كما أن الدرهم قد يدور بالهم ، والذهب قد يوصل إلى لهب ، والفلوس قد تذهب بالنفوس .
    وختم أبو ريال المقال ، بعد أن تحدث عن المال ، فقال :
    الله أعطاك فابذل من عطيته

    فالمال عاريّة والعمْر رحالُ

    المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه

    يأسـن وإن يجـرِ يعـذب منه سلسالُ

  4. #34
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَــــة الـمتنـبي



    (( شـاعـر الدنيــا وشـاغـل الناس ))
    لقيت أبا الطيب أحمد بن الحسين ، بعد بضع سنين ، وهو من الشعراء المحسنين .
    فكلما سألنا عن الأخبار ، أجاب بالأشعار :
    قلنا : من أنت ؟
    قال : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبـي


    وأسـمعت كلماتي من به صممُ


    الخيل والليل والبيـداء تعرفني

    والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ


    قلنا : أما ترى السفهاء ، ينالون العظماء .
    قال : وإذا أتتك مذمتي من ناقص


    فهي الشهادة لي بأني كامل



    قلنا : نراك تعبت في طلبك للمجد .
    قال : جزى الله المسير إليك خيرا

    وإن ترك المطايا كالمـزاد


    قلنا : أما ترى أن المجد يتعب ؟
    قال : لولا المشقة سادَ الناس كلهمو


    الجود يفقر والإقدام قتال


    قلنا : نرى السلف يتأثرون عند سماع القرآن ونحن لا نتأثر ؟
    قال : لا تعذل المشتاق في أشواقه

    حتى يكون حشاك في أحشائه



    قلنا : نرى المنافق أحياناً يبكي ؟
    قال :
    إذا اشتبكت دموع في خدود

    تبين من بكى ممن تباكى


    قلنا : نرى واحداً من الناس يعادل أمة في الفضل ؟
    قال : وإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم

    فإن المسك بعض دم الغزال



    قلنا : نرى لك حسّاداً كثيرين ؟
    قال : أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني

    فلا أعاتبه صفحاً وإهوانا


    قلنا : بعض الناس غلب عليه سوء الظن ؟
    قال : إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

    وصدق ما يعتاده من توهم


    قلنا : القوميّون العرب يهددون إسرائيل من خمسين سنة ؟
    قال : وإذا مـا خـلا الجـبــان بأرض

    طلـب الطعـن وحـده والنـزالا


    قلنا : نعرف أغنياء ألسنتهم سخيّة وأيديهم بخيلة .
    قال : جود الرجال من الأيدي وجودهمو

    من اللسـان فلا كانـوا ولا الجودُ


    قلنا : من يتأمل الشريعة يملكه حبها .
    قال : وما كنت ممن يملك الحبُّ قلبَه

    ولكن من ينظر عيونك يعشقِ




    قلنا : نسمع لأعداء الإسلام شبهات يثيرونها عنه ؟
    قال :
    ولله سِرٌّ في علاك وإنما

    كلام الورى ضرب من الهذيان


    قلنا : ما رأيكم في الدنيا ؟
    قال : لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب
    فكل بعيد الهم فيها معذب


    قلنا : والمال ؟
    قال : إذا المال لم يرزق خلاصاً من الأذى

    فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا


    قلنا : بعضهم يستطيع أن يكون أفضل فلا يفعل ؟
    قال : ولم أر في عيوب الناس عيباً

    كنقص القادرين على التمامِ


    قلنا : عرفنا من تمنى الموت لسوء حاله .
    قال : كفا بك داءً أن ترى الموت شافيا


    وحسب المنايا أن يكن أمانيا


    قلنا : بعضهم لا يتأثر بالنقد .
    قال : من يهن يسهل الهوان عليه

    ما لجرح بميّت إيلام


    قلنا : نحن نردد اسم الرسول  ولو قصرنا في العمل بسنته .
    فقال : نحن أدرى وقد سألنا بنجد

    أطويل طريقنا أم يطولُ

    وكثير من السؤال اشتياق

    وكثير من ردِّه تعليلُ




    قلنا : بُلينا بمثقفين عندهم ألقاب بلا حقيقة .
    قال :
    أُعيذها نظراتٍ منك صادقةً

    أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم


    قلنا : أظنه لابد من مجاملة بعض الناس في هذه الحياة .
    قال : ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
    عـدوّاً له ما من صـداقتـه بُدُّ
    قلنا : كان للعلماء قدر عند الناس واليوم جُهِل قدرهم .
    قال : أتى الزمانَ بنوه في شبيبته

    فسره وأتيناهُ على هرم


    قلنا : نرى العظماء لا يبالون بالمصاعب .
    قال : إذا اعتاد الفتى خوض المنايا

    فأهـون ما يمر به الوحولُ


    قلنا : بعض الناس يستفيد من نكبات الآخرين .
    قال : كذا قضت الأيـام ما بين أهلهـا

    مصائب قوم عند قوم فوائد


    قلنا : ما رأيك في الزمان .
    قال : ربما تحسن الصنيع لياليـ

    ـه ولكن تكدر الإحسانا


    قلنا : والمـوت .
    قال : الموت آتٍ والنفوس نفائس

    والمستغر بما لديه الأحمق


    قلنا : الذين ينكرون الحقائق .
    قال : وكيف يصح في الأذهان شيء

    إذا احتاج النهار إلى دليل


    قلنا : ومن خير جليس ؟

    قال :
    أعز مكان في الدنا سرج سابح

    وخير جليس في الأنام كتابُ


    قلنا : هل الرأي أفضل أو الشجاعة ؟
    قال : الرأي قبل شجاعة الشجعان
    هو أولٌ وهي المحل الثاني



    قلنا : ما أحسن وسيلة لقضاء الحاجات ؟
    قال : من اقتضى بسوى الهندي حاجتَه

    أجاب كل سؤالٍ عن هلٍ بلمِ


    قلنا : أراك تجامل الناس
    قال : ولما صار ود الناس خبا

    جزيت على ابتسام بابتسامِ


    قلنا : وكيف حالك الآن ؟
    قال : وحيد من الخلان في كل بلدة

    إذا عظم المطلوب قل المسـاعـد


    قلنا : نراك تسرف في المديح أحيانا .
    قال : وقد أطال ثنائي طول لابسه

    إن الثناء على التِّنبال تنبالُ


    قلنا : نراك أحياناً لا تصل لمقصودك .
    قال : ما كل ما يتمنى المرء يدركه

    تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ



    قلنا : متى تزور أحبابك ؟
    قال : أزورهم وظلام الليل يشفع لي

    وأنثني وبياض الصبح يغري بي


    قلنا : ما رأيك في شعرك ؟
    قال :
    وما الدهـر إلا من رواةِ قصائـدي

    إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا


    قلنا : ما رأيك في اللئام ؟
    قال : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
    وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا


    قلنا : ما رأيك في الناس ؟
    قال : إنا لفي زمن ترك القبيح به

    من أكثر الناس إحسانٌ وإجمالُ


    قلنا : نراك تحسن القول ولا تعطي شيئاً .
    قال : لا خيل عندك تهديها ولا مال

    فليسعد النطق إن لم تسعد الحالُ


    قلنا : بعضهم يسهر على اللهو وبعضهم على العبادة .
    قال : ما الذي عنده تدار المنايا

    كالـذي عنده تدار الشمولُ



    قلنا : ما رأيك في أهل العشق ؟
    قال : تفنى نفوسهمو شوقاً وأدمعهم

    في إِثر كل قبيح وجهه حسنُ


    قلنا : ماذا تقول في مقام الرسول  ؟
    قال : إذا تغلغل فكر المرء في طرف

    من مجده غرقت فيه خواطره


    قلنا : لماذا عاداك حسادك ؟
    قال : أعادى على ما يوجب الحب للفتى

    وأهدأ والأفكار فيّ تجولُ


    قلنا : يسيء لنا بعض الناس فنستفيد من إساءتهم ؟
    قال :
    رب أمر أتاك لا تحمد الفُعَّا

    ل فيه وتحمد الأفعالا


    قلنا : بعض العداوة نافعة .
    قال : ومن العداوة ما ينالك نفعه

    ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ


    قلنا : بماذا عاقبت حسادك ؟
    قال : إني وإن لُمت حسّادي فما

    أنكر أني عقوبة لهمُ



    قلنا : ما أحسن الحلل الملبوسة ؟
    قال : ورفلت في حلل الثناء وإنما

    عدم الثناء نهاية الإعدامِ



    قلنا : ما أحسن ما خلّف الإنسان بعد موته ؟
    قال : كفل الثناء له برد حياته

    لما انطوى فكأنه منشورُ



    قلنا : بعضهم يكثر من الحلف ؟
    قال : وفي اليمين على ما أنت واعده
    ما دل أنك في الميعاد متهمُ



    قلنا : من أحق الناس بالمجد ؟
    قال : أحقهمو بالمجد من ضرب الطلى

    وبالأمـر من هانت عليه الشدائد


    قلنا : ما الأمن والخوف ؟
    قال : وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى

    وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا


    قلنا : نحن بين خوف ورجاء .
    قال : وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه

    وفي الهجر فهو الدهـر يرجو ويتقي



    قلنا : بلينا والدهر ما بَلي .
    قال :
    إذا ما لبست الدهـر مسـتمتعاً به

    تخرقت والملبوس لم يتخرقِ


    قلنا : نحن نحاول كتم مشاعرنا فما نستطيع .
    قال : بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا

    وبكاك إذ لم يجر دمعك أو جرى

    قلنا : بعضهم يضع من علماء الإسلام .
    قال : من كان فوق محل الشمس موضعه

    فليس يرفعه شيء ولا يضعُ



    قلنا : ما وصف من أراد العلياء ؟
    قال : كثير سهاد العين من غير علة

    يؤرقه فيما يشرفه الفكر


    قلنا : تزداد همتنا عند قراءة سير السلف ؟
    قال : فلا تسمعاه ذا المديح فإنه

    شجاع متى يذكر له الطعن يشتقِ


    قلنا : أظنه لا يُهرب من المـوت ؟
    قال : نعد المشرفية والعوالي

    وتقتلنا المنون بلا قتالِ


    قلنا : بعضهم لا يرضى إلا بالمحل العالي .
    قال : على قدر أهل العزم تأتي العزائم

    وتأتي على قدر الكرام المكارم



    قلنا : ما رأيك في الحمَّى ؟
    قال : وزائرتي كأن بها حياءً

    فليس تزور إلا في الظلام


    قلنا : والفراق ؟
    قال :
    لولا مفارقة الأحباب ما وجدت

    لها المنايا إلى أرواحنا سبلا


    قلنا : صف لنا نفسك ؟
    قال : خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا

    لفارقت شيبي مُوجَع القلب باكيا


    قلنا : أما ترى فصاحة بعض الناس ؟
    قال : إذا سمع الناس ألفاظه

    خلقن له في القلوب الحسد


    قلنا : ما أحسن صفات المتقي لربه ؟
    قال : عليك منك إذا أُخليتَ مرتقبٌ

    لم تأت في السر ما لم تأت إعلانا


    قلنا : بعضهم يخشع ظاهره فحسب ؟
    قال : وإطراق طرف العين ليس بنافـع

    إذا كان طرف القلب ليس بمطرقِ


    قلنا : ما أجمل كلام ؟
    قال : فهو المُشيَّع بالمسامع إن مضى

    وهو المضاعف حسنه إن كُرّرا


    قلنا : هل للموت من طبيب ؟
    قال : وقد فارق الناس الأحبة قبلنا

    وأعيا دواء الموت كل طبيب


    قلنا : الناس اختلفوا في معاني أبياتك ؟
    قال : أنام ملء جفوني عن شواردها

    ويسهر الناس جرّاها ويختصمُ


    قلنا : أُدميت قدما رسول الله  لما عاد من الطائف فما تعليقكم ؟
    قال :
    إن كان سركمو ما قال حاسدنا

    فما لجرح إذا أرضاكمو ألم


    قلنا : أما ترى سب المنافقين لأهل الدين ؟
    قال : ما أبعد العيب والنقصان من شرفي

    أنا الثريا وذان الشيب والهرمُ


    قلنا : نحن نطمع في لقاء رسولنا  في الآخرة .
    قال : وما صبابة مشتاق على أمل

    من اللقاء كمشتاق بلا أمل


    قلنا : عندنا شريعة فهل نضيف إليها تجارب الآخرين .
    قال : خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به

    في طلعة البدر ما يغنيك عن زحلِ


    قلنا : ماذا تقول لو طلب منك وصف الرسول  ؟
    قال : الشمس من حساده والنصر من
    أين الثلاثة من ثلاث خلاله
    مضت الدهور وما أتين بمثله
    قرنائه والسيف من أسمائه
    من حسنه وإبائه ومضائه
    ولقد أتى وعجزن عن نظرائه

    قلنا : هل لحسد الحاسد من دواء ؟
    قال : سوى وجع الحساد داو فإنه
    ولا تطمعَنْ من حاسد في مودة
    إذا حل في قلب فليس يحول
    وإن كنت تبديها له وتنيل

    قلنا : لمن يكتب النصر ؟
    قال : لمن هوَّن الدنيا على النفس ساعة
    وللبيض في هـام الكماة صليل



    قلنا : لو عدت شيخ الإسلام وهو مريض فماذا تقول ؟ قال : كنت قلت :
    المجد عوفي إذ عوفيت والكرم
    صَحَّت بصحتك الغارات وابتهجت
    وراجع الشمس نور كان فارقها
    وما أخصك في برء بتهنئة
    وزال عنك إلى أعدائك الألم
    بها المكارم وانهلت بها الديم
    كأنما فقده في جسمها سقم
    إذا سلمت فكل الناس قد سلموا

    قلنا : بعض الناس يتقدم إلى المعالي بشجاعة ؟
    قال : هو الجد حتى تفضل العين أختها
    وحتى يكون اليوم لليوم سيّدا

    قلنا : كيف نعاقب الأحرار إذا أخطؤوا ؟
    قال : وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو
    ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

    قلنا : هل تصلح الشدة مكان اللين والعكس ؟ قال :
    ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
    مضر كوضع السيف في موضع الندى

    قلنا : ماذا تقول لحبيبك لو مرض .
    قال : وإذا صح فالزمان صحيح
    وإذا اعتل فالزمان عليل

    قلنا : أما تخشى أن يشوه الإسلام من قبل بنيه .
    قال : وكيف تعلّك الدنيا بشيء
    وأنت بعلّة الدنيا طبيب

    قلنا : ألا ترى كيف تقلب بنا الزمان .
    قال : وصرنا نرى أن المتارك محسن
    وأنّ خليلاً لا يضر وصولُ

    قلنا : نشكو قلة الإنصاف من أهل زماننا .
    قال : ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة

    بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم

    قلنا : أحياناً نشكو ما بنا إلى الأصحاب .
    قال : ولا تَشَكَّ إلى خلقٍ فتشمته


    شكوى الجريح إلى الغربان والرخم

    قلنا : كيف نعامل الناس ؟
    قال :
    وكن على حذر للناس تستره
    غاض الوفاء فما تلقاه في عدة
    ولا يغرك منهم ثغر مبتسمِ
    وأعوز الصدق في الأخبار والقسمِ

    قلنا : هل يشعر الناقصون بنقصهم ؟
    قال : كدعواك كلٌّ يدّعي صحة العقل

    ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهلِ

    قلنا : معنا علماء بين أظهرنا ونرى الناس لا يستفيدون منهم .
    قال : وليس الذي يتبّع الوبل رائداً
    كمن جاءه في داره رائد الوبل

    قلنا : خلاصة تجربتك مع الناس ما هي ؟
    قال : ومن عرف الأيام معرفتي بها
    فليس بمرحوم إذا ظفروا به
    وبالناس روى رمحه غير ظالم
    ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

    قلنا : هل تحب الهدية ممن تحب ؟
    قال : وما أنا بالباغي على الحب رشوة
    ضعيف هوىً يبغي عليه ثوابا

    قلنا : هل من رسالة ؟
    قال : يا من يعز علينا أن نفارقهم

    وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ


    قلنا : وداعاً .
    قال : رحلت فكم باك بأجفان شادنٍ

    عليّ وكم باك بأجفان ضيغم


    قلنا : لا تبك على فراقنا .
    قال : قد كنت أشفق من دمعي على بصري

    فاليـوم كل عزيز بعدكم هانا

  5. #35
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــــة الـشـِّفـائـيـــة



     وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 
    (( طهــور إن شــاء الله ))
    مرض الحبيب فزرته
    وأتى الحبيب يزورني
    فمرضت من خوفي عليه
    فشفيت من نظري إليه

    أيها المريض ، على السرير العريض ، طهور ما أصابك ، وكفارة ما نابك ، والله قد أجابك . مع كل ونّة ، نسيم من الجنة ، ومع كل رنة ، بشرى من السنة .
    بشر المريض بعافية ، أو رحمة وافية ، أو كفّارة كافية ، أو نفحة من الله شافية :
    تموت النفوس بأوصابها

    ولم يدر عوادها ما بها

    وما أنصفت مهجة تشتكي

    أذاها إلى غير أحبابها


    أيها المرضى لا تكونوا يائسين ، أو أَسِفين ، وردّدوا : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.
    بقي أيوب ، في البلايا والخطوب ، ماله مسلوب ، وجسمه منكوب ، فنادى علام الغيوب ، أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  ، فعاد من السالمين الغانمين .
    بشر من أصابه الوصب والنصب ، بقصور في الجنة من قصب ، إذا صبر واحتسب.
    لا تقل : آه ، ولكن قل : يا الله .
    كيف أشكو إلى طبيبي ما بي

    والذي قد أصابني من طبيبي

    إذا أصابك جرح ، فلا تقل أح ، لأن الصبر يقول هذا ما يصح ، ولا يستحق من شكا المدح . سبحان من أحبك فابتلاك ، ليسمع نجواك ، وليصعد إليه بكاك ، وترتفع إليه شكواك .
    نحن ما زلنا على العهد ولو
    كلما ذقنا من الهجر لظىً
    قطعت منا على العهد رؤوس
    أشرقت في حب مولانـا النفوس

    هنيئاً لك أنت على سرير التطهير ، وعلى كرسي التكفير ، ترعاك عناية اللطيف الخبير .
    الرحمة عليك تهبط ، والخطايا تسقط ، أدخلك الكير ، لتخرج ذهبا ، إذا سلب ما أعطى فطالما وهبا ، واعلم أنه يدخر لك أجراً عجيبا ، وثواباً طيبا .
    ما دام أنك منكسر القلب ، ملقىً على جنب ، فأنت قريب من الرب ، لا يغرنك المنافق فهو عير على شعير ، وبعير على شفا بير ، تأتي ضربته قاصدة ، ونفسه جامدة ، وروحه جاحدة ، فهو كشجرة الأَرْزة ، منتصبة ، متصلبة ، وفي لحظة وإذا هي متقلبة .
    أما أنت يا مؤمن فأنت كالخامة مع ريح الشمال ، مرة من يمين ومرة من شمال ، لأنك شجرة جمال وجلال .
    والله لو أحرقوني في الهوى حمما
    منكم دوائي ودائي صرت عبدكمو
    ما اخترت غيركمو في الكون إنسانا
    أرى بلاءكمو في الجسم إحسانا

    يا أيها المسلم المبتلى ، حظك اعتلى ، وثمنك غلا ، وغبار المعصية عنك انجلى .
    والله إنك أحب إلى ربك من المنافق السمين ، والفاجر البطين ، والعاصي الثخين ، كما أخبر الصادق الأمين .
    المنافق كالخروف ، يسمن للضيوف ، ثم يذبح بسكين الحتوف .
    والمؤمن جواد يضمّر ، ليقطع السير المقدّر ، ويصل إلى المحل الموقّـر .
    ألا بلغ الله الحمى من يريده
    وجازاك ربي أيها الداء نعمة
    وبلّغ أطراف الحمى من يريدها
    فقد حرّك الأشواق منك بريدها

    دع الشحم يذوب ، وتذهب الذنوب ، وتخشع النفس وتتوب ، ويعود القلب عودة حميدة ، وترجع الروح رجعة مجيدة .
    يا أهل الأسِرّة البيضاء ، هنيئاً لكم هذا البلاء ، وأبشروا بالشفاء . أو بمغفرة تغسل الأخطاء ، ورحمة أعظم من الدواء .
    المرض يذهب الكبر والبطر ، والعجب والأشر ، لأن الرزايا إلى الجنة مطايا ، والبلايا من الرحمن عطايا ، وإلى رضوانه مطايا ، ابتلاك بالأسقام ، ليغسل عنك الآثام .
    فافرح لأنه رشحك للعبوديّة ، لأن البلاء طريقة محمديّة ، يبتلى الناس الأمثل فالأمثل ، والأفضل فالأفضل ، والأكمل فالأكمل .
    إذا أحب الله قوماً ابتلاهم ، وطهّرهم وجلاّهم
    إنْ كان سركمو ما قال حاسدنا

    فما لجرح إذا أرضاكمـو ألـمُ

    كان رسولنا  يوعك كما يوعك رجلان ، لأنه حبيب للرحمن ، كامل الإيمان ، تام الإحسان .
    مرض عمران بن الحصين ، الصحابي الأمين ، ثلاثين عاما ، حمل فيها أسقاما ، وذاق آلاما ، فقال له أصحابه ، وطلب منه أحبابه ، أن يدعو ربَّه ليكشف كربه ، قال : كلا أحبه إليّ أحبه إلى ربي ، ولعله يغفر ذنبي .
    وكانوا يفرحون بالبلية ، ويعدونها عطية ، ونفوسهم بمواقع القدر رضيـة ، ويرون المحنة منحة ، والترحة فرحة ، لأنهم تعرفوا على الخالق ، فعرفهم الحقائق .
    لعلَّ عتبك محمود عواقبه

    فربمــا صحـت الأجسـام بالعـلل

    اصبر على مرارة دواء المصيبة ، لترى أحوالاً عجيبة ، فعافيتك قريبة ، والرِّضا بمُرِّ القضا ، ولو على جمر الغضى ، وحرّ اللّظى .
    اسجد على الجمر في مرضاة مولاكا

    إياك أن تشتكي في الحبِّ إيَّاكا

    بوّابةُ البلاء ، لا يدخلها إلاّ الأولياء ، ويرد عنها الأدعياء ، واسأل عن ذلك تاريخ الأنبياء . البلاء أعظم لأجرك ، إذا قوي أيوب صبرك ، تريد الجنة بلا ثمن ، وأنت ما مرضت من زمن ، وفي غفلة العافية مرتهن .
    المرض صيحة تفتح الأسماع والأبصار ، وتذكر الأبرار ، وتنفض عن الصالحين الغبار ليكونوا من الأطهار الأخيار .
    إذا ابتلى الله العبد بالسقم ، وسلّط عليه الألم ، ثم شافاه مَنَّ عليه بلحم ودم ، وما شاء من نعم ، وإن توفاه غفر له ما تأخر وما تقدم ، من الذنب واللمم .
    إذا مرضت ذهب الظمأ بالغفران ، وابتلت العروق بالرضوان ، وثبت الأجر عند الديّان ، وهذّب القلب من الكبر والطغيان .
    كلا إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى ، وإلى زينة الدنيا يصغى ، فعلم الله أن تهذيبه في تعذيبه ، وتقريبه في تأديبه . كلما ضرب العبد سوطا ، عاد إلى الله شوطا :
    يا نائماً فوق السـريـر ممرضاً

    مرت على آلامه أعوامُ

    أبشـر فإن الله زادك رفعة


    في كل مكروه أتى إكرامُ

    هذا المرض حماك من فعلة شنعاء ، ووقاك من داهية دهياء ، وكَفّر عنك آثار الفحشاء ، ورفرفت به روحك من الأرض إلى السماء .
    بالمرض يجول القلب في سماء التوحيد ، وتطير الروح في فضاء التجريد ، ويغسل البدن بماء الإنابة ، ويفتح الله للمريض بابه ، ويسارع إليه بالإجابة .
    عند المريض رسالة من ربه ، كتبت حروفها في قلبه ، فحواها : أحببناك فأدبناك ، وبالمرض قربناك ، وبالبلاء هذبناك .
    ويقبح من سواك الفعل عندي

    وتفعله فيحسن منك ذاكا

    إبل الهدي تتقدم شوقاً للرسول  وبيده الحربة ، تنتظر منه الضربة ، لتذوق حلاوة الألم ، من كف سيد الأمم ، وأنت تتبرم بالبلاء ، وهو عتاب من رب الأرض والسماء :
    وقلتم معاذ الله أن يصرف الهوى

    لغيركمو مهما حملتم لنا عتبا

    فها نحن عاتبناكمو فإذا الهوى

    يخون وصرتم بعد هذا الهوى غضبى

    أيها المريض : أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يشفيك .

  6. #36
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــــة الـرمـضـانـيّـــة



     شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 
    (( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجـر إن شاء اللـه ))

    مرحباً برمضان ، شهر التوبة والرضوان ، شهر الصلاح والإيمان ، شهر الصدقة والإحسان ، ومغفرة الرحمن ، وتزين الجنان ، وتصفيد الشيطان .
    مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام
    فاغفر اللهم ربي ذنبنا
    يا حبيباً زارنا في كل عام
    ثم زدنا من عطاياك الجسام

    هذا شهر العتق والصدق والرفق ، رقاب تعتق ، ونفوس ترفق ، وأياد تتصدق ، باب الجود في رمضان مفتوح ، والرحمة تغدو وتروح ، والفوز ممنوح ، فيه ترتاح الروح ، لأنه شهر الفتوح ، هنيئاً لمن صامه ، وترك فيه شرابه وطعامَه ، وبشرى لمن قامَه ، واتبع إمامَه . القلب يصوم في رمضان ، عن اعتقاد العصيان ، وإضمار العدوان ، وإسرار الطغيان .
    والعين تصوم عن النظر الحرام ، فتغض خوفاً من الملك العلام ، فلا يقع بصرها على الآثام . والأذن تصوم عن الخنا ، واستماع الغنا ، فتنصت للذكر الحكيم ، والكلام الكريم . واللسان يصوم عن الفحشاء ، والكلمة الشنعاء ، والجمل الفظيعة ، والمفردات الخليعة ، امتثالاً للشريعة . واليد تصوم عن أذية العباد ، ومزاولة الفساد ، والظلم والعناد ، والإفساد في البلاد. والرِجل تصوم عن المشي إلى المحرّم ، فلا تسير إلى إثم ولا تتقدّم .
    والله ما جئتكمو زائراً
    ولا انثنت رجلي عن بابكم
    إلا وجدت الأَرض تُطوى لي
    إلا تعثرت بأذيالي

    أما آن للعصاة أن ينغمسوا في نهر الصيام ، ليطهروا تلك الأجسام ، من الآثام . ويغسلوا ما علق بالقلوب من الحرام .
    أما آن للمعرضين أن يدخلوا من باب الصائمين ، على رب العالمين ، ليجدوا الرضوان في مقام أمين .
    إن رمضان فرصة العمر السانحة ، وموسم البضاعة الرابحة ، والكفة الراجحة ، يوم تعظم الحسنات ، وتكفّر السيئات ، وتُمحى الخطيئات .
    إن ثياب العصيان آن لها أن تخلع في رمضان ، ليلبس الله العبد ثياب الرضوان . وليجود عليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان .
    إن مضى بيننا وبينك عتب
    فالقلوب التي تركت كما هي
    حين شطت عنا وعنك الديارُ
    والدموع التي عهدت غزارُ

    في رمضان كانت فتوحاتنا ، وإشراقاتنا ، وغزواتنا ، وانتصاراتنا .
    في رمضان نزل ذكرنا الحكيم ، على رسولنا الكريم ، وهو سر مجدنا العظيم .
    في رمضان التقى الجمعان ، جمع الرحمن وجمع الشيطان ، في بدر الكبرى يوم رجح ميزان الإيمان ، ونسف الطغيان ، وانهزم الخسران . في رمضان فتحت مكة بالإسلام ، وتهاوت الأصنام ، وارتفعت الأعلام ، وعلم الحلال والحرام .
    في رمضان كانت حطين العظيمة ، يوم انتصرت رايات صلاح الدين الكريمة ، وارتفعت الملة القويمة ، وصارت راية الصليب يتيمة .
    صيام النفس في رمضان عزوف عن الانحراف ، والانصراف والإسراف والاقتراف ، فالنفس تعلن الرجوع ، والقلب يحمل الخشوع ، والبدن يعلوه الخضوع ، والعين تجود بالدموع .
    لشهر رمضان وقار فلا سباب ، ولا اغتياب ، ولا نميمة ، ولا شتيمة ، ولا بذاء ، ولا فحشاء ، وإنما أذكار واستغفار ، واستسلام للقهار ، فالمسلمون في رمضان كما قيل :
    هينون لينون أيسـار بنو يُسْرٍ
    لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا
    أهل العبادة حفاظون للجارِ
    ولا يمارون إن ماروا بإكثارِ

    مردة الشياطين في رمضان تصفد بالقيود ، فلا تقتحم الحدود ، ولا تخالط النفوس في ذلك الزمن المعدود .
    إذا سابّك أحد في رمضان فقل إني صائم ، فليس عندي وقت للخصام ، وما عندي زمن لسيء الكلام ، لأن النفس خطمت عن الخطيئة بخطام ، وزمّت عن المعصية بزمام .
    إذا قاتلك أحد في رمضان فقل إني صائم فلن أحمل السلاح ، لأنني في موسم الصلاح ، وفي ميدان الفلاح ، وفي محراب حي على الفلاح .
    اغسل بنهر الدمع آثار الهوى
    تنسى الذي قد مر من أحزانِ

    كان السلف إذا دخل رمضان ، أكثروا قراءة القرآن ، ولزموا الذكر كل آن ، ورقعوا ثوب التوبة بالغفران ، لأنه طالما تمزق بيد العصيان .
    هذا الشهر هو غيث القلوب ، بعد جدب الذنوب ، وسلوة الأرواح بعد فزع الخطوب .
    رمضان يذكرك بالجائعين ، ويخبرك بأن هناك بائسين ، وأن في العالمين مساكين ، لتكون عوناً لإخوانك المسلمين .
    فرحة لك عند الإفطار ، لأن الهم ذهب وطار ، وأصبحت على مائدة الغفار ، بعد أن أحسنت في النهار .
    وفرحة لك عند لقاء ربك ، إذا غفر ذنبك ، وأرضى قلبك .
    بعض السلف في رمضان لزم المسجد ، يتلو ويتعبد ، ويسبح ويتهجد .
    وبعضهم تصدق في رمضان بمثل ديته ثلاث مرات ، لأنه يعلم أن الحسنات ، يذهبن السيئات . وبعضهم حبس لسانه عن كل منكر ، وأعملها في الذكر ، وأشغلها بالشكر .
    هذا شهر الآيات البينات ، وزمن العظات ، ووقت الصدقات ، وليس لقراءة المجلات ، والمساجلات ، وقتل الأوقات ، والتعرض للحرمات .
    سلام على الصائمين إذا جلسوا في الأسحار ، يرددون الاستغفار ، ويزجون الدمع المدرار . وسلام عليهم إذا طلع الفجر ، وطمعوا في الأجر ، تراهم في صلاتهم خاشعين ، ولمولاهم خاضعين .
    وسلام عليهم ساعة الإفطار ، بعد ذلك التسيار ، وقد جلسوا على مائدة الملك الغفار ، يطلبون الأجر على عمل النهار .
    سبحان من جاعت في طاعته البطون ، وبكت من خشيته العيون ، وسهرت لمرضاته الجفون ، وشفيت بقربه الظنون .
    ما أحسن الجوع في سبيله ، ما أجمل السهر مع قيلة ، ما أبرك العمل بتنـزيله ، ما أروع حفظ جميلة .
    لها أحاديث من ذكراك تشغلها
    لها بوجهك نور تستضيء به
    إذا تشكت كلال السير أسعفها

    عن الطعام وتلهيها عن الزاد
    ومن حديثك في أعقابها حادي
    شوق القدوم فتحيا عند ميعاد

    شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هداية للبشرية ، وصلاحاً للإنسانية ، ونهاية للوثنية . القرآن حيث أصلح الله به القلوب ، وهدى به الشعوب ، فعمت بركته الأقطار ودخل نوره كل دار .
    سمعتك يا قرآن قد جئت بالبشرى

    سريت تهز الكون سبحان الذي أسرى




  7. #37
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــــة الأَخباريّـــة



     تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ 
    بينا ترى الإنسان فيها مخبراً
    طبعت على كدر وأنت تريدها
    ألفيته خبراً من الأخبارِ
    صفواً من الأقذار والأكدارِ

    هذه أخبار الموحدين ، من أنباء الأنبياء والمرسلين ، وعباد الله الصالحين، من إذاعة إياك نعبد وإياك نستعين .
    إليكم موجـز الأنبـاء :
    • إبراهيم الخليل ينجو من النار ، بقدرة العزيز الجبار .
    • يوسف يلتقي بأبيه يعقوب بعد غياب طويل ، وصبر جميل .
    • موسى الكليم يضرب البحر بالعصى فينفلق ، وينجو من الغرق .
    • محمد  يعلن التوحيد ، الذي هو حق الله على العبيد .
    • في بدر : هزيمة ساحقة ماحقة للكفار ، وانتصار المهاجرين والأنصار .
    • انتصار المسلمين في القادسيّة ، على الجيوش الفارسيّة .
    • عمر بن الخطاب ، يقع شهيداً في المحراب .
    • عثمان بن عفان ، يقتل وهو يقرأ القرآن .
    • علي بن أبي طالب يستشهد في المسجد ، وهو يتعبد .
    • خالد بن الوليد ، وكتائب التوحيد ، تهزم جيش الروم العنيد .
    كان هذا هو الموجـز وإليكم تفصيل الأنبـاء :
    - وضع إبراهيم الخليل في المنجنيق ، ورمي به إلى الحريق ، فنادى الخليل ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، فقال للنار كوني برداً وسلاما ، فنجا إبراهيم وصار للناس إماما ،لأن ماء الإيمان ، يطفئ لهيب النيران ، ولما رأى إبراهيم النار المحماة ، نادى لسان الحال يا الله ، فتولاه مولاه ، وكفاه وحماه ، وأنقذه ونجاه ، وهذا يدلك على أن حسبنا الله ونعم الوكيل ، أقوى من كل خطب جليل ، وكرب ثقيل ، وخطر وبيل ، لأن من معه الله فمعه القوة التي لا ترام ، والعزة التي لا تضام ، والعروة التي ليس لها انفصام ، فأخلص له الطلب ، وقم بما يجب ، ترى العجب .
    - يوسف يلقى أباه يعقوب ، بمصر بعد أن كاده إخوانه وألقوه في غيابة الجب ، وبيع في مصر وحبس بضع سنين فشرد عن الأهل وأبعد عن الوالد ، وأصبح في حكم المفقود الفاقد ، والمشرد الشارد ، في بلاد غربة ، وحالة كربة ، وتعرضت له امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله ذا الجلال ، فنصره الله النصر العزيز ، وسخر له العزيز ، وأصبح على خزائن مصر ، إمام العصر ، وسلطان القصر ، وجمع الله له أبويه لديه ، وسلموا عليه ، وجمع الشمل ، وظهر الفضل ، وتمت الأفراح ، وزالت الأتراح ، جزاء الصبر ، وطاعة الأمر ، وكانت العاقبة للتقوى ، لأن حزب الله هو الأقوى ، فعفا يوسف عما بدر من إخوانه ، فكان مضرب المثل في الحلم لأهل زمانه ، ونسي ما مضى ، لأنه ذهب وانقضى ، فطاب الاجتماع بعد الانقطاع ، وحصل الوئام بعد الانفصام ، وتمت النعمة وزالت النقمة .
    - خرج موسى وفي قلبه إياك نعبد وإياك نستعين ، فلما صار وراءه فرعون اللعين ، نادى موسى : كلا إن معي ربي سيهدين ، فأنجى الله موسى ومن معه من المؤمنين ، وعفّر أنف فرعون في الطين ، لأن فرعون قال : ما علمت لكم من إله غيري وهو كذاب ، فأراه الله أن أنف الدعي يمرغ في التراب ، وكان المخذول يقول: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي وما أجراه ، يفتخر بنهر ما أجراه ، فأجرى الله الماء من على رأسه وأخزاه .
    - بعث في مكة رسول الهداية ، ومبعوث العناية ، فكان التوحيد عنده البداية ، هتف به في النائمين ، وأعلنه في العالمين ، فلا إله إلا الله أي نبأٍ عبر الأقطار ، وأي خبر شق الأمصار ، سابقت الفجر كتائبه ، وأخجلت الغيث سحائبة ، أعاد الفطرة إلى سيرتها على التوحيد ، وأحيا النفوس من رقدتها الكبرى إلى نهار الدين الجديد ، ففتح الله به الأسماع والأبصار ، وبشر بالجنة وحذر من النار .
    - وقعت غزوة بدر ، الفاصلة بين الإسلام والكفر ، حيث الباطل سُحق ، والزور مُحق في بدر نزل جبريل ، على الرسول الجليل ، فانهار جيش الكفر الذليل . الملائكة مع الصحابة تقاتل ، وفي صف المؤمنين تنازل ، لقد اشتركت السماء مع الأرض في القتال ، فكان النصر من نصيب الحق ولا يزال ، في بدر صنعت ملاحم الفداء ، ونسجت بردة الوفاء ،  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ
    - قتل عمر بن الخطاب ، في المحراب ، طعنه أبو لؤلؤة النجس المجوسي فكان قتل عمر من أعظم المصائب ، ومن أفظع النوائب ، لأنه كان حصناً للسنة ، وباباً دون الفتنة ، نشر العدل ، ومحا الجهل . وبث العلم ، ودوّن الدواوين ، وكفل المساكين ، وجنّد الأجناد ، وحمى به الله البلاد ، وأسعد به العباد ، وبعدما قتل ، وقع في الأمة خلل ، وماجت الفتن ، وهاجت المحن . فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولحكمه سامعون مطيعون
    - قتل عثمان ، وهو يتلو القرآن ، فوقع دمه على المصحف الكريم ، وذهب هذا الإمام إلى جوار ربٍ رحيم ، بعدما جمع القرآن من الصدور إلى السطور ، وسابق إلى كل عمل مبرور . وكان أحد الأسخياء المعدودين ، والأجواد المحمودين ، قانتاً آناء الليل ، بدموع كالسيل ، محسناً إلى الأيتام ، فهو حسنة الأيام ، لا يمل من تلاوة الكتاب ، ولا يفتر من ذكر العذاب .
    - وقع علي بن أبي طالب شهيدا ، وسار إلى الله شهيدا ، بعدما نصر الملة ، وأدخل على الكفر الذلة ، وقمع الخوارج المارقين ، والمبتدعة المفارقين ، وكان بطل المشاهد ، وصاحب المساجد ، مع زهد معروف ، وعلم موصوف ، وفصاحة بارعة ، وعين دامعة ، وهمة عالية ، وأخلاق غالية ، وهو صاحب المواقف المحمودة ، والمآثر المشهودة
    - هزم سيف الله المسلول ، جيش الروم المخذول ، ورده على عقبيه مكسورا ، وطرده عن بلاد الإسلام محسورا ، بعد معركة دامية ، ووقعة حامية ، قتل فيها شهداء ، وحضرها علماء ، ثم أنزل الله نصره على أبي سليمان ، وجند الرحمن ، بعد مصاولة ومجاولة فالسيوف تتصبب دما ، والأرض تثور حمما ، والجماجم تتساقط على وقع الرماح ، والأبطال تصرع مع خروج الأرواح ، فالحمد لله على نصره ، ونفاذ أمره ، وعلو قدره .
    - استمعتم إلى نشرة الأخبار ، أيها الأخيار ، وإليكم حالة الطقس اليوم وغداً وأمس . القلب ملبد بالغيوم ، من كثرة الهموم ، وتراكم سحب الغموم ، رياح الذنوب تثير الأتربة ، على من له في الخطايا تجربة ، موعد شروق شمس التوحيد ، عند عودة العبيد ، إلى الولي الحميد ، يتوقع نزول الأمطار ، وذهاب الأخطار ، عند الإكثار من الاستغفار ، يخشى من نزول صواعق ، على كل كافر وخائن ومارق .
    نستودعكم الله ولنا لقاء ، مع تحيات وكالة الأنباء

  8. #38
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَــــة الــحــبّ



     وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ 
    ومن عجب أني أحن إليهمو
    وتطلبهم عيني وهم في سوادها
    فأسأل عنهم من لقيت وهم معي
    ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

    الحب على المحبين فرض ، وبه قامت السموات والأرض ، من لم يدخل جنة الحب ، لن ينال القرب ، بالحب عُبد الرب ، وتُرك الذنب ، وهان الخطب ، واحتمل الكرب .
    عقل بلا حب لا يفكر ، وعين بلا حب لا تبصر ، وسماء بلا حب لا تمطر ، وروض بلا حب لا يزهر ، وسفينة بلا حب لا تبحر .
    بالحب تتآلف المجرة ، وبالحب تدوم المسرة ، بالحب ترتسم على الثغر البسمة ، وتنطلق من الفجر النسمة ، وتشدو الطيور بالنغمة ، أرض بلا حب صحراء ، وحديقة بلا حب جرداء ، ومقلة بلا حب عمياء ، وأذن بلا حب صماء .
    شكا ألم الفراق الناسُ قبلي
    وأمّا مثل ما ضمت ضلوعي
    وروع بالجوى حي وميْتُ
    فإني ما سـمعت ولا رأيتُ

    بالحبِّ تُرضعُ الأم وليدَها ، وتروم الناقة وحيدَها . بالحب يقع الوفاق ، والضم والعناق ، وبالحب يعم السلام ، والمودّة والوئام .
    الحب هو بسِاط القربى بين الأحباب ، وهو سياج المودة بين الأصحاب . بالحب يفهم الطلاب كلام المعلم ، وبالحب يسير الجيش وراء القائد ويتقدم ، وبالحب تذعن الرعيّة ، ويعمل بالأحكام الشرعية ، تصان الحرمات ، وتقدس القربات .
    بيت لا يقوم على الحب مهدوم ، جيش لا يحمل الحب مهزوم . لكن أعظم الحب وأجلّه ، ما جاءت به الملّة ، أجمل كلمة في الحب قول الرب :  يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ  . فلا تطلب حباً دونه .
    ليس حباً قطعة معزوفة
    ليس حباً غزلٌ يمطرنا
    أو خطابٌ بارعٌ نمقه
    ما قفا نبكي هو الحب ولا
    ما درى مجنون ليلى سره
    إنما الحب دم تنـزفـه
    أو دموع ثرة تبعثها
    أو سجودٌ خاشع ترسمه
    من يراع الشاعر المنتحب
    في سطور الكاتب الحر الأبي
    والهٌ يروي صنوف العتب
    ظبية البان وذكرى زينب
    عبثٌ ذاك هيام الصخب
    في سبيل الله خير القرب
    سَحراً أصدق من قلب الصبي
    فوق خد الطين فاسجد واقرب

    أحب امرؤ القيس فتاة ، وأحب أبو جهل العزى ومناة ، وأحب قارون الذهب ، وأحب الرئاسة أبو لهب ، فأفلسوا جميعا ، لأنهم أخطؤوا خطأً شنيعا .
    أما حب بلال بن رباح ، فهو البر والصلاح . سحب على الرمضاء ، فنادى رب الأرض والسماء ، انبعث من قلب المحب أَحدٌ أَحد ، لأن في القلب إيماناً كجبل أُحد .
    إذا كان حب الهائمين من الورى
    فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي
    بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
    سرى قلبُه شوقاً إلى العالم الأعلى

    مهر الجنة عند بلال السنة ، ركعتان ودمعتان . الحب لا يعترف بالألوان ولا بالأوطان ، والدليل بلال وسلمان ، بلال أبيض القلب أسود البشرة ، فصار بالحب مع البررة ، وأبو لهب بالبغض ليس من أهل البيت ، وسلمان نال بالحب جائزة سلمان منا أهل البيت .
    دعني من حب مجنون ليلى ، ومحبوب سلمى ، ومعشوق عفرا ، فلطالما لطخت بأشعارهم الطروس ، وضاقت بأخبارهم النفوس ، وخدعت بقصائدهم الأجيال ، واتبعهم الضلال .
    حدثني عن أنباء الأنبياء ، وهم من أجل حب الرب يهجرون الآباء والأبناء .
    فإبراهيم يتبرأ من أبيه ، ونوح من بنيه ، وامرأة فرعون تلغي بنفسها عقد النكاح ، لأن البقاء مع الكافر سفاح .
    هذا هو عالم الحب بتضحياته ، بأفراحه وأتراحه ، وهو حب يصلك برضوان مَنْ رضاه مطلب ، وعفوه مكسب .
    والله ما نظرت عيني لغيركمو
    كل الذين رووا في الحب ملحمة
    يا واهب الحب والأشواق والمهج
    في آخر الصف أو في أسفل الدرج


    امرؤ القيس يصيح في نجد ، وقد غلبه الوجد ، قفا نبكِ فإذا بكاؤه على الأطلال ، وإذا دموعه تسفح على الرمال ، إنه هيام العقل بلا وازع ، وحيرة الإنسان بلا رادع .
    ورسولنا  يذوق الويلات ، ويعيش النكبات ، ثم ينادي مولاه في ومناجاة إخبات، ويقول : لك العتبى حتى ترضى .
    لا تضع عمري بشعر طرفة بن العبد ، وهو يشكو الحب والصد ، حب ماذا ، يا هذا ، أما علمت أن أحد الأنصار ، كان يقرأ  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  بتكرار ، فسئل عن المقصود ، قال : لأن فيها مدح المعبود ، وأنا أحب تلك البنود ، فدخل الجنة بالمحبة ، لأن الله أحبه .
    دعني أمسح فوق الروض أجفاني
    نسيت في حبكم أهلي ومنتجعي
    فالنور موقده من بعض أشجاني
    فحبكم عن جميع الناس ألهاني

    شغلونا بالروايات الشرقيّة ، والمسرحيّة الغربيّة ، ويل هذا الجيل ويله ، سهر مع غراميات ألف ليلة وليله ، وفي الذكر المنـزل ، والحديث المبجل ، قصص الحب الصادقة ، والمعاني الناطقة ، ما يخلب اللب ، ويستميل القلب .
    الحب ليس رواية شرقية
    الحب مبدأ دعوة قدسية
    بأريجها يتزوّج الأبطالُ
    فيها من النور العظيم جلالُ

    أخرجونا يا قوم من ظلمات عشق الأعراب ، والهيام في الأهداب ، فكل ما فوق التراب تراب ، وأدخلونا في عالم الحب الراقي ، والدواء الواقي ، الذي تطير له الأرواح، وتهتز له الأشباح ، في ملكوت الخلود ، وعلى بساط رب الوجود .
    دع حب هؤلاء فإنهم مرضى ، وتعال إلى الواحد وناد :  وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى   فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً  .
    في حالة البعد نفسي كنت أرسلها
    وهذه دولة الأشباح قد حضرت
    تقبل الأرض عنكم وهي رائدتي
    فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

    حمزة سيد الشهداء يمزق الحب تمزيقا ، وأنتم تهيمون بروايات غراميّة لفقت تلفيقا ، نقول حدثونا عن الحب عند ابن عباس ، فتذكرون لنا عشق أبي نواس ، كفى جفاء ، فأمّا الزبد فيذهب جُفاء .
    حب طلحة والزبير ، أعظم من حب شكسبير ، لأن حبهم سطر في بدر لمرضاة القوي العزيز ، وحب شكسبير كتب في شوارع لندن لمراهقي الإنجليز .
    إن كنت يا شاعر الغرب كتبت رواية الحب بالحبر ، فالصحابة سجلوا قصص المحبة بدم الصبر .
    لا تدري ربما عذبت بحبك ، وكتب عنك عند ربك ، هذا فراق ما بيني وبينك ، ونحن نسمع من أجل امرأة بكاءك وأنينك .
    ولما جعلتُ الحبَّ خدناً وصاحبا
    فلا تسمعني شكسبير ولهوه
    فلي في رحاب الله ملك ودولة
    تركت الهوى والعشق ينتحبانِ
    ورنة عود أو غناء غواني
    أظن السما والأرض قد حسداني

    كلما خرج علينا شاعر مخمور ، فاقد الشعور ، حفظنا شعره في الصدور ، وكتبناه في السطور ، وقلنا : يا عالم هذه قصصنا الغرامية ، ونسينا رسائلنا الإسلامية ، وفتوحاتنا السماوية ، التي ذهلت الإنسانية .
    علمني الحب من سورة الرحمن ، ولا تكدر خاطري بهيام يا ظبية البان . أنا ما أحب لغة العيون ، ولكن أحب لغة القلوب ، ولا اتباع فلتات أبي نواس والمجنون . ولكني أرتع في رياض الكتاب المكنون  وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ  .
    ومعنفي في الحب قلت له : اتئد
    فالدمع دمعي والعيون عيوني

    الحب الصادق في جامعة  إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ  ، والغرام الرخيص في مسرح الفنانين والفنّانات . استعرض نصوص الحب في وثيقة الوحي المقدس ، لترى فيها حياة الأنفس ، الحب الأرضي يقتل الإنسان بلا قيمة ، والحب السماوي يدعو العبد إلى حياة مستقيمة ، ليجد فضل الله ونعيمه .
    أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرق
    جهد الصبابة أن تكون كما أرى
    وجوىً يزيد وعبرة تترقـرق
    عيناً مسهّدة وقلباً يخفق

    حب العز عند فرعون ، وحب الكنـز عند قارون ، وحب البنـز عند شارون ، أما حب الجنة ، فعند أبطال السُنّة ، الذين حصلوا على أعظم مِنّه .
    الجعد بن درهم ذُبح على الابتداع ، وأنت تبخل بدمعة في محراب الاتباع .
    سقيناهمو كأساً سقونا بمثلها
    بلغنا السما جوداً وفضلاً وسؤدداً
    ولكننا كنا على الموت أصبرا
    وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

    أتريد من الجيل أن يحب الملك العلام ، ويصلي خلف الإمام ، ويحافظ على تكبيرة الإحرام ، وأنت تُحفّظه رباعيات الخيام ، ليبلّغهم رسالة لا بعث ولا نشور ، أعـوذ بالله من تلك القشور .
    يا حاج ، أين حملة المنهاج ، ما ترى كيف عشق الإمارة الحجاج ، وقتل في البدعة الحلاج ، وأنت من أحرص الناس على حياة ، فبماذا تدخل الجنة يا أخاه .
    من تداجي يا إبراهيم ناجي ، ومن تكلم ومن تناجي : تقول يا فؤادي رحم الله الهوى ، بل قتل الله الهوى .
    من يشارك في ثورة الخبز ، لا يحضر معركة العز ، لما نسيت الأمة حب القلوب ، واشتغلت بحب البطون ، رضيت بالدون ، وعاشت في هون .  وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  .
    هل عند الأمة فراغ في الأزمان ، تسمع صوت الحرمان ، وهو ينادي :
    إن العيون التي في طرفها حور
    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
    قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
    وهن أضعف خلق الله إنسانا

    نحن بحاجة إلى صوت خبيب بن عدي وهو يلقي قصيدة الفداء، على خشبة الفناء، في إصرار وإباء ، وصبر ومضاء :
    ولست أبالي حين أُقتل مسلماً
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ
    على أيّ جنبٍ كان في الله مصرعي
    يبارك على أشلاء شلوٍ ممزّعِ

    بارك الله فيك وفي أشلائك يا خبيب ، فأنت إلى قلوبنا حبيب .  وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ  ، اللهم اجعلنا ممن يحبك ويحب من يحبك ، ليؤنسنا قربك ، اللهم ازرع شجرة حبك في قلوبنا ، لنرى النور في دروبنا ، وننجو من ذنوبنا ، ونطهر من عيوبنا .
    إليكَ وإلا لا تشد الركائب
    وفيك وإلا فالغرام مضيع
    ومنك وإلا فالمؤمل خائبُ
    وعنك وإلا فالمحدث كاذبُ

    وإن تعجب فعجب أن ترى شاعراً بائسا ، يشكو طللاً دارسا ، فهو يبكي من نار الغرام ، ويشكو ألم الهيام ، ولو سافرت روحه في عالم الملكوت ، لصار وحبه عنده كالقوت . لو أدرك عنترة الإسلام ما كبا ، وما قال : اذكري يا عبل أيام الصبا .
    جرير يشكو العيون السود ، وبشار يشكو الصدود ، والشريف الرضي يشكو فتنة الخدود ، وكأن الحياة لديهم اختصرت في امرأة حسناء ، وكأن العمر يتسع لهذا الهراء ، ويحسبون أن الناس من أجلهم تركوا المنام ، وهجروا الطعام ، إذا افتخرنا على الغرب بأن لدينا نساء حسناوات ، وفتيات فاتنات ، قالوا لنا : عندنا في ذلك مسارح ومسرحيات ، ومغامرات وغراميّات . لكن فخرنا على الناس أن لدينا رسالة ملأت الكون نورا ، والعالم حبورا ، والدنيا طهورا .
    نحن الذين ملأنا جونا كرماً
    والعالم الآخر المشبوه في ظلمٍ
    وقد بعثنا على قرآننا أمما
    من يعبد الجنس أو من يعبد الصنما

  9. #39
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَـــة الـنحــويّــــة



     فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا 
    جَمِّل المنطق بالنحو فمن
    فاللسان العضب سيف مصلت
    يحرم الإعراب في النطق اختبل
    كم بسحر من حديث قد قتل

    اللحن في الأقوال ، أهون من اللحن في الأفعال ، لأن اللحن في الفعل يدل على الجهل وقلة العقل ، واللحن في الكلام يدل على أن صاحبه ليس له بالعربيّة إلمام .
    ونحن في زمن خفض المرفوع ، ورفع الموضوع ، وأصبح المجرور منصوبا ، والعلم بالجر مسحوبا ، وأصبحت النكرة معرفة ، والموصوف بلا صفة ، والمبتدأ بلا خبر ، والأفعال تجر ، فانظر لحال أهل التمييز ، كيف تركوا كل وصف عزيز .
    واعلم أن بعض اللحن لا يصلحه سيبويه ، ولا يقيمه نفطويه ، ومن لحن عند أولي الشان ، ذهب رأسه في خبر كانْ ، وكان جعفر البرمكي عند الرشيد كالمأمور ، فلما رفع المجرور ، ترك رأسه في البلاط يدور ، وهذا أبو جعفر المنصور ، لما رأى أبا مسلم يضم المكسور ، جعل سيفه في صدره كالضمير المستور .
    والعرب لا تبدأ بساكن ، لأنها تحب التنقل في المساكن ، أما تراها فتحت بالسيوف الجوازم الأقطار ، وحررت من سوء الحال الأمصار ، ولا تقف على متحرك ، لأنها تحب الساكن المتنسك ، وتبغض المتغير المتهتك .
    النحو لا يعترف بالأنساب ، ولا يقيم وزنا للأحساب ، لأن الوليد بن عبد الملك كان يلحن وهو من بني أمية ، وسيبويه عالم في النحو وهو من الديار العجمية ، والبخاري كان في صحة الكلام لا يجارى ، وهو من بخارى .
    هنا لحن في الذات ، ولحن في الصفات ، ولحن في الكلمات ، فلحن الذات التنكر للمعبود ، وغبش الرؤية للوجود ، ولحن الصفات هجر الآداب ، والتنابز بالألقاب ، ولحن الكلمات ، الجهل بالحركات والسكنات ، والفتحات والضمّات .
    يقول النحاة : ضرب عمروٌ زيدا ، وما ذكروا لهما وصفاً ولا قيدا ، فإن كان المقصود عمرو بن العاص ، فهو من الخواص ، وإن كان المقصود عمرو بن معدي كرب ، فهو المقدام ساعة الغضب ، وإن كان المقصود عمرو بن كلثوم ، فسيفه في الأعداء مثلوم،
    أما زيد فإن كان ابن ثابت ، ففي الأنصار نابت ، وإن كان ابن الخطاب ، فقد قتل في سبيل الوهاب ، وإن كان ابن حارثة ، فهو أسد كل حادثة .
    قالوا : كان معروف الكرخي العابد يلحن إذا نطق ، ولكنه يعرب في الأفعال فكلما تكلم قالوا : صدق .
    بلال يتكلم الحبشيّة ، وأبو لهب يتكلم القرشيّة ، ففهم بلال كلام ذي العزة والجلال ، ولم يفهم أبو لهب ، ما جاءت به الكتب ، لأن قلب بلال أحب العربي الأمين وقلب أبي لهب في الكفر مهين . دخل جوهر الصقلي باني القاهرة ، بجيوش باهرة ، فتكلم بلغة مغلوطة ، كأن لسانه مربوطة ، قال له العرب : أنت رجل لحّان ، لا تجيب في الامتحان ، أنت مولى بلا نسب ، ودخيل بلا حسب .
    فقال : كيف ؟ وسل السيف ، وقال : هذا نسبي ، ونثر الذهب ، وقال : يا عرب، هذا حسبي ، فصار أفصح من سحبان ، فالسيف والذهب خطيبان .
    الانتماء ليس للسان ولا البلدان ، وإنما للإيمان والقرآن ، والدليل ،البخاري محمد بن إسماعيل ، والرد على مذهب القومية الكريه ، بكتاب سيبويه . أعجميان لهم كتابان ، عظيمان عربيان ، البخاري أجل كتاب في الصحيح ، والكتاب لسيبويه الذي بز كل فصيح . سيبويه عصرنا ، وكسائي مصرنا ، من يرفع الفاعل ، وينصب المفعول ، فهذا نحوي مقبول ، يكفى الناس اليوم الآجروميّة ، وإلا تحولت الأمة إلى فارسية ورومية .
    يقول ابن مالك :
    كلامنا لفظ مفيد كاستقم
    اسم وفعل ثم حرف الكلم

    وهذا يقصد به الأقوال ، وأنا أقول في الأفعال .
    أفعالنا على الكتاب فاستقم
    كما أمرت وابتعد عن التهم


    قال : ترفع كان المبتدا اسما والخبر
    تنصبه ككان سيداً عمر


    أقول : يرفع ربي من يصدق الخبر
    مثل أبي بكر الجليل وعمر




    يقول هو : والأصل في الأخبار أن تؤخرا
    وجوّزوا التقديم إذ لا ضررا


    وأقول : والأصل في الأشرار أن تؤخرا
    وقدم الأخيار من بين الورى


    القرآن كاف شاف ، بلا كشاف ، لأن الزمخشري ، في سوق البدعة مشتري ، لحن في العقيدة ، وأعرب في القصيدة ، لو شرب من معين السلف الماء الزلال ، لما ورد نهر الاعتزال . بعض الظلمة من الرؤساء كان فصيحا ، وظلم ظلماً قبيحا ، قال : أنا إمام عادل ، وورع فاضل ، فقال شعبه : أنت عادل إمام ، ولكنك قدمت وأخّرت في الكلام
    لما لحن الجيل في الجمع والمثنى ، ونسي سيرة المثنى ، تعنّى وما بلغ ما تمنى .
    ضرب المعتصم أحمد ، وتوعّد وهدّد ، فما أجاب بحرف ، لأن أحمد ممنوع من الصرف ، أما أحمد بن أبي دُؤاد فصرف في سوق الذهب ، لأن الورع من قلبه ذهب .
    يا أيها المسلمون : اصرفوا إسرائيل ولو كانت ممنوعة من الصرف ، لأن للضرورة أحكاما في اللغة والعرف . لا تخدعك الأسماء وتنسى الأفعال ، فنصير الدين الطوسي ، صار عدو الدين المجوسي ، لأنه كسر رؤوس المسلمين بالسيوف الجازمة ، وأفتى هولاكو تلك الفتاوى الآثمة .
    اشتغلنا بالفعل الماضي عن الفعل المضارع والأمر ، فكلامنا :
    انتصرنا فيما مضى ، وهذا ذهب وانقضى ، وفتح أجدادنا البلاد ، وأين فتحنا اليوم يا أحفاد ، أسلافنا مبتدأ لكن أين الخبر ، ليتم الكلام المعتبر :
    والخبر الجزء المتم الفائدة
    كـ الله بر والأيادي شاهدة

    يقول النحاة : المصغّر ، لا يصغر . قلت : بل يصغره الله يا أعراب ، أما رأيتم ما فعل بمسيلمة الكذاب ، كيف صغّره وحقّره ، وبالتراب عفّره . أما مسلمة بن عبد الملك فلم يكن مصغّرا ، فعاش مجاهداً مظفّرا .
    إذا رأيت الصفات تتقدم الأسماء ، فاعلم أن المعاني هباء ، فالمتأخرون يصفون البعض ، عند العرض ، فيقولون : علامة عصره ، وفريدة دهرة ، وقدوة الأنام ، وعلم الأعلام . بينما كان السلف يقولون : أبو بكر وعمر ، ولا يذكرون النعوت والسير ، لأن المعارف لا تعرّف ، وكامل الأوصاف لا يوصف .
    احذر ثلاث كلمات ، إذا وقعت بلا إضافات صحيحات .
    كلمة أنا فهي مدح الشياطين ، لما قال كبيرهم : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، ولكن قل : أنا العبد الضعيف ، أطلب عفو اللطيف .
    وكلمة لي قال فرعون في القصر : أليس لي ملك مصر ، فصار في الهلاك آية لكل عصر ، ولكن قل : لي ذنوب ، أرجو رحمة علام الغيوب .
    وكلمة عندي قالها قارون ، فجعلها بالخسف عبرة لكل القرون ، ولكن قل : عندي تقصير ، يصلحه اللطيف الخبير .
    علي بن أبي طالب مرفوع عندنا بين الفتح والخفض ، فقد أخطأ فيه أهل النصب والرفض ، فالنواصب هضموا حقه ، ونسوا صدقة ، والروافض أنزلوه فوق المنـزلة ، فصار وصفهم مهزلة .
    فيا أيها الناصبي : عليٌّ مرفوع وعلامة رفعه ، علو الهمة ، وتزكية رسول الأمة .
    ويا أيها الرافضي : لا تغالِ ، فعليٌّ بغير هذا الغلو عالِ .
    ذكر عن سيبويه ، ذلك العالم الوجيه ، أنه أتى ليُعرِّف اسم الجلالة ، فلما وقف أمام كلمة الله وتذكر كماله ، وتأمل جماله . قال: الله أعرف المعارف ، لا يحتاج إلى تعريف ، ومن جمع الصفات لا ينقصه التوصيف .
    يا أنت يا أحسن الأسماء في خلدي
    تقاصرت كلها الأعلام إن ذكرت
    خذها من الوحي نعتاً للجليل ولا
    فارفع شعائره وانصب لخدمته
    وكن مضافاً إلى أصحاب طاعته
    واجزم بحكمته في نصر شرعته
    ماذا أعرف من عز ومن شرفِ
    أوصافكم قد رواها عنك كل وفي
    تأخذ من الجهم والكشاف والنسفي
    وجر رجلك في ذل وفي أسفِ
    ولا تعرف شقياً بات في ترفِ
    وقف على ساكن التنزيل كالسلفِ


    قال شاب لأحد الأولياء : يا ليتني أدركت الرسول  وكنت خادماً بين يديه ؟
    قال : لعلك ترحم بهذا لأن المضاف يأخذ حكم المضاف إليه .
    - زاد اليهود نقطه ، فوقعوا في ورطه ، وسقطوا سقطة ، قيل لهم قولوا : حطه ، فقالوا : حنطه .
    - وزاد المبتدعة حرفا ، فصرفوا عن الصواب صرفا ، قالوا : استولى مكان استوى ، وهذا من الزيغ والهوى .
    - للوصف صلة بالاسم ، فأبو بكر الصديق ، لما صدق في القول والاعتقاد ، عرف بهذا الوصف بين العباد ، وعمر عمر الدولة بالعدل ، وطرد الجهل ، وعثمان بن عفان ، عف عن كل فان ، وعلي بن أبي طالب ، علا في المناقب ، فسلم من المثالب .
    - كن بالتوحيد مرفوع الهامة ، وبالأخلاق منصوب القامة ، وليكن عليك من الصلاح علامة ، لتنجو يوم القيامة .
    - واعلم أن المزاح المباح ما عارض به بعضهم الألفية النحوية ، وجعلها للمطاعم الشهية .
    قال ابن مالك : والأصل في الأخبار أن تؤخرا

    وجوّزوا التقديم إذ لا ضررا


    قال أحدهم : والأصل في الأخباز أن تحمّرا

    وجوّزوا الفطير إذ لا ضررا

    وقال الشيخ ابن عثيمين كان له شيخ يقول على سبيل المزاح
    والأصل في الأخباز أن تقمّرا

    وجوّزوا الترقيق إذ لا ضررا

  10. #40
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَـــة الجـمـــال



     الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ 
    ليس الجمال بمئزرٍ
    إن الجمال مآثرٌ
    فاعلم وإن رُدّيت بُرْدا
    ومناقبٌ أورثن حمدا

    الله جميل يحب الجمال ، موصوف بالجلال ، انظر نهجه ، وقد أنبت حدائق ذات بهجة ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأبدع الكائنات في تصوير مستقيم ، جمال في كواكب السماء ، وحسن يكسو الأشياء ، نجوم زاهرة ، وبحار زاخرة ، كأن الأرض مكسوة بأحسن نسيج ، والحدائق فيها من كل زوج بهيج ، رسم الجمال في الكائنات ، وخط الحسن في المخلوقات .
    الجمال في العين بلونها الأسود ، وبجفنها المقعد ، بسحر نظرتها ، وروعة خطرتها ، مدورة في بهاء ، متحركة في سناء ، لها في الظلام بريق ، ولها في الحركة تلفت رشيق ، عليها رمش يحميها ، ويغسلها ولا يدميها ، وهي في نهر من الماء تسبح ، وفي هالة من النور تمرح ، في نظرها أسرار ، وفي تلفتها أخبار ، لها لغة تفهمها القلوب ، ولها سحر تكاد منه النفس تذوب . في طرفها حور ، يقتل من نظر ، لها في النفوس إيماءات ، وفي الأرواح إضاءات ، يعرف بها الرضا والغضب ، والجد واللّعب :
    في عيون المحب أحرف وُدٍّ
    قُتلت أنفسٌ بنظرة عين
    سطرت بالدموع عند الفراقِ
    وقلوب مشتاقة للتلاقي

    الجمال في الفم وهو بالحسن محبوك ، وبالأسنان مسبوك ، يرسل الكلمات ، ويبعث النغمات ، بلسان فصيح ، وصوت مليح ، لا ينطق حتى يؤمر ، ولا يسكت حتى يزجر ، فيا له من خلق ما أبدعه ، ومن صنع ما أروعه  أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ  الجمال في الوجه ، بطلعته البهية ، وإشراقاته الرضية ، قسمات ترسم ، وقبلات عليه من البهاء تبسم ، خد بماء البشاشة يسيل ، وطرف بإيحاء الحسن كحيل ، دمع كالسيل ، وشعر كالليل . وجبين كالمهنّد ، وفم منضّد .
    الجمال في قامة الإنسان ، وروعة هذا البنيان ، أذنان وصِماخان ، وعينان نضاختان، ويدان منافحتان ، ورجلان كادحتان .
    الجمال في الروض الجذاب ، بجماله الخلاب ، طيور تلقي قصائد الحنان ، على منابر الأغصان ، وحمام ينشد إلياذة الفراق ، على أطراف الأوراق ، وماء يسكب ، ونسيم يكتب ، أنهار ودوح ، ومسك من الروض يفوح ، حسن باهي ، وإبداع إلهي  سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى  .
    انظر إلى الروض واشهد أن مبدعه
    وسرح الطرف فيما شئت من حسن
    رب الوجود عظيم القدر والشان
    ما بين زهر وأطيار وأغصان

    الجمال في الصبح إذا تنفس ، فسبحان من صوره وتقدس ، الصبح بطلعته الآسرة، وإطلالته الباهرة ، الصبح وهو يغشى العالم ، ويمر على كل قاعد وقائم ، الصبح وهو ينشر عباءته الذهبية على الوجود ، فيكاد يكلمه من حسنه الجلمود ، الصبح يوم يتوضأ الفكر في عباب نوره ، ويغتسل القلب في بحر سروره ، وتسرح النفس في مهرجان عرسه، وتنصت الروح لهمسه وجرسه .
    الجمال في الليل إذا عسعس ، وأقبل في هدوء يتوجس ، يقبل الليل بردائه الأسود ، وشعره المجعد ، فيستر الأحياء بثيابه ، ويضع الأشياء تحت جلبابه ، فيملأ بجيشه المساكن ، فكل متحرك ساكن ، والليل له هيبة في العيون ، كأنه كتيبه تحمل المنون .
    من لم يرى هذا الوجود بقلبه
    فافتح كتاب الكون تقرأ قصة
    خسر الجمال ولم ترى عيناه
    هل في الوجود حقيقة إلا هو

    الجمال في الشمس وهي على الكون تتبرج ، ليتمتع في الحسن كل حيٍّ ويتفرج ، أشعة تعانق العين في صفاء ، وتداعب الروح في وفاء ، نور يطارد الظلام ، ويبعث في الكون الإشراق والوئام ، الشمس جرم هائل من النور ، فيها معاني الفرح والسرور ، تجري لمستقر لها ، فويل لمن غفل عن آياته ولها .
    تقول الشمس يا بلقيس إني
    حرام تسجدين لنا فهيا
    كمثلك أعبد الأحد المجيدا
    نري رب الورى منا سجودا

    الجمال في القمر يوم يبدأ علينا بهذا الوجه الصبيح ، والمنظر المليح ، هالة من الصفاء، وفيض من السناء ، ينزل أبراجه في وقار ، ويطارد الظلام بالأنوار ، كثيرُ إحسان ، حبيبٌ إلى كل إنسان ، إذا خسف بكى الناس ، كأن حل بهم الباس ، يتدرج في النمو حتى يكتمل ، ويهرم شيئاً فشيئاً حتى يضمحل ، فسبحان من صوّر ودبّر ، وزين القمر وكوّر.
    يا بدر كم لك منة
    لا تبتعد عن دارنا
    رافقت من غبروا ومن
    يا أيها الشيخ الجليل
    يا صاحب الوجه الجميل
    عرفوا الحياة بكل جيل

    والجمال في النجوم اللاّمعة ، والكواكب الساطعة ، انظر إلى السماء ، في الظلماء ، وقد رصع تاجها بالنجوم ، التي تذهب رؤيتها الهموم والغموم ، مهرجان حي من الحسن الباهر ، حفل بهيج من الجلال الظاهر ، الجوزاء تضحك في الظلماء ، كأنها حسناء في قصر أحد العظماء ، الثريا في صويحباتها ، ومع رفيقاتها ، في مشهد عجيب ، وفي صمت رهيب ، سُهيل وقد هجر الجميع واعتزل ، وهو واقف ما مشى وما نزل ، آلاف النجوم تجمل هذا الفضاء الكبير ، بتقدير اللطيف الخبير ، نجم تراه عن الجميع شاردا ، ونجم يحرق ماردا ، ونجم يُعرف به السفر ، ويستدل به البدو والحضر ، ونجم إنما هو زينه ، لهذه السماء الحسينة .
    ألم تر هذا الكون في صنعه عبر

    وفي كل شيء في طليعته خبر

    كأن الثريا علقت بجبينه

    وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر

    الجمال في الجبال ، بالوقار قائمه ، وفي جلال القدر هائمة ، ثابتة على مر الأزمان ، باقية ما تعاقب الحدثان ، تمر بها الرياح الهوجاء ، وهي صامدة صمّاء .
    عاش معها ثمود وعاد ، وساسان وشداد ، وهي باقية والجمع قد باد ، صاحبت القرون ، وشاهدت فرعون وقارون ، فبقيت وهم ماتوا ، وحضرت وهم فاتوا  وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا  . وكل ما مر يدخل في جمال الذات ، وحسن الصفات .
    أما جمال المعنى ، فكن معنا ، ولا تذهب وتدعنا .
    فمن ذلك جمال البيان ، مثلما أشرقت به شمس القرآن ، أما رأيت حسن هذا الكتاب المقدس ، الذي على الصدق تأسس .
    تأثير يسافر إلى أعماق الأرواح ، وأسر يشد ما اهتز من الصور والأشباح ، نبأ يقف العاقل متفكرا ، وخبر يجعل الإنسان متذكرا ، حقيقة تغوص في الضمائر ، وطهر يرسخ في السرائر ، موكب من النور يجتث أكوام الرذيلة ، فيض من الحق يحمل معاني الفضيلة ، قافلة من الصلاح تطوي صحراء النفوس طيا ، نهر من البر يروي القلوب العطشى رِيّا ، إيماء وإيجاز ، وإفحام وإعجاز ، عذوبة وحلاوة ، وسلاسة وطلاوة ، قوة وأصالة ، فصاحة وجزالة ، لغة جميلة ، مقاصد جليلة ، براعة استهلال ، وحسن تفصيل وإجمال ، يسافر بقلبك إلى عالم الخلود ، ويرتحل بروحك إلى حقيقة الوجود ، ويغسل ضميرك من لوثة الخيانة ، ويطهر كيانك بماء الأمانة ، مشاهد وصور ، وأحداث وعبر ، وأخبار وسير ، وقصص وأمثال ، وأفعال وأقوال ، عالم الحياة بأريجه وضجيجه ، وعالم الموت بأناته ونشيجه ، دول تمر مر السحاب ، وملوك تدس في التراب ، تقرأ هذه المعجزة الخالدة ، فإذا الأمم البائدة ، حضارات تسقط كأوراق التوت ، وممالك تتهاوى كبيت العنكبوت ، والقرآن يناديك من أطراف لبك ، ومن سويداء قلبك ، تدبر يا عبد ، جد فإن الأمر جد ، ودع الرد والصد ، استفق يا إنسان ، اهجر عالم الغفلة والنسيان .
    انبعث من قبور الأشقياء ، وتعال إلى جنات الأتقياء ، انفض غبار الوثنية ، ارفض وساوس الجاهلية ، أعتق رقبتك من النار ، حصن نفسك من البوار، ارفع رأسك في سماء الكرامة ، أنت من أمة الخلافة والإمامة ، تقدم لإصلاح العالم ، فالكل سواك هائم عائم .
    سمعتك يا قرآن والليل واجم
    فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها
    سريت تهز الكون سبحان الذي أسرى
    فسل دولة الأخبار يرموك أو بدرا

    أيها الإنسان ، شاهد الكون ، بعين الإيمان ، تنظر للشوك ولا ترى الزهور ، تشاهد الآسن ولا تبصر الطهور ، يهولك الليل بالظلام ، ولا تستمتع ببدر التمام ، تشكو من حرارة الشمس اللاذعة ، ولا تتلذذ بتلك الأشعة الساطعة .
    تستوحش من وحدة الصحراء ، ولا يؤنسك فيها روعة الإيحاء ، ما لك تزعجك الرياح الهوجاء ، فأين حسنها إذا زارتك وهي رخاء ، تنظر إلى الصخر كيف تحجّر ، ولا تنظر إلى الماء منه كيف تفجر ، تبصر رداءة التراب ، ولا تدرك أنه مادة الإنجاب والإخصاب ، لا ترى من السيل إلا الدمار ، وهو مصدر النماء والعمار ، تأخذ من المصيبة العويل ، وتنسى الأجر الجزيل .
    تضع على عينيك نظراة سوداء ، لترى الحياة جرداء مرداء ، فأين الندى والطل ، وأين الخضرة والظل ، تسمع نعيق الغراب ، ولا تنصت لهديل الحمام الجذاب ، انظر إلى الحياة في ثياب جمالها ، وفي رداء جلالها ، شاهد الكون وهو في عباءة البهاء ، وحلة السناء ، طالع العالم بعين الحب ، لتشاهد بديع صنع الرب ، واعلم أن الجحود إلحاد ، والتنكر فساد ، ومن لم يشاهد إلا القبيح ، فرأيه غير صحيح  قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ   هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ  .

صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. اطلب ثوابك من ربك د. عائض القرني
    بواسطة عزتي احرقت جمر الاشواق.. في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-12-2010, 08:05 AM
  2. الشيخ عائض بن عبدالله القرني
    بواسطة القيصر السليطي في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-04-2010, 12:53 AM
  3. حسرات للشيخ عائض القرني
    بواسطة زهر الربيع في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 13-02-2010, 12:25 AM
  4. لا تحزن للدكتور عائض القرني
    بواسطة رنين الاصوات في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 11-02-2010, 09:19 AM
  5. خواطرللشيخ عائض القرني
    بواسطة Full MooN في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-03-2009, 12:12 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك