الأردن.. نقاش عاصف حول مبررات قمع الإعتصامات بعد أزمة عمال ميناء العقبة
إتجاهات عشائرية تنضم للحزبية هذه المرة في الإعتراض على إستخدام القوة
الأردن.. نقاش عاصف حول مبررات قمع الإعتصامات بعد أزمة عمال ميناء العقبة وملف عمال المياومة ينفجر في حضن وزارة الذهبي
لا أحد يعرف بعد لماذا سمح رئيس الوزراء الأردني نادر الذهبي لأزمة عمال الموانىء بالتشكل أصلا قبل إنصرافه لمعالجتها وبقرار "إداري" بسيط كان يمكن إتخاذ مثله مبكرا. ولا احد يعرف لماذا قرر الرئيس الذهبي الصمت لخمسة ايام غرقت فيها البلاد بكل أنواع الجدل السياسي والأمني قبل ان يتدخل كرجل يستطيع "إحتواء" المشكلات لكن بعد تفاقمها.
وقبل ذلك "أطفأ" الرئيس الذهبي بمجرد لقاء بروتوكولي على الطريقة الأردنية الكلاسيكية إنفعالات اهالي قرية الطيبة الجنوبية مثبتا ان الحكومة تستطيع ممارسة الإطفاء عندما تتحرك او ترغب.
وحتى الأن يمكن القول ان أزمة عمال الموانىء وردت على لسان كل أردني وعلى الكثير من ألسنة الإعلام العربي رغم انها مسألة بسيطة جدا وتتعلق بمطلب معيشي يخص ألف عامل من أفقر طبقات المجتمع، الأمر الذي طرح تساؤلات في اعلى المستويات عن حقيقة ما حصل وعن تباطؤ المستوى السياسي في الحكومة في التعامل مع الأزمة وإحتوائها ولاحقا طريقة التعاطي "امنيا" معها.
وأزمة عمال الميناء الوحيد في المملكة بدأت مع إعتصام عادي للعمال يطالب ببدل سكن لهم لكن سرعان ما طلب الحاكم الإداري للعقبة تدخل قوات الدرك التي تصرفت بقوة وطاردت العمال كما يقولون مسافة طويلة واعتقلت بعضهم.
وانتهت موجة العنف هذه بعامل جريح بإصابة خطرة تقول عائلته ان دورية لشرطة الدرك ألقت به بالشارع وتقول لجنة تحقيق أمنية انه القى بنفسه ونتج عن الصدام سبعة جرحى ونحو سبعين معتقلا.
وسرعان ما دخلت الصحافة والبرلمان والأحزاب السياسية على خط المسألة في حملة نقد شرسة لأداء السلطات والحكومة في هذه المسألة التي تعتبر اعتيادية وبسيطة جدا قبل ان يطال النقاش العاصف فلسفة وجود قوات الدرك نفسها وفلسفة القبضة الأمنية المتشددة وفكرة وجود قوات مكافحة شغب في مدينة سياحية وادعة كالعقبة وكذلك الرسائل السياسية المبطنة والمحتملة.
ومعطيات المعلومات التي توفرت حتى الأن توحي بان هذه الأزمة "مجانية" ونتجت بكل الأحوال عن ضعف هوامش المبادرة والمناورة في المساحة الحكومية خصوصا وأن محافظ مدينة العقبة زيد زريقات كان يرد على كل التساؤلات التي ترده بالإشارة إلى انه تلقى دوما التعليمات وإلتزم بتنفيذها، الأمر الذي يشير لمسؤولية وزارة الداخلية في حكومة الذهبي عن المشهد برمته.
ومن الواضح ان ما رشح عن المحافظ هنا يؤشر الى حالة "التلاوم" التي سادت بين أطراف الأزمة كلها بعدما سألت المرجعيات عن التفاصيل فالرئيس الذهبي تحرك في اللحظات الأخيرة ووزراء في حكومته أشاروا الى أن الرئاسة تعتبر أبو غيدا مسؤولا اساسيا عن الأزمة.
بالمقابل وزارة الداخلية تنصلت في لقاءات مغلقة من مسؤولية إصدار أمر مباشر بإستخدام العنف وقالت ان الحفاظ على هيبة النظام تطلبت منع العمال في ظل نوايا التخريب عند بعضهم التصرف بحزم دفاعا عن القانون والنظام مشيرا لإن الهدف من ذلك كان حماية الإستثمار ومنع ظهور الإعتصامات وإمتدادها إلى شوارع مدينة العقبة نفسها وسط السياح، الأمر الذي كان متوقعا حسب اللجنة الأمنية في دار المحافظة .
وأزمة عمال الميناء في العقبة تردد صداها في اعلى مستويات الشارع والسياسة ايضا خصوصا بعدما طلب الديوان الملكي الإطلاع على التفاصيل وتحديد وتشخيص ما حصل.
ومن الواضح ان الجو الإعلامي والصحفي الذي سلط الأضواء بقوة على قمع العمال ساهم هو الآخر في توتير الأجواء حول الحزام السياسي الحكومي.
ومن الواضح أيضا ان إهتمام الإعلام والإتصالات العليا الخاصة التي جرت دفعت الرئيس الذهبي لاحقا لإصدار تعليماته بالإفراج عن المعتقلين وهو ما حصل بعدما وصلت للرئاسة المعلومات الأمنية التي تقول بان بعض الحافلات التي تضم أبناء العشائر ستتحرك إلى عمان صباح الأحد لتنظيم إعتصام بصبغة عشائرية أمام مجلس النواب ليس فقط إحتجاجا على العامل المصاب إصابة خطرة ولكن ايضا على كل ما حصل.
وقد حصل هذا الإعتصام ورفعت فيه لافتات تطالب بمحاسبة المجرمين عن الإعتداء على العمال المصابين وإقالة الحاكم الإداري في تصعيد مباشر في لهجة المعترضين.
وحصل التعاطف الإعلامي بسبب بساطة المطالب السكنية للعمال وعدم وجود هتاف او شعار سياسي لهم لكن انفلات الأمر عند بعض المفاصل اصبح بحد ذاته سؤالا مثارا في عمق تحقيقات وتقييمات جرت في مؤسسات سيادية للمشهد برمته وهو مشهد من المرجح ان يساهم في قرارات سياسية ووظيفية ستشمل على الأغلب العقبة وحتى الحكومة خصوصا وان قوات الدرك الوطني قالت بوضوح انها إستجابت حرفيا لتعليمات الحاكم الإداري ووزارة الداخلية في الوقت الذي تحركت فيه ضد التوجهات الحكومية واللجنة النقابية التي تمثل عمال المياومة وهم فئة عريضة جدا في المجتمع الأردني.
المصدر : الحقيقة الدولية – القدس اللندنية 3.8.2009
رد مع اقتباس
المفضلات